سلاح المقاومة الذي لا يُنزع

09 اغسطس 2014
+ الخط -

ويقولون إنه ينبغي، في أي اتفاق، نزع سلاح غزة، أو في تعبير آخر، نزع سلاح حركة حماس والفصائل الفلسطينية في غزة. يقول الكيان الصهيوني ووزراؤه ذلك كثيراً، في هذه الأيام، وبصيغ شتى. وقال وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، الأمر نفسه، وربطه بفكرة إجرائية، تؤدي إلى النتيجة المرجوّة نفسها.

لقد شكّل، ويشكّل، سلاح المقاومة، في أغلب المواجهات الأخيرة مع اعتداءات الصهاينة، وفي هذه المواجهة تحديداً، صداعاً كبيراً للجيش الصهيوني وقيادته السياسية، خصوصاً في هذه المرة التي أظهرت فيها فصائل المقاومة قدرة كبيرة ومهنية على القتال بشكل منسّق تماماً، وفي غرفة عمليات مشتركة، إلى جانب العمليات النوعية، والتي تمت بواسطة "سلاح" الأنفاق، إضافة إلى المدى الصاروخي النوعي الذي بلغته صواريخ المقاومة، بوصولها إلى حيفا وتل أبيب والقدس.

ذلك كله يجعل المتابع يفهم لماذا تحدث رئيس وزراء العدو، بنيامين نتنياهو، في المؤتمر الصحافي الذي أعلن فيه الانسحاب من طرف واحد، عن رغبته في استثمار التوافق الإقليمي غير المسبوق مع دول بعينها، في إنجاز مشروع دولي لنزع سلاح المقاومة، وهو الطرح الذي ساقه وزير الخارجية، أفيغدور ليبرمان، بشكل آخر، هو أن "إسرائيل" يمكن أن تقترح أن تكون غزة تحت سلطة الأمم المتحدة! وكان لقصة "نزع سلاح القطاع" تلك، دعم آخر وأكثر إجرائية، حين تحدث عنها جون كيري في  أثناء العدوان البري على قطاع غزة، وربطها في مبادرته للتسوية بعرض مغرٍ، يتعهّد بإعمار القطاع بمبلغ 50 مليار دولار، بالإضافة، طبعاً، لرفع الحصار عن قطاع غزة وبكل أشكاله .لكن، ما فات الكيان الصهيوني وأميركا وكل الحلف الإقليمي الساعي إلى نزع سلاح غزة، أو بعض فصائل غزة، (ولربما لم يفتهم، ولكنهم لم يتعودوا أن للسياسة وللحرب محددات سيكولوجية أحياناً)، هو أن سلاح المقاومة بالأساس فكرة، عقيدة، قناعة شعبية واسعة، أن قَدَر فلسطين أن تقاوم محتلها بما تجده، حجراً أو صاروخاً.

ويلاحظ محلّل التسجيلات المصورة للعمليات النوعية التي قامت بها المقاومة في غزة أنها جميعها انطوت على جرأة غير طبيعية، وغير معتادة في المعارك التقليدية، ولاحظ الكل تكرار مصطلح الاشتباك من "مسافة الصفر" مع قوات العدو في عمليات كثيرة منها، ولذلك بالطبع جانب نفسي سيكولوجي، يتمثل في الإعداد الذي أجري للمقاتلين من المقاومة، ويجعلهم على الرغم من سلاحهم البسيط، مقارنة مع سلاح العدو، يقتحمونه بمنتهى الشجاعة. وتم ذلك الإعداد وفق أسس إيمانية، تستصحب، أساساً، مفهوم الجهاد في سبيل الله، وتربطه بمفهوم الدفاع عن حوزة الوطن وأرضه، وتبسط المصير الزاهي أمام المقاتل، والذي لن يكون سوى النصر أو الشهادة فالجنة. ولقد ظهر الجيش الصهيوني، على الرغم من "نخبوية" بعض

لواءاته، مهزوماً ومشدوهاً ومرعوباً، أمام ذلك الاندفاع القتالي الخارق، والذي جسّده سلاح المقاومة الأساسي، وهو الإيمان بقدسية معركتها.

الجزء الآخر من سلاح المقاومة، والذي لا يمكن نزعه، هو الاحتضان  الشعبي الجماهيري غير الطبيعي وغير المألوف في الظروف نفسها، المشابهة لخيار المقاومة والجهاد ضد المحتل الصهيوني. فعلى الرغم من كمّ الدمار الهائل الذي اقترفه الكيان الصهيوني في غزة، وعلى الرغم من المجازر الصهيونية بالقصف الجوي، والتي لم تستثن طفلاً، أو شيخاً، أو امرأة أو حتى معاقاً، على الرغم من ذلك كله، لم نشهد، عند غالبية الشعب الفلسطيني، أي مظاهر لرفض المقاومة وثمنها الباهظ، ومطالبتها بالتوقف عن الرد بالصواريخ وبالعمليات البرية على المحتل المعتدي.

لم نشهد ذلك في كل قطاع غزة، ولم نشهده، أيضاً، في الضفة الغربية المحتلة التي انتفضت في مواجهات مع المحتل الصهيوني وشرطته، استنكاراً وتنديداً بمجازره ضد أهلها في غزة، ونصرة مقاومة غزة الباسلة، لم نشهد ذلك فيها، على الرغم من أن الضفة عملياً تحت سلطة الرئيس محمود عباس ورفاقه الذين لا يخفى موقفهم من التسوية والسلام مع إسرائيل، ولا موقفهم من حركتي حماس والجهاد الإسلامي، باعتبارهما خصمين سياسيين لحركة فتح التي يمثلها عباس وبعض رفاقه في منظمة التحرير الفلسطينية.

وفشل العدو الصهيوني ومَن آزروه من "المتصهينين العرب" من المثقفين والإعلاميين، والذين راهنوا، جنباً إلى جنب مع حكومة العدو الصهيوني، على نجاح دعايتهم بأن المقاومة في غزة تتاجر بدماء الأبرياء المدنيين، لتحصل على نصر سياسي على حسابها، فشلوا في محاولتهم النيل من الشق الثاني لسلاح المقاومة الأساسي الذي نتحدث عنه.

لأجل ذلك كله، الحديث عن نزع سلاح المقاومة غير استراتيجي بمعنى من المعاني، لأنه يتحدث عن مخرجات السلاح الحقيقي للمقاومة، والذي سبق ذكره، والمتمثلة في البنادق والصواريخ والأنفاق و.. و...، وينسى أن العقول التي طورت مقاومتها من استعمال الحجر والسكين والمقلاع إلى استعمال الصاروخ والعبوة المتفجرة والنفق الأرضي والطائرة الاستطلاعية المفخخة و... و...، فعلت ذلك كله بسلاح من شقين: عقيدة قتالية سليمة ومرتبطة بالمقدس، وحاضنة شعبية واسعة، ترى المقاومة قَدَراً لا بد منه، وشرفاً لا مناص من السعي إليه، مهما كانت العوائق والتضحيات.

4D8EB186-878A-4661-9143-F7EE55E566CB
الحبيب الشيخ محمد

كاتب موريتاني