سد النهضة "يتعثّر"... وأموال إماراتية قد تنقذ الموقف

01 ديسمبر 2018
محمد بن زايد خلال زيارة لأديس أبابا، يونيو الماضي(الأناضول)
+ الخط -
"استئناف مفاوضات سد النهضة الإثيوبي، المتوقفة منذ مايو/ أيار الماضي، خلال الأسبوع المقبل"، هذا ما أعلنه رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، وذلك من أجل التوافق على النقاط التي لم يتم الاتفاق عليها بين إثيوبيا ومصر، مع توقعات خبراء في الشأن الأفريقي باستمرار الخلاف حول النقاط العالقة للتقرير الاستهلالي الذي أعدته شركة فرنسية وترفضه أديس أبابا، وكذلك الخلاف حول سنوات ملء السد وآلية تشغيله.

وكانت مصر قد دعت إثيوبيا للإسراع في المسار التفاوضي الخاص بسد النهضة، وشدد وزير خارجيتها سامح شكري خلال لقائه نظيره الإثيوبي، ورقنه غبيهو، قبل أيام في أديس أبابا، على أهمية التنفيذ الأمين لمخرجات الاجتماع الوزاري الأخير و"تجاوز التباطؤ الراهن إزاءها".

وأنجزت إثيوبيا نحو 66 في المائة من بناء السد، علماً أنّ رئيس الوزراء الجديد، أبي أحمد، الذي تولى السلطة في البلاد في مارس/ آذار الماضي، أزاح شركة المعادن والهندسة "ميتيك" التي تديرها القوات المسلحة، عن العمل في المشروع. وشنّ أبي أحمد خلال مؤتمر صحافي، هجوماً لاذعاً على إدارة مشروع السد، قائلاً: "إنّ بناء سد النهضة كان من المخطط أن ينتهي خلال 5 سنوات، ولكن لم نتمكّن من ذلك بسبب إدارة فاشلة للمشروع، وخصوصاً بسبب تدخّل شركة ميتيك".

يشار إلى أنّ شركة "ساليني إمبريجيلو" الإيطالية هي مقاول المشروع الرئيسي، فيما كانت "ميتيك" متعاقدة على توريد القطاعات المعدنية الخاصة بالمكونات الكهروميكانيكية والهيدروليكية للمشروع. ويثير سد النهضة قلق مصر التي تخشى أن يؤدي تنفيذه إلى تقليص حصتها من مياه النيل، التي تحتاجها بشدة للشرب والري والصناعة، فيما تقول أديس أبابا إنّ السد الذي تبلغ استثماراته 4.8 مليارات دولار لن يكون له تأثير قوي على مصر.

تسريع بناء السد

وفي ما يتعلّق بسرعة إنجاز المشروع، قال رئيس قسم الموارد الطبيعية في "معهد البحوث والدراسات الأفريقية" في جامعة القاهرة، الدكتور عباس شراقي، إنّ "إثيوبيا ليست لديها شركة محلية بديلة عن الشركة التي تمت إزاحتها عن العمل في مشروع سد النهضة، وهي شركة ميتيك التابعة لوزارة الدفاع الإثيوبية"، لافتاً في تصريحات خاصة، إلى أنه "من المرجّح أن يتم إسناد تركيب توربينات السد التي كان مقرراً أن تقوم بها الشركة المحلية إلى شركة أجنبية، بالأمر المباشر، لسرعة إتمام البناء".

وأضاف شراقي أنّ "الشركة المحلية التي أوقفها رئيس الوزراء الإثيوبي عن العمل في سد النهضة، أنشئت في عام 2010، وهي تعمل في قطاعات مختلفة، مثل صناعة السيارات والأوتوبيسات والمعدات العسكرية والمولدات الكهربائية والأسلاك والكابلات وتوربينات الكهرباء"، لافتاً إلى أنّ "تصريحات أبي أحمد السلبية عنها ستقضي عليها تماماً، كما أنّ هذه التصريحات ستمثّل خطورة على حياته الشخصية لأنها تعني إزاحة العسكريين، وربما يكون مقتل مدير مشروع سد النهضة مرتبطاً بجهات لها صلة بالمؤسسة العسكرية هناك، لأنه أعلن قبل وفاته بساعات أنه سيعقد مؤتمراً صحافياً ربما كان سيكشف فيه عن الفساد في المشروع".

