سفيان الشورابي ونذير القطاري والمصير المجهول

10 يناير 2015
خلال تجمع للصحافيين (فتحي بلعيد/فرانس برس)
+ الخط -
رغم نشر صفحات تابعة لـ "تنظيم الدولة الإسلامية ـ فرع ليبيا" في برقة خبراً عن إعدام الصحافيين التونسيين سفيان الشورابي ونذير القطاري المخطوفَين، منذ ما يزيد على أربعة أشهر في ليبيا. إلا أن عائلتي المخطوفَين لم تؤكدا الخبر. إذ اتصلت "العربي الجديد" بعم الصحافي نذير القطاري، خالد القطاري الذي أكد أن المعلومات التي تصلهم إلى حدّ الآن من مختلف الأطراف مطمئنة، وتؤكد عدم صحة ما ورد من أخبار. كما أشار القطاري إلى أن أحد رجال الأعمال ممن تربطه علاقات طيبة ببعض الأطراف الليبية "أكد لنا أن الخبر غير
صحيح، وأن الصحافيين التونسيين لم يتمّ إعدامهما مثلما تمّ تداوله".

من ناحيته، أكد نقيب الصحافيين التونسيين ناجي البغوري لـ "العربي الجديد" أن الخبر أقرب إلى الإشاعة منه إلى الخبر الصحيح، وأن اتصالات النقابة مع بعض الأطراف الليبية التي سبق وتدخلت في الموضوع لم تؤكد صحة خبر إعدام سفيان الشورابي ونذير القطاري.

مهمة تحولت إلى جحيم

تعود قصة اختطاف سفيان الشورابي ونذير القطاري إلى شهر سبتمبر/أيلول 2014، عندما توجّها إلى ليبيا للقيام بعمل صحافي لصالح قناة "فيرست تي في" التونسية. وقد توجها في البداية إلى منطقة البريقة الليبية، حيث توجد حقول نفط تحت سيطرة مجموعات مسلحة موالية للواء المتقاعد خليفة حفتر ليتم اختطافهما لمدة قصيرة. ثم أطلق سراحهما بعد فترة قصيرة من الحجز، لكن أثناء توجههما للعودة إلى تونس تم اختطافهما مجدداً من قبل مجموعة مسلحة لم تكشف عن هويتها.

النقابة الوطنية للصحافيين التونسيين، وبعد عملية الخطف شكّلت لجنة لمتابعة الموضوع. وقد
اتصلت هذه اللجنة بأطراف ليبية أكدت لها أن الصحافيين التونسيين موجودان في منطقة درنة الليبية، وقد تم التأكيد على سلامتهما الجسدية. وبلغت المفاوضات مع الطرف الليبي أشواطاً متقدمة من أجل الإفراج عنهما. لكن بقيت المفاوضات معطّلة رغم تدخّل أطراف ليبية لأن الجماعة المسلحة التي قامت بخطفهما لم تقدم مطالبها مقابل إطلاق سراحهما.

وزارة الخارجية التونسية وبضغط من العائلة الإعلامية، ومن عائلة المخطوفين قامت بجهود كبيرة من أجل إطلاق سفيان ونذير، لكنها لم تتوصل إلى نتائج عملية نتيجة غياب مخاطب مباشر، يمكن التعامل معه وتحديد مطالبه والنظر في إمكانية الاستجابة لها. لكن مرة أخرى تفشل المفاوضات ليفاجأ التونسيون يوم 8 يناير/كانون الثاني 2015 بخبر إعدامهما من قبل فرع تنظيم الدولة الإسلامية في ليبيا الذي نشر خبر إعدامهما على صفحة تابعة لمنطقة برقة الليبية.

خبر الإعدام لم يتم تأكيده من أي طرف تونسي أو ليبي. فالنقابة الوطنية للصحافيين التونسيين أكدت على لسان رئيسها عدم ثقتها في صحة الخبر، خصوصاً أن أطرافا ليبية فتحت معها قنوات اتصال لم تؤكد لها الخبر.

"العربي الجديد" اتصلت أيضاً بعائلتي المخطوفين اللتين نفتا صحة الخبر، وأكدتا تلقيهما تطمينات حول سلامة سفيان ونذير. لتبقى القضية لغزا ينتظر الحل.

الزميلان "المشاغبان"

منذ أيام حكم الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي لمع اسم مدوّن مشاغب شاب يدعى سفيان الشورابي (1982). تعرّض للتنكيل بعد بروز اسمه وللتضييق، ومارس عليه النظام ضغطا كبيرا بسبب آرائه السياسية الداعية للحرية والديمقراطية. وقد اشتهر بشكل خاص خلال تغطيته ومتابعته لانتفاضة الحوض المنجمي سنة 2008. ومع اندلاع الثورة التونسية كان المدوّن
والصحافي الشاب جزءاً أساسياً منها.

في العام 2012، وبينما كان الحكم بيد حركة النهضة، تمّ اعتقال الشورابي في شهر آب/أغسطس بتهمة "الاعتداء على الأخلاق الحميدة" و"شرب الخمر بمكان عمومي"... فيما بدا واضحاً للجميع أن السبب هو دعوة سفيان للتونسيين للتظاهر ضد حكم "النهضة".

سفيان عمل في عدد المواقع الإلكترونية منها موقع "جدل"، وصحيفة "الأخبار" اللبنانية. كما عمل في عدد من القنوات التلفزيونية التونسية آخرها قناة "فيرست تي في". وفي اللحظة التي يبدو مصيره مجهولاً يتناقل التونسيون سيرته التي اشتهرت بالجرأة في إبداء مواقفه الداعمة لحرية الرأي والتعبير ومنها مساندته للمخرجة التونسية نادية الفاني. وقد حصل على عدد كبير من الجوائز العالمية لدعمه حرية التعبير. أما سياسياً فقد كان عضوا في "حركة التجديد"
(الحزب الشيوعي التونسي سابقاً) وقدم استقالته منه عام 2011.

