ويسعى السيسي جاهداً لدفن كواليس انقلابه العسكري مع رحيل عدد من الرموز المقربة من الرئيس الراحل، وفي مقدمتهم رئيس مجلس الشعب السابق سعد الكتاتني، والقيادي في حزب "الحرية والعدالة" المنحل محمد البلتاجي، ونائب رئيس حزب "الوسط" عصام سلطان، والمرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين محمد بديع، فضلاً عن رئيس حزب "مصر القوية" عبد المنعم أبو الفتوح، والمرشح الرئاسي السابق حازم صلاح أبو إسماعيل. ويتعرض الكتاتني، حسب نجله معاذ، إلى ظروف غير آدمية في مكان احتجازه "ترقى إلى أن تكون جريمة قتل عمد"، مشيراً إلى أن إدارة سجن طرة شديد الحراسة (العقرب)، جنوبي القاهرة، تتعمد عدم إدخال الطعام والدواء والملابس إلى والده، وحجزه في زنزانة انفرادية مظلمة منذ نحو ست سنوات، علاوة على منع الزيارة نهائياً عنه، سواء بالنسبة لأسرته أو محاميه. وفي 17 مارس/ آذار الماضي، اشتكت أسرة محمد البلتاجي من الإهمال الطبي الذي يتعرض له داخل السجن نفسه، وعدم تقديم الرعاية الصحية له في أي مستشفى على نفقة الأسرة، على الرغم من تعرضه لجلطة دماغية أدت إلى "سقوط" يده اليمنى (شلل جزئي)، وانحراف لسانه، وإصابته بعدم الإدراك، مؤكدة أن ما يتعرض له يمثل "تصفية سياسية انتقامية من النظام"، و"قتلاً بطيئاً".
أما هيئة الدفاع عن عصام سلطان، فقد تقدمت سابقاً ببلاغ إلى النائب العام، والمجلس القومي لحقوق الإنسان، يفيد بتعرضه للتعذيب والإهمال الطبي المتعمد داخل سجن العقرب، بالإضافة إلى منعه من شراء الطعام والشراب، وكذا زيارات الأسرة والمحامين، الأمر الذي تسبب في تعرضه للإغماء خلال إحدى جلسات محاكمته في القضية المعروفة إعلامياً بـ"إهانة القضاء". وليست الظروف الصحية لمرشد جماعة "الإخوان" أفضل حالاً، وهو الذي يحمل الكثير من أسرار الثورة والانقلاب بحكم منصبه، إذ تكررت التحذيرات الحقوقية من إمكانية تعرض محمد بديع للوفاة داخل السجن نتيجة تدهور حالته الصحية، ومعاناته من الهبوط المتكرر في الدورة الدموية، في مقابل إصرار السلطات على رفض السماح لأسرته بالاطمئنان عليه وزيارته في سجن "ملحق المزرعة".
كما حذرت أسرة عبد المنعم أبو الفتوح، في 14 يونيو/ حزيران الحالي، من مواجهته خطر الموت داخل محبسه نتيجة الإهمال الطبي المتعمد بسجن مزرعة طرة، وعدم الاستجابة لطلبه إجراء الفحوص الطبية غير المتوفرة في السجن، ولا سيما أنه تعرض لأربع جلطات خلال الفترة الأخيرة، وكذلك حازم صلاح أبو إسماعيل الذي أصيب بسمنة مفرطة بسبب عدم الحركة، أثرت بالسلب على كافة أجهزة جسمه. أما نائب المرشد العام لجماعة "الإخوان"، رشاد البيومي، فهو أكبر المعتقلين السياسيين سناً (85 عاماً)، ويعاني من مشكلات صحية جمة نتيجة الإهمال الطبي مع تقدمه في العمر، كان آخرها تعرضه لأزمة صحية أثناء إحدى جلسات محاكمته، قبل أسبوع واحد من وفاة مرسي، إذ تبين لاحقاً أنها ذبحة صدرية خطرة، أدت لاحتجازه في مستشفى سجن طرة. وتعرض عضو مكتب الإرشاد في الجماعة، مصطفى الغنيمي، إلى نوبة سكر داخل قفص الاتهام أخيراً، ما أسفر عن غيابه عن الوعي قبل أيام قليلة من وفاة مرسي، في حين رفضت هيئة المحكمة طلب دفاعه بنقله إلى المستشفى لخطورة حالته الصحية، وظروف احتجازه غير الإنسانية في سجن العقرب، في ضوء كبر سنه (71 عاماً)، واكتفت بتدوين وصف لحالته الصحية في محضر الجلسة.
ويعاني كذلك المستشار محمود الخضيري (79 عاماً)، رئيس لجنة الشؤون التشريعية في مجلس الشعب السابق، ونائب رئيس محكمة النقض الأسبق، وأحد أبرز رموز تيار استقلال القضاء المصري، من تدهور كبير في حالته الصحية بسبب منع الأدوية عنه، وتدهور حالته النفسية، جراء عدم استطاعته التحدث مع أبنائه أثناء الزيارة إلا من خلال الحواجز الزجاجية. ولا يتلقى الخضيري الرعاية الطبية اللازمة داخل محبسه، على خلفية الحكم عليه بالسجن لمدة ثلاث سنوات، في قضية مزعومة بشأن اتهامه بـ"تعذيب محامٍ بميدان التحرير خلال ثورة 25 يناير 2011"، على الرغم من معاناته من عدم الرؤية جيداً، وآلام شديدة في ركبتيه تعجزه عن السير أو الوقوف إلا بمساعدة الآخرين، بالإضافة إلى أمراض ارتفاع ضغط الدم، وعدم انتظام ضربات القلب.