رفع القدرات الكهربائية للسد

وأوضح شراقي أنّ "لجوء الحكومة الإثيوبية إلى شركة أجنبية لتركيب التوربينات التي ستولّد الكهرباء، سيسرّع في تنفيذ بناء السد، لأنّ الشركة الإيطالية (ساليني) تنتظر تركيب هذه التوربينات لاستكمال أعمال البناء"، موضحاً أنّ الشركة الإيطالية "تنوي تركيب 16 توربيناً قادراً على توليد 6450 ميغاوات من الكهرباء بكلفة تصل إلى 2 مليار دولار". ولفت إلى أنّ "إثيوبيا استوردت توربينات حديثة لتوليد كميات من الكهرباء أكبر من التي تم الاتفاق عليها في بداية إنشاء السدّ، إذ كان متفقاً على 5250 ميغاوات، لكن ظهرت توربينات حديثة قادرة على توليد طاقة كهربائية أعلى، ما جعل أديس أبابا تغيّر من مواصفات التوربينات لتشتري الأحدث".

وكشف شراقي أنّ "إثيوبيا قد تستعين بأموال إماراتية للإسراع في بناء السد وتركيب التوربينات، وهذه الأموال تم استلامها بالفعل من حكومة الإمارات منذ شهر، وتقدّر بـ3 مليارات دولار مخصصة لإقامة مشروعات بقيمة 2 مليار دولار، فضلاً عن مليار دولار احتياطية في الخزانة الإثيوبية"، موضحاً أنّ "هذه الأموال تم تقديمها إلى أديس أبابا على أثر المصالحة الإثيوبية الإريترية لإنهاء الصراع بين الدولتين برعاية أبوظبي".

اتفاقية جديدة
وطالب الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، خلال "منتدى شباب العالم" الذي أقيم بمدينة شرم الشيخ أخيراً، بتوقيع اتفاقية جديدة مع إثيوبيا، من خلال "الالتزام بالنوايا الحسنة"، مشدداً على ضرورة ألا يستخدم سدّ النهضة لأغراض سياسية. وأكد السيسي أنّ إثيوبيا شهدت مع قياداتها الجديدة تغييرات إيجابية، قائلاً: "تم الاتفاق مع الدول الأفريقية بشكل عام على دعم مشروعات التنمية، ولكن ألا يكون ذلك على حساب حياة المصريين التي تعتمد بشكل كامل على مياه النيل". وتابع: "نريد تحويل النوايا الحسنة لإثيوبيا إلى اتفاقيات ملموسة". وأضاف: "نحن نحتاج مراعاة ألا تؤثّر عملية ملء خزان سد النهضة على حصة مصر المائية، وذلك من منظور فني، غير أن اللجان الفنية لم تصل بعد إلى اتفاق، كما نحتاج إلى ضمان ألا يستخدم السد لأهداف سياسية، وهناك مؤشرات إيجابية جاءت من القيادة الإثيوبية الجديدة".

وفي هذا الإطار، قال شراقي إنّ "الاتفاق الجديد الذي دعا إليه السيسي يجب أن يتضمّن الوصول مع إثيوبيا لحلّ أزمة تشغيل سد النهضة والاتفاق على آلية واضحة لكيفية الملء الأول للسد، وهو ما نصّ عليه البند الخامس من إعلان المبادئ الخاص بسد النهضة الموقّع بين الدول الثلاث، مصر والسودان وإثيوبيا"، مضيفاً "كما يجب أن تحدّد الاتفاقية الجديدة شكل التعاون بين الدول الثلاث والآلية المناسبة لتشغيل السدّ الإثيوبي". وأوضح أنّ "هناك مثالاً للتعاون في تشغيل السدود بين مصر وأوغندا حول سد أوين الأوغندي، حيث تم تشكيل لجنة هندسية لتشغيل هذا السدّ من خلال مهندسين مصريين وأوغنديين، ونحن نريد اتفاقية شبيهة بمثل هذه الاتفاقية للتنسيق بين المهندسين المصريين والإثيوبيين".

ولفت شراقي إلى أنّ "إثيوبيا لديها مخططات لإنشاء سدود أخرى، وبالتالي لا بدّ من اتفاقية شاملة تمنع تكرار أزمة سد النهضة القائمة حالياً، وهو أمر ليس سهلاً، لأنه من الصعب انتزاع اعتراف من إثيوبيا بحصة مصر المائية، لكن يمكن الاتفاق على صيغة مشابهة من خلال التفاوض مع أديس أبابا، خصوصاً أنّ الأخيرة لا تعترف بحصة مصر المائية، كما ترفض الاعتراف بالاتفاقيات السابقة الموقعة مع مصر، بحجة أنها وقّعت في عهد الاستعمار، وهذا بالطبع غير مقبول".

