لا يكتفي الاحتلال الإسرائيلي بمخططات وعمليات الاستيطان والتهويد للقدس بموازاة ترحيل الفلسطينيين منها، وسحب الإقامة منهم في المدينة بحجج واهية، وفرض شروط قاسية لتثبيت إقامتهم فيها، بل يسعى حتى لإخفائهم أيضاً من الإحصاءات الرسمية وتقليل عددهم الحقيقي وتغيير نسبة وجودهم فيها.
فقد كشفت صحيفة "هآرتس"، اليوم الأربعاء، أنه مع استعداد الاحتلال لإحياء ما يسميه بـ"يوم القدس"، وهو يوم سقوط الشطر الشرقي من المدنية واحتلالها في حرب حزيران عام 67، فإنه من المقرر أن ينشر معهد "يروشلايم لدراسة السياسات" معطيات مختلفة عن المدينة، والتوزيع الديمغرافي لسكانها، الفلسطينيين والإسرائيليين، اعتماداً على معطيات دائرة الإحصاءات المركزية.
وقالت الصحيفة إن المعطيات الرسمية للدائرة المذكورة تتحدث رسمياً عن وجود 542 ألف يهودي (أي 63%) يعيشون في المدينة مقابل 324 ألف فلسطيني (أي 37%)، ما يكرس "أغلبية يهودية" كبيرة في المدينة. لكن هذه المعطيات غير صحيحة وغير دقيقة، إذ تتجاهل في واقع الحال عشرات آلاف الفلسطينيين من أهل المدنية الذين لا يذكرهم الاحتلال في معطياته الرسمية ولا يعتبرهم من سكانها.
وقالت الصحيفة إن المعطيات الرسمية المذكورة تتناقض مثلاً مع المعطيات التي توصل إليها اتحاد تزويد المياه في المدينة، بعد إجراء مسح شامل لكافة أحيائها بشكل ميداني، إذ اتضح أن الدوائر الرسمية "أضاعت" أو قفزت عن عشرات آلاف الفلسطينيين الذي يعيشون ويسكنون على "أطراف المدينة"، وفي حال إضافتهم تتغيّر موازين القوى الديمغرافية في المدينة وتتراجع "الأغلبية اليهودية" فيها من 63% إلى 59% فقط.
ويتضح من التفاصيل أن الاحتلال لا يحسب أعداد عشرات آلاف الفلسطينيين الذين يعيشون في أحياء تقع اليوم وراء جدار الفصل، خاصة في منطقة مخيم شعفاط وقرية كفر عقب، مع أنهما محسوبان على منطقة نفوذ بلدية القدس.
ووفقاً لتقرير "هآرتس" فلا أحد يعرف بالضبط عدد الفلسطينيين الذين يعيشون في هذه المناطق، وراء الجدار، دون أن يكونوا تابعين للسلطة الفلسطينية بعد بناء الجدار. مع ذلك فإن معطيات دائرة الإحصاء الإسرائيلية تقدّر عدد الفلسطينيين في هذه المناطق بنحو ستين ألف نسمة، فيما ترى تقديرات أكثر دقة أن أعدادهم قد تصل إلى نحو 140 ألف نسمة، وفقاً لمسح شامل أجرته شركة اتحاد تزويد المياه "جيحون"، تمت الاستعانة لإجرائه أيضاً بصور جوية لهذه الأحياء لمعرفة مساحات البيوت فيها وتقدير عدد الأنفس في كل بيت وعبر حساب كميات المياه التي تم استهلاكها وكميات مياه الصرف الصحي والمجاري وحتى النفايات التي تخرج منها.
ووفقاً لـ"هآرتس" فإن باحثين ومختصين من مختلف المجالات ممن اطلعوا على هذا البحث أقروا بأنه علمي ودقيق، خاصة في ذهابه إلى تقدير عدد السكان في هاتين المنطقتين (مخيم شعفاط وكفر عقب) بما يتراوح بين 120- 140 ألف فلسطيني، يعيش غالبيتهم (نحو 80 ألف شخص) في مخيم شعفاط والأحياء السكنية المحيطة به، وهو معطى قالت الصحيفة إنه مقبول أيضاً لدى مراقب الدولة الإسرائيلي الذي قدّر عدد الفلسطينيين في هاتين المنطقتين بنحو 140 ألف نسمة.
وقالت الباحثة الإسرائيلية، مايا حوشن، والتي أجرت البحث، إن نحو 40 ألف نسمة ممن يسكنون في مخيم شعفاط هم من سكان القدس، وانتقلوا للسكن في المخيم بسبب أسعار الشقق السكنية، لكنهم أبقوا على عناوينهم السكنية كسكان لمدينة القدس، وبالتالي فإنه يتعيّن إضافة ما يقارب 50 ألف نسمة كفلسطينيين من سكان القدس، ما يعني تغيير المعطيات الرسمية والتقسيم الديمغرافي في المدينة وفقاً للنسبة الحقيقية للفلسطينيين في المدينة، أي 41% وليس 37% كما تدّعي دائرة الإحصاء المركزية. ولفت التقرير إلى أن لهذه المعطيات دلالات سياسية واضحة لا يمكن تجاهلها.
إلى ذلك تواصل سلطات الاحتلال عبر مكتب وزارة الداخلية الإسرائيلية في حي الشيخ جراح في القدس المحتلة، مراكمة العقبات والصعوبات أمام سكان المدينة الفلسطينيين للاحتفاظ بحق إقامتهم في المدينة، عبر اشتراط إثبات مثلاً أن القدس مركز حياتهم، وأنهم يعملون فيها ويقيمون فيها لسنوات، مع طلب إبراز وثائق دفع ضرائب بلدية، وذلك بموازاة تشديد سياسات منع إعطاء رخص للبناء، وتكثيف إصدار وتنفيذ أوامر هدم للبيوت التي يدعي الاحتلال أنها شيدت دون ترخيص.