سري للغاية: ويكيليكس طبعة 1913

25 نوفمبر 2018
+ الخط -


بعد أن أجريت الانتخابات التشريعية في مصر سنة 1913 كتب المستشار الإنكليزي رونالد جراهام مستشار وزارة الداخلية الواقعة كبقية مصر تحت سيطرة الاحتلال الإنكليزي، تقريراً سرياً عن الانتخابات التي اشترك في إدارتها إسماعيل صدقي باشا الذي كان سكرتير عام الداخلية في ذلك الوقت.

رفع رونالد غراهام التقرير للقائد الأعلى للجيش البريطاني في مصر اللورد كتشنر كاتباً فيه معلومات عن أعضاء الجمعية التشريعية الذين نجحوا في الانتخابات التي جاءت نتيجتها مفاجئة ومزعجة للإنكليز، ولذلك اهتم التقرير بتفصيل أسماء النواب الذين يتوقع أن يؤيدوا الحكومة المدعومة من الإنكليز، والنواب الذين يتوقع منهم تأييد القصر والخديوي عباس حلمي الثاني الذي كان على خلاف سياسي متصاعد مع الإنكليز، ومن بين هؤلاء بعض أعضاء الحزب الوطني الذي تحالف مع الخديوي وكان يعتبر الإنكليز عدوه الأول والأخير.
في فبراير سنة 1942 حصلت مجلة (الاثنين) الصادرة عن دار الهلال، على نسخة من التقرير السري وقامت بنشره على أكثر من عدد، منبهة قارئها إلى أنها تنشر نص التقرير كما هو لأنه "وثيقة تاريخية تعبر عن وجهة النظر البريطانية"، ومع ذلك فقد أحدث نشر التقرير ضجة كبيرة جعلت المجلة تتوقف عن نشر بقيته في العدد التالي، ثم قامت في عددها رقم 402 الصادر بتاريخ 23 فبراير 1942 بنشر أجزاء جديدة من التقرير مسبوقاً بمقدمة تعيد التأكيد فيها على عدم موافقتها على ما جاء في التقرير، مؤكدة أنها لا تقصد من نشره سوى أن "يلم القراء بما خفي من حياتنا السياسية في ذلك العهد"، وسأنشر لك بعض ما نقله التقرير بالنص، لأنه يقول الكثير عن أحوال مصر السياسية الآن، فضلاً عن ما يقوله عن أحوالها قديماً، فإليك ما جاء في التقرير:

أحمد مظلوم باشا: رئيس الجمعية التشريعية، مُعيّن من الحكومة، عمره ست وخمسون سنة، غني جداً، إيراده خمسة وعشرون ألف جنيه في العام، بخيل، يعيش منعزلاً عن الناس في الاسكندرية، لا يهتم كثيراً بالمسائل العامة، كفء.

عدلي يكن باشا: وكيل الجمعية التشريعية، معين من الحكومة، عمره سبع وأربعون سنة، يملك ألف فدان ولكنها مديونة، أحيل للمعاش سنة 1907، ومن ذلك اليوم لم يعد يهتم بالمسائل العامة، وقضى أغلب الوقت في أوروبا، رجل مجتمعات، كفء، ولكنه كسلان، وليس له آراء سياسية.

عدلي يكن باشا

الشيخ عبد الفتاح الجمال: نائب بور سعيد، عمره ست وخمسون سنة، وظيفته مأذون، ولكن إيراده 2000 جنيه في العام، عالم ومحترم في بور سعيد، ليس له رأي سياسي، ومن المنتظر أن يؤيد الحكومة.

الشيخ عبد الجواد عبد الحميد نوار: نائب أبو حمص، عمره 38 سنة، تملك أسرته ألفين فدان، رئيس محكمة الخط، عصامي، كان والده فلاحاً وكون ثروته بنفسه، آراؤه السياسية غير معروفة.

عبد الخالق مدكور باشا: عمره 37 سنة، تاجر موسر جداً في مصر، يملك ثروة طائلة في التجارة، ويملك 150 فداناً، سر تجار مصر ومؤسس غرفة مصر التجارية، عنصر مفيد ومتعلم في الجمعية التشريعية، (نشرت المجلة بعد ذلك أن التقرير أشار إلى جمع عبد الخالق مدكور بشكل استثنائي بين صداقة الخديوي والاحتلال البريطاني).

عبد اللطيف المكبّاتي بك: نائب فارسكور، عمره 53 سنة، يملك 118 فداناً، معروف في دائرته لولا أن والده اشترى في هذه الناحية خمسمائة فدان، ليس له اتجاه سياسي.

