يُحرّكّ "الكرتونة" فوق منقل الفحم، معلناً انطلاقة نهار سبت متأخر في بيروت. أنهت السيدة إعداد التبولة وبدأت الشواء، وزوجها المتعب لم يغادر فراشه بعد. تلعن حظها، وتتابع بوتيرة سريعة، فيُثير الدخان المحمّل برائحة المشاوي شهية المارة والجيران.
تعيدُ تلك الرائحة شريط الذكريات إلى الميكانيكي الذي بدأ عمله في المبنى نفسه قبل 30 عاماً. أنهى الرجل تصليح سيارة جاره المهندس قبل الموعد المحدد، فبسط طاولة الزهر في المحل ونادى جاره للعب. أخبره عن الرحلات الأسبوعية في ملتقى النهرين في الدلهمية (منطقة الشوف)، قبل هجرة الأولاد ومرض الزوجة. بدأت الجولة الأولى سريعاً في "لعبة المحبوسة". خان الحظ الميكانيكي فلعنه وأغلق المحل وغادر.
على الشرفة المجاورة للسطح، تصرخُ المرأة المسنة: "جابوها للكهرباء! تجيهن مجية". تجمعُ الغسيل الصيفي بألوانه الزاهية عن الحبال التي نفضت عنها آثار المطر الأخير قبل أسابيع قليلة. مع الصحو، تعود الحياة إلى سطوح الأبنية القديمة في المدينة المتجددة.
أثارت إعادة التيار الكهربائي قبل نصف ساعة من انتهاء موعد التقنين الاعتيادي استغراب سكان البناية الذين لم يستطيعوا كبت فرحتهم. علت أصوات الآلات الكهربائية في جميع الشقق إيذاناً بانطلاق ورش التنظيف والغسيل التي أخرتها أيام العمل خلال الأسبوع. استمرت الأعمال المنزلية طوال فترة الظهر، وانتهت مع أول ظهور لقمر شهر شعبان.
كانَ أحمد الخمسيني يغازل شجرة الغاردينيا الهندية التي اشتراها من مشتل في منطقة الناعمة (جنوب بيروت). يُقلّب أوراقها الصغيرة بلونيها البنفسجي والأبيض، قبل أن يغازل زوجته على الشرفة الثانية، ويقلدا معاً إعلان أحد مساحيق الغسيل. تعالى ضحك الزوجين حتى وصل إلى السطح، ورافقت ابنة أحمد صديقاتها لالتقاط الصور للألعاب النارية في منطقة بيت مري، التي يكشفها سطح البناية في تلة الخياط في بيروت. استمرت السهرة في المنزل حتى منتصف الليل، وعندما أشرقت الشمس صباحاً، كان أحمد على موعد مع نبتته المفضلة وسيجارته.
في المنطقة المقابلة، تسللت أشعة الشمس إلى مكتب إحدى الموظفات التي صودف عملها يوم الأحد، فقررت الانسحاب إلى الشرفة قبل استكمال العمل. وصلتها رائحة المشاوي فأغلقت الشبابيك وعادت إلى مكتبها وهي تلعن حظها. لا شيء يشير إلى يوم العطلة في بيروت كرائحة المشاوي، سوى انعدام زحمة السير وضحكات الأطفال خلال ملاحقة الكرة في شوارع بيروت الضيقة ومداخل الأبنية. يقابلهم صراخ العجزة من السطوح والشرفات: "نريد أن نرتاح يا عفاريت!".
إقرأ أيضاً: دولاب بيروت
تعيدُ تلك الرائحة شريط الذكريات إلى الميكانيكي الذي بدأ عمله في المبنى نفسه قبل 30 عاماً. أنهى الرجل تصليح سيارة جاره المهندس قبل الموعد المحدد، فبسط طاولة الزهر في المحل ونادى جاره للعب. أخبره عن الرحلات الأسبوعية في ملتقى النهرين في الدلهمية (منطقة الشوف)، قبل هجرة الأولاد ومرض الزوجة. بدأت الجولة الأولى سريعاً في "لعبة المحبوسة". خان الحظ الميكانيكي فلعنه وأغلق المحل وغادر.
على الشرفة المجاورة للسطح، تصرخُ المرأة المسنة: "جابوها للكهرباء! تجيهن مجية". تجمعُ الغسيل الصيفي بألوانه الزاهية عن الحبال التي نفضت عنها آثار المطر الأخير قبل أسابيع قليلة. مع الصحو، تعود الحياة إلى سطوح الأبنية القديمة في المدينة المتجددة.
أثارت إعادة التيار الكهربائي قبل نصف ساعة من انتهاء موعد التقنين الاعتيادي استغراب سكان البناية الذين لم يستطيعوا كبت فرحتهم. علت أصوات الآلات الكهربائية في جميع الشقق إيذاناً بانطلاق ورش التنظيف والغسيل التي أخرتها أيام العمل خلال الأسبوع. استمرت الأعمال المنزلية طوال فترة الظهر، وانتهت مع أول ظهور لقمر شهر شعبان.
كانَ أحمد الخمسيني يغازل شجرة الغاردينيا الهندية التي اشتراها من مشتل في منطقة الناعمة (جنوب بيروت). يُقلّب أوراقها الصغيرة بلونيها البنفسجي والأبيض، قبل أن يغازل زوجته على الشرفة الثانية، ويقلدا معاً إعلان أحد مساحيق الغسيل. تعالى ضحك الزوجين حتى وصل إلى السطح، ورافقت ابنة أحمد صديقاتها لالتقاط الصور للألعاب النارية في منطقة بيت مري، التي يكشفها سطح البناية في تلة الخياط في بيروت. استمرت السهرة في المنزل حتى منتصف الليل، وعندما أشرقت الشمس صباحاً، كان أحمد على موعد مع نبتته المفضلة وسيجارته.
في المنطقة المقابلة، تسللت أشعة الشمس إلى مكتب إحدى الموظفات التي صودف عملها يوم الأحد، فقررت الانسحاب إلى الشرفة قبل استكمال العمل. وصلتها رائحة المشاوي فأغلقت الشبابيك وعادت إلى مكتبها وهي تلعن حظها. لا شيء يشير إلى يوم العطلة في بيروت كرائحة المشاوي، سوى انعدام زحمة السير وضحكات الأطفال خلال ملاحقة الكرة في شوارع بيروت الضيقة ومداخل الأبنية. يقابلهم صراخ العجزة من السطوح والشرفات: "نريد أن نرتاح يا عفاريت!".
إقرأ أيضاً: دولاب بيروت