في 26 من فبراير/شباط الماضي، كشفت وكالة الأنباء الإثيوبية عن تعديل في تصميمات سد النهضة وتحسينات في التوربينات لزيادة كفاءتها في إنتاج الكهرباء بمعدل 450 ميغاواط إضافية، لينتج السد 6450 ميغاواط، ويصبح السد الأكبر في أفريقيا، وبطول 1800 متر، وارتفاع 155 متراً وسعة تخزين كلي للمياه 74 مليون متر مكعب.
وزعم عضو اللجنة التنفيذية لمجلس التعبئة الشعبية لسد النهضة، دبرتسيون غبراميخائيل، أن التطوير في قدرة توليد الكهرباء للسد لن تؤثر على تدفق مياه نهر النيل ولن يكون لها أي ضرر على دول المصب.
ورغم هذه التعديلات الجوهرية، فقد سبق ورفضت إثيوبيا رسمياً مقترحاً مصرياً في 8 يناير/ كانون الثاني 2016 بزيادة فتحات المياه في جسم السد، وقالت إنها ترفض إعادة التصميم والتعديل في إنشاءات السد، وأنها أجرت دراسات مكثفة حول المشروع قبل البدء فيه.
التعديلات الإثيوبية تعزز الرأي بأن إثيوبيا شرعت في بناء السد بدون دراسات وافية، وهو ما أثبتته اللجنة الثلاثية في مايو/أيار 2013، وأكده في حينه البروفيسور الإثيوبي أليمايهو مريم، أستاذ القانون في جامعة كاليفورنيا الأميركية، والذي اتهم حكومة بلاده بأن مشروعها للسد يفتقد الصراحة والعلانية في ظل حكومة ديكتاتورية لا تختلف عن ديكتاتوريات أفريقيا، وأن إثيوبيا حددت سعة السد الضخمة منذ البداية، ولكنها تراوغ المفاوض المصري المستسلم لتكسب الوقت حتى يصبح السد أمراً واقعاً.
التعديلات الإثيوبية المنفردة تخالف صراحة اتفاق المبادئ الموقع في مارس/آذار 2015، في مبدأه الأول، الخاص بالتعاون والتفاهم وحسن النوايا، والسادس، الخاص ببناء الثقة، والسابع، الخاص بتبادل المعلومات والبيانات بروح حسن النية وفي التوقيت الملائم.
ففي البداية أعلنته إثيوبيا "سد الحدود" وبسعة تخزينية 11.1 مليار متر مكعب وبارتفاع 84.5 مترا، ثم غيرت الاسم إلى "سد إكس" وزادت السعة التخزينية إلى 14.5 مليارا، ثم 16.5 مليارا، ثم غيرت الاسم للمرة الثالثة إلى "سد الألفية"، ورابعا إلى "سد النهضة"، وضاعفت ارتفاعه إلى 145 مترا ثم 155 مترا وسعته التخزينية إلى 74 مليار متر مكعب.
وغيرت خطة إنتاج الكهرباء وضاعفت طاقته من 1400 ميغاواط في البداية إلى 5250 ميغاواط ثم 6 آلاف، لتعلن في النهاية عن زيادتها إلى 6450 ميغاواط وزيادة الارتفاع 10 أمتار إضافية، ليصل إلى 155 مترا، ما يعني، بالتبعية، زيادة السعة التخزينية عن 74 مليارا، ويفند ما يدعيه دبرتسيون من عدم الإضرار بدول المصب.
ورغم إعلان إثيوبيا قبل شهر فقط على لسان وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، ديبرتشن جبريمايكل، أن أديس أبابا أتمت 56% من أعمال البناء في سد النهضة، وأن أعمال البناء شارفت على الانتهاء لتمكين السد من توليد 750 ميغاواط، وأن إنشاء محطات استقبال وخطوط نقل الطاقة اكتمل تماماً، وأن الخطوة التالية، بحسب الوزير الإثيوبي، ستكون تمكين السد من تخزين المياه، موضحاً أن الحكومة الإثيوبية في مرحلة الإعدادات النهائية لتسهيل ملء الخزان، ورغم ذلك لم يعترض النظام المصري على هذه الإجراءات الأحادية ودون انتظار لما سوف تسفر عنه الدراسات الفنية.
وفي فبراير 2016 وخلال مقابلة مع "بي بي سي" البريطانية، صرح وزير المياه الإثيوبي موتوا باسادا، أن بلاده لن تتوقف عن بناء سد النهضة ولو للحظة، وأنها ستواصل العمل فيه خلال فترة إجراء الدراسات الفنية، وستعمل على افتتاح السد رسمياً في موعده المحدد في 2017، ولا يوجد سبب لتأجيل الافتتاح، ورغم ذلك لم يعترض النظام المصري على هذه السياسات الإثيوبية، بل واستمر في مفاوضات عبثية طويلة لم تثمر حتى الآن عن شيء.
