اتفاق السلام بين الحكومة الكولومبية والقوات المسلحة الثورية الكولومبية أو جيش الشعب (فارك)، الذي تأسس كجناح عسكري للحزب الشيوعي الكولومبي، ليس حدثاً عابراً بالنسبة للأتراك على الرغم من البعد الجغرافي. وقد قصرت المسافة بين كولومبيا وتركيا بالذات بعدما رفضت غالبية ضئيلة من الشعب الكولومبي اتفاق سلام ينهي آخر صراعات تراث الحرب الباردة، إذ إن عدداً من المثقفين والكتاب الأتراك كان يعوّل على هذا الاتفاق بوصفه نموذجاً يحتذى به لإنهاء تمرد حزب العمال الكردستاني والوصول إلى اتفاق ينهي الحرب العبثية. على الرغم من أن تنفيذ اتفاق السلام، لا يستوجب، بحسب الدستور الكولومبي، إجراء أي استفتاء، فضل رئيس كولومبيا، خوان مانويل سانتوس، إجراء الاستفتاء، انتصر فيه معسكر الرافضين للاتفاق بقيادة الرئيس الكولومبي السابق، ألفارو أوريبي، بفارق ضئيل. بحسب أوريبي، فإن جناحه لم يرفض السلام لكن رفض الاتفاق، وبالذات بعض البنود التي تعفي قيادات "فارك" من المحاسبة على الجرائم التي ارتكبتها، وهي ليست بالقليلة. كذلك يعترض هذا الجناح على منح "فارك" حصة في البرلمان الكولومبي في الانتخابات المقبلة. في المقابل، لم تكن حجج الرئيس الحالي لدعم الاتفاق تتعدى الترويج بأن هذا أفضل اتفاق يمكن الوصول إليه.
بالخوض في التفاصيل، يتبين مدى دور مفاعيل السياسة الداخلية في تحديد توجهات الناخبين، حتى في الأمور المصيرية. لم يرفض الكولومبيون اتفاق السلام، بل رفضوا الجهة التي وقعت عليه، أي الحكومة الكولومبية. عانت الحكومة الكولومبية، في الفترة الأخيرة، من انخفاض كبير في شعبيتها، إذ إنه، بحسب آخر استطلاعات الرأي التي أجريت في مايو/أيار الماضي، لم تتجاوز نسبة الداعمين لها أكثر من 28 في المائة من المستطلعين، وذلك لأسباب عديدة، تأتي في مقدمتها الاضطرابات الاقتصادية التي تعاني منها البلاد، وانخفاض سعر البيزو أمام الدولار، وكذلك بعض المناوشات الداخلية، بعد محاولة الحكومة إدخال وتعديل المناهج الدراسية المتعلقة بالتعليم الجنسي للأطفال، الأمر الذي رفضته الكنيسة الكاثوليكية والمحافظون الكولومبيون، بل وأكثر من ذلك قامت هذه الطبقات بالتحالف مع الرافضين للاتفاق، لضرب الحكومة.
وفي التوزيع الديموغرافي، كانت نسبة رافضي الاتفاق متمركزة بشكل أساسي في العاصمة بوغوتا والمناطق المحيطة بها، والتي تعتبر الأقل تأثراً بالصراع، بينما كانت نسبة المؤيدين ساحقة، في المناطق الأكثر تأثراً بالصراع.
وفي التوزيع الديموغرافي، كانت نسبة رافضي الاتفاق متمركزة بشكل أساسي في العاصمة بوغوتا والمناطق المحيطة بها، والتي تعتبر الأقل تأثراً بالصراع، بينما كانت نسبة المؤيدين ساحقة، في المناطق الأكثر تأثراً بالصراع.