أما زميل سفيان وهو المصوّر التلفزيوني الشاب نذير القطاري، فلم تكن حماسه ومناصرته لحرية التعبير أقل من حماسة زميله... وأوصله شغفه بمهنة الصحافة إلى مرافقة سفيان إلى ليبيا، بسبب ما كان يقول إنه إيمانه بدور الكاميرا في نقل الحقائق للمتلقي التونسي والعربي أينما كان.

ما علاقة "شارلي إيبدو"؟

الوسط الإعلامي التونسي فوجئ أول من أمس في ساعة متأخرة من الليل بخبر نشرته صفحة "عملية فجر ليبيا ـ الصفحة الرئيسية" جاء فيه: "في إطار استكمال مسرحية الهجوم على مقر الصحيفة الفرنسية في العاصمة الفرنسية باريس، والتي يراد من ورائها إيجاد المبررات الدنيئة للتدخل في ليبيا تحت مسمى الإرهاب الفضفاض، وتحت هذه المسرحية واستكمالاً لفصولها قامت عصابات الفيدر وقبليين التابعون للسارق جضران المدعوم من حفتر وبرلمان الإرهاب،
قامت تلك العصابات باختطاف الصحافيين التونسيين سفيان الشورابي والمصور نذير القطاري قرب مدينة البريقة في شرق ليبيا. ومعروف أن المسيطر على هذه المدينة وحقولها ومرافئها النفطية هي تلك العصابات الإرهابية التي أثقلت كاهل الدولة الليبية بالديون والعمليات الإرهابية تنفيذاً للمشروع الفرنسي السعودي". وأضاف البيان: "عزاؤنا الحار للشعب التونسي الشقيق ولأهالي الفقيدين و لكل الصحافيين الأحرار... و لا عزاء للإرهابيين الجبناء حفتر وجضران ومن يسير في ركبهما".

هذا الخبر وإن لم تأخذه الأسرة الإعلامية التونسية والأطراف المتدخلة في الملف مأخذ الجدّ، خاصة وأنه يبدو جزءا من الحرب الإعلامية التي تشهدها الساحة الليبية بين الأطراف المتناحرة هناك، من أجل تحقيق مكاسب إعلامية على حساب الطرف الآخر، لكنه فتح باباً لتأويل ما حصل للصحافيين التونسيين.

تبعات عملية الإعدام

عملية إعدام الصحافيين التونسيين سفيان الشورابي ونذير القطاري إن صحّت من قبل الفرع الليبي لتنظيم الدولة الإسلامية ستكون لها تبعات خطيرة على العلاقات التونسية الليبية. إذ خرج على العلن أول من أمس خطاب غير عقلاني جنح نحو العنصرية، عندما طالب عدد من
الصحافيين في وقفتهم التضامنية مع سفيان ونذير من النقابة الوطنية للصحافيين التونسيين إلى طرد الليبيين المقيمين في تونس، والذين يتجاوز عددهم المليون ليبي.

كما دعت بعض الأطراف إلى غلق الحدود مع ليبيا. لكنها تبقى ردود فعل انفعالية تنقصها الكثير من العقلانية وفقا لبعض الصحافيين المشاركين في الوقفة نفسها. إذ دعا هؤلاء إلى ضرورة التروي، وعدم التسرع في إصدار دعوات قد تكون لها نتائج سلبية على حياة المخطوفين إن لم يتمّ إعدامهما بالفعل، مثلما تنشر بعض صفحات تنظيم الدولة الإسلامية فرع ليبيا. كما دعت أطراف عدة إلى العمل على ضمان سلامة التونسيين المقيمين في ليبيا، محمّلين الحكومة التونسية المسؤولية عن سلامة أي مواطن تونسي.

حراك رسمي طارئ

منذ انتشار خبر إعدام الصحافيين التونسيين في قناة "فيرست تي في" في ليبيا، بدأت الأجهزة الرسمية التونسية بالتحرّك في سبيل تأكيد أو نفي هذا الخبر. 

رئيس الحكومة التونسية، مهدي جمعة، ووفقاً لتصريحات الناطق الرسمي باسم الحكومة التونسية نضال الورفلي، وبمجرد عودته من الولايات المتحدة الأميركية، اتجه إلى مقر الحكومة للإشراف على خلية الأزمة التي تتكون من أطراف ممثلة لوزارة الخارجية، ووزارة الداخلية، ووزارة الدفاع الوطني، لبحث الموضوع، والبحث عن حلول لهذه الأزمة مع الأطراف الليبية،
وللتأكد أيضاً من صحة ما يروّج من أخبار حول عملية إعدام الزميلين سفيان الشورابي ونذير القطاري. 

وزارة الخارجية التونسية، من جهتها، دعت الأطراف الليبية إلى التحرك العاجل من أجل الإفراج عن الصحافيين، وحمّلت الأطراف الليبية المسؤولية عن سلامتهما وعن سلامة كل مواطن تونسي في الأراضي الليبية، وفقاً لما تنصّ عليه المواثيق الدولية. 
رئاسة الجمهورية التونسية ممثلة في شخص رئيس الجمهورية التونسية الباجي قايد السبسي تدخلت في الموضوع، إذ تفيد مصادر بإمكان استقبال رئيس الجمهورية عائلتَي الصحافيين وتقديم الدعم والمساندة إليهما. 
المساهمون