وفي ديسمبر/كانون الأول 2015، قامت إثيوبيا منفردة أيضا بتحويل مجرى نهر النيل إلى مساره الطبيعي مرة أخرى بحيث يمر عبر بوابات وأنفاق وتوربينات سد النهضة، وبدأت في تخزين المياه أمامه بحجة تجربة إنتاج الكهرباء وبدون تشاور أو إعلام مسبق لأطراف اتفاق المبادئ، مصر والسودان، ورغم تعارض هذا الإجراء مع المبدأين الخامس والسابع من اتفاق المبادئ، مبدأ التعاون في الملء الأول وإدارة السد، ومبدأ تبادل المعلومات والبيانات، لم تعترض مصر في حينه على هذا التصرف الأحادي.
وقتها، قللت الحكومة المصرية، على لسان وزير الطاقة والموارد المائية والري، من إعلان إثيوبيا تحويل مجرى النهر واستكمال بناء السد، بل أكد أن الإجراء لن يؤثر إطلاقاً على اجتماعات ومفاوضات السد، وأن الخطوة إجرائية وطبيعية لاستكمال الإنشاءات، رغم اعتبار الخبراء توقيت التحويل رسالة غير جيدة تعكس نوايا إثيوبيا مبكراً في استكمال بناء السد دون اعتبار لمصالح مصر المائية.
وفي تصرف مشابه، وقبل جلسة مفاوضات ثلاثية نهاية ديسمبر 2015، عقد رئيس الوزراء الإثيوبي هيلا مريام ديسالين، اجتماعاً مع وزيري المياه والخارجية الإثيوبيين بشأن سياسة بلاده تجاه مفاوضات سد النهضة، ليصرح وزير المياه بعد الاجتماع بعدم التراجع عن السعة التخزينية الخاصة بالسد وحق الشعب الإثيوبي في النهوض بالاقتصاد والقضاء على المجاعة التي يتعرض لها كل عام، ورغم ذلك لم يبد رأس النظام في مصر أي اعتراض على هذه التصريحات السلبية على أقل تقدير.
وشدد الوزير ميكاسا وقتها على أن المفاوضات لا تتضمن الحديث عن السعة التخزينية للسد ولا عن سياسة تشغيله، وقال إن السياسة التشغيلية للسد أمر داخلي يخص إثيوبيا، وليس لأحد أن يطلع عليها.
السيسي، إذاً، منح السد مشروعية قانونية واعترافا دوليا بتوقيعه اتفاق المبادئ مع إثيوبيا نظير مساعدة الأخيرة له في عودة مصر لعضوية الاتحاد الأفريقي مرة أخرى بعد تجميد عضويتها على خلفية انقلابه العسكري، ما مكّن إثيوبيا من الحصول على التمويل المالي والدعم الدوليين، وأسرع في معدلات البناء، بعد أن كان السد محروماً من هذا التمويل باعتباره مشروعاً غير قانوني.
لكن تفريط النظام المصري في الاعتراض على التعديلات الإثيوبية المنفردة، وفشل السيسي طوال ثلاث سنوات ونصف في وقف بناء السد لحين إثبات عدم الضرر، يقوي حجة معارضيه في أن السيسي ونظامه غير أمينين على الحفاظ على حقوق مصر التاريخية في مياه النيل، وأنه وقع اتفاق المبادئ بحثاً عن شرعية دولية ما زال يفقدها منذ الانقلاب العسكري منتصف 2013. ومنهم من يدعو المصريين إلى تحالف وطني للدفاع عن حقوقهم التاريخية في مياه النيل، على غرار تحالفهم في الدفاع عن حق مصر في جزيرتي تيران وصنافير.
مصر التي يبلغ تعداد سكانها 90 مليون نسمة ومن المتوقع أن يصل في 2030 إلى 105 ملايين نسمة، تعاني من عجز مائي في حدود 30 مليار متر مكعب، وتستورد هذا العام 70% من احتياجاتها من القمح، و60% من الذرة و98% من زيوت الطعام، و70% من فول الطعام، و98% من العدس، لن تتحمل عجزا مائيا بحجم 73 مليار متر مكعب من حصتها التي لا تزيد عن 55.5 مليارا.
أخيراً، تعطي إثيوبيا بهذه التعديلات المنفردة فرصة أخيرة للسيسي ليذهب بقضية السد إلى الأمم المتحدة ويطالب بوقف بنائه، كما فعلت إثيوبيا تحت الحكم الشيوعي المعادي لأميركا وحليفتيها مصر وإسرائيل مع السادات ومنعته من نقل مياه النيل إلى سيناء بحجة أنها تقع خارج حوض النهر، فلعلها الفرصة الأخيرة قبل اكتمال بناء السد هذا العام، فهل يفعلها السيسي؟!