عبد اللطيف الصوفاني بك: نائب كوم حمادة، عمره تسع وثلاثون سنة، يملك هو وأخوه ثلثمائة فدان لكنها مدينة، حالته المالية سيئة، عضو في مجلس شورى القوانين، تعلم في الأزهر، ليس خبيثاً، متكلم من الدرجة الأولى، وطني متطرف، انضم أخيراً إلى الخديو وأيده القصر في الانتخابات، طبلة فارغة، ويدبر المقالب لكنه ليس خطراً.

عبد المجيد سلطان باشا: نائب منوف، عمره خمسون سنة، يملك 250 فداناً مديوناً، كان عمدة، ذكي ومعقول، من المنتظر أن يؤيد الحكومة.

عبد الرحمن محمود بك: عمره 38 سنة، شقيق محمد محمود باشا، يملك 50 فداناً وسيرث من والده ثروة طائلة، انتصر في الانتخابات على مصطفى خليفة باشا، ذكي.

أحمد باشا أبو الفتوح: نائب طلخا، عمره خمس وستون سنة، يملك ألف فدان، غني جداً، دقة قديمة، لا يحضر كثيراً للقاهرة، ليس له دور سياسي، صديق للقصر ولكنه سيؤيد الحكومة.

عبد السلام العلايلي بك: نائب دمياط، في سعة من العيش، من أسرة معروفة بالتجارة في دمياط، وعلاقته قوية جداً بالخديو.

عبد العزيز فهمي باشا 


عبد العزيز فهمي باشا: عمره 43 سنة، يملك 60 فداناً، ولو أنه ابن أخت حشمت باشا وزير الأوقاف إلا أن العلاقات بينهما ليست على ما يرام، كان محامياً في الحكومة، ثم مساعد مستشار وزارة الأوقاف، ثم استقال سنة 1906، محام ممتاز وخطيب قوي، وزعيم من زعماء حزب الأمة وصديق شخصي للطفي السيد.

أحمد باشا أبو الفتوح: نائب طلخا، عمره خمس وستون سنة، يملك ألف فدان في بلقاس، غني جداً، يمثل الدقّة القديمة، لا يحضر كثيراً إلى القاهرة وليس له اهتمام خاص بالسياسة، صديق القصر، ولكنه سيؤيد الحكومة.

أحمد باشا محمود: عمره 42 سنة، يملك ألفين فدان غير مدينة، عمدة الرحمانية ورجل له أهمية كبرى في مديرية البحيرة، ورئيس عائلة من أكبر العائلات وأكثرها احتراماً، كفء، يعرف الأخبار جيداً، له اتصالات كثيرة، سافر إلى الخارج، عنصر عظيم في الجمعية التشريعية، كان عضواً في حزب الأمة. (وصفه موضع آخر من التقرير بأنه عضو معتدل سيؤيد الحكومة وأنه ضد الخديو علي خط مستقيم).

علي بك المنزلاوي: نائب المحلة الكبرى، يملك خمسمائة فدان، وبعضها مدين، يكتب مقالات في الصحف، خطيب ممتاز، ذكي، وطني متطرف، وعدو لدود لمحب باشا عندما كان مديراً للغربية، وكانت بينهما خناقات حامية.

علي شعراوي باشا: عمره 53 سنة، دخله السنوي خمسون ألف جنيه، غني جداً وله نفوذ كبير، أحد زعماء حزب الأمة، وأحد مؤسسي الجريدة، كان يكرهه الخديو كثيراً، ولكن الخديو يحاول الآن التقرب إليه، يعادي رئيس الوزارة محمد سعيد باشا، ليس متعلماً ولكنه ذكي ومعقول.

علي الشمسي: عمره ثلاثون سنة، محام غير مشتغل، يملك عشرين فداناً، وطني متطرف وقوي، وعضو هام في جمعية الشباب المصري في جنيف، يقضي أغلب وقته في القاهرة، دكتور في الحقوق.

أمين سامي باشا: عمره 62 سنة، يملك 200 فدان من أحسن الأراضي، وكان ناظراً لمدرسة الناصرية لعدة سنوات، سوف يؤيد الحكومة، قام بعمل عظيم عندما أصيبت مدينة البرادعة بالنيران، ولكنه مع ذلك فشل في الانتخابات في قليوب، وعينته الحكومة.

المصري السعدي بك: يملك 600 فدان، بدوي من قبيلة الفوايد وشقيق لملوم بك السعدي، غير متعلم، لم ينجح في انتخابات الجمعية العمومية بحجة أنه يجهل القراءة والكتابة.