وتعود بداية الأزمة إلى الأول من مايو من عام 2010، حين خرجت إثيوبيا معلنةً عزمها على بناء سد النهضة، لتبدأ التنفيذ في 28 مايو من عام 2013. وجرت سلسلة طويلة من المفاوضات سعت فيها مصر لعدم إقامة السد الذي يحرمها من 74 مليار متر مكعب من المياه. وكانت بداية سلسلة المفاوضات في سبتمبر/ أيلول عام 2011 حين اتفق عصام شرف، أول رئيس وزراء مصري بعد ثورة 25 يناير، مع نظيره الإثيوبي حينها، ميلس زيناوي، على تشكيل لجنة دولية تدرس آثار بناء السد الإثيوبي. وقد تشكلت اللجنة وقتها من 10 خبراء مصريين وإثيوبيين وسودانيين و4 خبراء دوليين محايدين.

وقدّمت اللجنة بعدما انتهت من عملها وبعدما رأت بدء بناء السد، توصيات عدة مهمة، تمثّلت بإجراء دراسات هندسية تتعلّق بارتفاع السد وسعة تخزينه ومدى أمانه، بالإضافة إلى دراسات مائية تتعلق بمواءمة السد مع المياه التي يقف أمامها ونسب التسرب منه، فضلاً عن دراسات بيئية تتعلق بإجراء دراسات اقتصادية واجتماعية وتأثير ذلك على الدول المحيطة بالسد.

ولمّا تولّى السيسي الحكم، طلب خلال اجتماعه مع رئيس وزراء إثيوبيا حينها، هايلي ماريام ديسالين، على هامش قمة الاتحاد الأفريقي في 25 يونيو/ حزيران 2014، التي عقدت في عاصمة غينيا الاستوائية مالابو، استئناف المفاوضات مرة أخرى. واتفق وزيرا الري المصري والإثيوبي على تنفيذ توجيهات السيسي وديسالين والبدء في مفاوضات بحضور السودان، وتشكيل "لجنة وطنية" لتنفيذ توصيات اللجنة الدولية المشكلة في 2012 من خلال مكتب استشاري عالمي. وخلال قمة ثلاثية عام 2015، بين مصر وإثيوبيا والسودان، في الخرطوم، وقّع السيسي ونظيره السوداني عمر البشير ورئيس وزراء إثيوبيا هايلي ديسالين، وثيقة "إعلان مبادئ سد النهضة".

وفي ديسمبر/ كانون الأول 2015، وقّع وزراء خارجية الدول الثلاث على وثيقة الخرطوم، وتضمّنت الاتفاق والتأكيد على إعلان المبادئ الموقّع من قبل السيسي والبشير وديسالين.

وعادت مفاوضات سدّ النهضة في 17 أكتوبر/ تشرين الأول 2017، حين زار وزير الري المصري موقع سد النهضة الإثيوبي، للمرّة الأولى، وذلك لمتابعة الأعمال الإنشائية والتحقّق من التفاصيل الفنية في إطار أعمال اللجنة الثلاثية.

وفي نوفمبر/ تشرين الثاني 2017، استضافت القاهرة على مدى يومين جولة جديدة من المفاوضات بين وزراء الموارد المائية الثلاثة، ولكن السودان وإثيوبيا أعلنتا رفْض التقرير الاستهلالي الخاص بدراسات "سد النهضة"، وأكدت مصر عدم التوصّل لاتفاق.

وفي 13 مارس/ آذار 2018، أعلن السفير السوداني لدى القاهرة، عبد المحمود عبد الحليم، عن توجيه الخرطوم دعوة رسمية للجانب المصري لعقد اجتماع ثلاثي لوزراء الخارجية والري ومديري أجهزة الاستخبارات في السودان وإثيوبيا ومصر، بشأن سد النهضة، في يومي 4 و5 إبريل/ نيسان بالخرطوم والتي انتهت بالفشل.

وكان موعد آخر قد أخفقت فيه جولة جديدة من المفاوضات في منتصف إبريل/ نيسان الماضي، بعد 17 ساعة من مفاوضات كانت تستضيفها الخرطوم، لإجراء محادثات بشأن مخاوف مصر من سد النهضة، ومحاولة الوصول إلى اتفاق مشترك. وكانت المفاوضات تتركّز حول اعتماد التقرير الاستهلالي الخاص بالدراسات التي يجريها المكتبان الاستشاريان الفرنسيان، والذي سبق ورفضت السودان وإثيوبيا الموافقة عليه، بينما وافقت مصر على التقرير في جولة المفاوضات السابقة في نوفمبر/ تشرين الثاني 2017.

المساهمون