فرج الدالي أفندي: يملك سبعين فداناً، من أعرق الأسر في مديرية الجيزة، كان عمدة لمدة عشر سنوات، محترم ولكنه غير معروف، وكان نجاحه في الانتخاب مفاجأة غريبة، ليس له ميول سياسية.

فتح الله بركات بك: عمره 45 سنة، من ذوي الأملاك، يملك 200 فدان، كان عضواً في جمعية شورى القوانين، أحد زعماء حزب الأمة، خطيب مصقع، له قوة كبيرة في الجمعية، سيكون دائماً في المعارضة.

فتح الله بركات بك.. الوزير الفلاح


قليني فهمي باشا: عمره ستون سنة، يملك خمسمائة فدان، زعيم قبطي، كان مؤيداً الحكومة في حركة الأقباط سنة 1910 مؤيداً من البطريرك ولكنه مكروه من الأقباط الشبان.

حافظ المنشاوي بك: عمره أربعون سنة، يملك 150 فداناً، يعيش في طنطا ولكنه كثير التردد على القاهرة، عضو في حزب الأمة، ولكن ميوله الوطنية معتدلة، لا ينتظر أن يتعبنا كثيراً.

حمد الباسل بك: يملك 3400 فدان، ولكن أغلبها في أرض غير طيبة وبعضها مدين، تأثرت ثروته بالأزمة ولكنها تحسنت الآن. أعتقد أنه أكفأ وأذكى بدوي في مصر كلها كان عضواً مهماً في حزب الأمة، ولكن من المنتظر أن يؤيد الحكومة".

حمد الباسل بك 


بغض النظر عن دقة التقييمات التي قدمها المستشار الإنكليزي، فقد أدت تفاعلات ما جرى بعد تلك الانتخابات إلى عزل الخديوي عباس حلمي الثاني في نهاية عام 1914، لتظل البلاد في حالة غليان سياسي أوصلها إلى الانفجار الذي جرى في ثورة 1919، والتي حضرت فيها بعض الأسماء التي يتحدث عنها التقرير، وأصبح بعضهم فاعلين في الحياة السياسية بشكل يختلف عما توقعه التقرير، وظل أصحاب هذه الأسماء حاضرين في الساحة السياسية بعدها لتأخذهم التقلبات السياسية في كل اتجاه، في حين سقطت أسماء أخرى من الذاكرة، ولو إلى حين.

....

من بريد القراء

في عددها الصادر بتاريخ 12 يناير 1979 وفي باب (بين المصور وقرائه) نشرت مجلة (المصور) الشكاوى التالية التي يمكن أن تعطيك لمحة عن مدى التطور الذي شهدته مصر في العقود الأخيرة:

ـ شكوى من أهالي مدينة أبو كبير الشرقية وعنهم عاطف عبد الهادي يشكون من طفح المياه الجوفية وما يتبع ذلك من القاذورات والحشرات، والخوف من الأوبئة يجعلهم يطلبون من المسئولين عمل اللازم فوراً لحماية المدينة.

ـ شكوى من عبد العزيز يوسف بشركة البلاستيك الأهلية بالاسكندرية يقول فيها "زميلي في العمل يهددني في كل لحظة بقطع عيشي والتعدي على بالضرب، ويقول إنه مسنود بمدير الشركة ونائب مأمور القسم، شكوته فلم يحدث أي شيء له، المسألة وصلت لتهديد لقمة عيشي ومستقبل أولادي".

ـ شكوى من طلاب مدرسة كفر الأطرش الثانوية مركز شربين وعنهم محمد كمال الدين طنطاوي تقول "لا يوجد لدينا حتى الآن مدرسون للمواد الاجتماعية واللغة الفرنسية والتربية الفنية كما أن الأثاث لا يكفي كل الطلاب، شهران مرا منذ بداية العام الدراسي ولا نعرف متى ستبدأ الدراسة في هذه المواد".

ـ شكوى من "اللولّ محسن" من مساكن السكة الحديد بأبو قير من قيام هيئة السكة الحديد ببناء بلوكات خاصة لموظفيها بجوار محطة أبو قير، ولعدم وجود مجاري حدث طفح مجاري بالمنطقة المحيطة نتج عنه الذباب والناموس، ووجب سرعة العمل لتلافي الأضرار.

ـ شكوى من حسن مصطفى ضد ترام رقم 4 محرم بك ـ رأس التين بالاسكندرية الذي "يعبث بركابه طول الخط، والمحصل ينزل ويغيب يدور حول جرسون المقهى باحثا عن الشاي، إن الوقوف المتكرر مرة للشاي وأخرى للجمعية وثالثة للطعام، بدون اكتراث لمصالح ووقت الجماهير، يجعلنا نناشد هيئة النقل العام بالاسكندرية أن تصدر تعليماتها بأن يتناول المحصل والسائق طعامه وشايه في آخر الخط".

وسأترك لك التعليق.

...

الفقرة الإعلانية

منذ أن بدأ غرامي بجمع وقراءة وتحليل الصحف والمجلات القديمة، تواصلت دهشتي وافتتاني بقدرات أهل التجارة والصناعة في مصر على استغلال فن الإعلان الصحفي بمهارة لضرب عصفورين بحجر واحد وسعر موحد: الإعلان عن منتجاتهم والإعلان عن ولائهم للسلطة وأهلها لدفع أذاها عنهم أو زيادة منافعهم منها، وهو ما جعلني أقوم بجمع مئات الإعلانات التي تم نشرها عبر السنين، والتي أصبحت تشكل نواة لدراسة أعدها الآن عن تطور فنون النفاق السياسي في الإعلانات الصحفية، وأضع بين يديك اليوم نماذج من هذه الإعلانات من عصور متنوعة:

في عدد مجلة (الإثنين والدنيا) الصادر بتاريخ 19 يناير 1942 نشر محمد حسين الرشيدي صاحب مصانع حلويات الميزان هذا الإعلان:

وبمناسبة قدوم شهر رمضان المبارك نشر عزيز بولس هذا الإعلان في مجلة المصور سنة 1958 جامعاً فيه بين تهنئة عبد الناصر وتقديم تسهيلات:

وتماشياً مع حالة الحشد والتعبئة التي سادت مصر في الأسابيع التي سبقت هزيمة 5 يونيو 1967، والتي تم الترويج لأكذوبة أنها كانت حدثاً مفاجئاً، إليك عينة من الإعلانات التي تم نشرها في صحيفة (الأخبار) يوم 4 يونيو 1967:


في عددها الصادر يوم 26 مايو 1978 نشرت مجلة (المصور) إعلاناً باسم العاملين في صندوق التأمين على الماشية الذين قرروا من أجل سمعة الصندوق أن يكون إعلانهم متميزاً عن قطيع الإعلانات النفاقية التي ازدحمت بها الصحف والمجلات المهنئة بقول الشعب (نعم) للسادات، لكنهم اختاروا أن يحتوي إعلانهم على نعم واحدة وأربع لاءات، فكان هذا الإعلان الفريد من نوعه:


بتاريخ 15 ديسمبر 1978 نشرت مجلة (المصور) هذا الإعلان الملون الذي يتوجه فيه الشيخ الشريب بأسمى آيات التهنئة للرئيس المؤمن:


ولأن عهد مبارك شهد كماً أكبر من الانتخابات المزورة والاستفتاءات الملفقة، التي كان يترافق معها عدد مهول من الإعلانات النفاقية التي لا تتسع أي مساحة الكترونية للإحاطة بها، فقد اكتفيت باختيار هذا النموذج المبهر في تصميمه ومضمونه:

بالطبع ليست هذه الإعلانات سوى قطرات من بحر النفاق الذي أغرق البلاد والعباد، ونواصل في أعداد قادمة نشر قطرات نفاقية أخرى، بضم الألف وفتحها أيضاً.

....

وختاماً مع الكاريكاتير

في عددها الصادر بتاريخ 13 فبراير 1985 نشرت صحيفة (الأهالي) هذه الكاريكاتيرات للفنان الكبير حجازي:

دلالات
605C8788-2DB9-4AE6-9967-D0C9E0A2AD31
بلال فضل
كاتب وسيناريست من مصر؛ يدوّن الـ"كشكول" في "العربي الجديد"، يقول: في حياة كل منا كشكولٌ ما، به أفكار يظنها عميقة، وشخبطات لا يدرك قيمتها، وهزل في موضع الجد، وقصص يحب أن يشارك الآخرين فيها وأخرى يفضل إخفاءها، ومقولات يتمنى لو كان قد كتبها فيعيد كتابتها بخطه، وكلام عن أفلام، وتناتيش من كتب، ونغابيش في صحف قديمة، وأحلام متجددة قد تنقلب إلى كوابيس. أتمنى أن تجد بعض هذا في (الكشكول) وأن يكون بداية جديدة لي معك.