كما يعاني أستاذ هندسة الاتصالات بجامعة القاهرة، القيادي في جماعة "الإخوان" عصام حشيش (67 عاماً)، من تدهور شديد في صمامات القلب، علاوة على حساسية مزمنة نتيجة رطوبة زنازين سجن العقرب شديد الحراسة. ويدخل جهاد الحداد، نجل القيادي في جماعة "الإخوان" عصام الحداد، جلسات محاكمته "محمولاً من العساكر"، لأنه لا يستطيع حتى الوقوف على قدميه بسبب عجز ركبتيه عن حمله، "ثم يزحف على أريكة القفص الخشبية ليقترب من الزجاج العازل لنراه"، وفقاً لوالدته. وأصيب جهاد بقطع في الغضروف الهلامي الأمامي للركبة داخل محبسه بسجن طرة شديد الحراسة، ما أفقده القدرة على الوقوف أو الحركة لشدة الآلام التي يتعرض لها، وعدم إمكانية تناول المسكنات لارتفاع إنزيمات الكبد منذ ما يقرب من عام، بحسب ما أوضحت والدته، في منشور سابق لها على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك".
قائمة طويلة
وشهد الشهر الذي توفي فيه مرسي رحيل معتقلين آخرين لم يسمع أحد بهم، ومنهم المعتقل سامح عبد الهادي ثابت، الذي توفي إثر تدهور حالته الصحية نتيجة الإهمال الطبي في سجن وادي النطرون، وأيضاً المعتقل عبد الرحمن ضيف، الذي رحل بعد إصابته بجلطة دماغية داخل محبسه بمركز شرطة ههيا بمحافظة الشرقية، نقل على أثرها للعناية المركزة، حتى وافته المنية نتيجة تأخر علاجه. كما انتحر المعتقل وائل محمود السباعي (22 سنة)، في 8 يونيو/ حزيران الحالي، بعد محاولات عديدة لقتل نفسه داخل سجن وادي النطرون من جراء التعذيب البدني والنفسي، وهو معتقل منذ ست سنوات، وكان محكوماً عليه بالسجن لمدة 10 سنوات. ويواجه الشيخ عبد الرحيم جبريل (78 عاماً)، خطر الموت، ويقبع في سجن وادي النطرون منذ أكثر من خمس سنوات، على خلفية اتهامه بالتحريض على حرق قسم كرداسة في الأحداث التي تعود لشهر سبتمبر/ أيلول 2013. ومنذ قرابة عام ونصف العام وهو محتجز في عنبر الإعدام مع متهمين آخرين. وهناك أيضاً الصحافي خالد حمدي، الذي تستمر معاناته داخل سجن العقرب، بعد منع الزيارة عنه لأكثر من سنتين، وبقائه في زنزانة التأديب لأشهر طويلة من دون أغطية وملابس وأدوية، ما تسبب في تدهور صحته بشكل كبير، في ضوء حاجته إلى عناية طبية عاجلة.
إلى ذلك، تواجه المعتقلة آلاء السيد إبراهيم تدهوراً شديداً في حالتها الصحية بمحبسها في قسم شرطة القنايات في محافظة الشرقية، بعدما تعرضت لحالات إغماء متكررة مع تجاهل إدارة القسم طلبها للعرض على طبيب، ما يعرض حياتها للخطر. وآلاء اعتقلت في 16 مارس/ آذار 2019 من داخل جامعة الزقازيق، وتعرضت للإخفاء القسري لمدة 37 يوماً، قبل أن تظهر بعد التحقيق معها في النيابة. وتواجه المحامية المعتقلة هدى عبد المنعم (60 عاماً)، عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان سابقاً، تعسفاً من جانب السلطات، يتمثل في منع الأدوية عنها رغم كبر سنها، وتدهور حالتها الصحية، بالإضافة إلى طبيب العظام محمد زكي عبد الحميد، المختفي قسرياً منذ القبض عليه في 3 يونيو الحالي من مسكنه في ضاحية العاشر من رمضان بمحافظة الشرقية، حيث اقتيد إلى جهة مجهولة بعد حمله من الأمن لعدم استطاعته الحركة.
وفي السياق، أصدرت منظمات حقوقية عدة، أول من أمس الثلاثاء، بياناً مشتركاً، أكدت فيه أن واقعة وفاة الرئيس المصري المعزول محمد مرسي بهذه الطريقة الصادمة أثناء محاكمته، نتيجة الإهمال الطبي والحرمان من الرعاية الصحية، تفضح اتجاه النظام الحالي للانتقام من خصومه السياسيين في السجون. وخلصت المنظمات إلى أن مرسي ليس الأول في قائمة القتل البطيء في السجون المصرية ولن يكون الأخير، لكن واقعة وفاته تعكس بشاعة الجرم الذي يرتكب بحق جميع المحتجزين، بغض النظر عن انتماءاتهم السياسية، في جريمة مُكتملة الأركان يشترك فيها كل القائمين على تحقيق العدالة، بداية من الرئيس الحالي، مروراً بجهات سن القوانين وسلطات إنفاذها. يذكر أن المنظمات الموقعة هي: الجبهة المصرية لحقوق الإنسان، وكومتي فور جستس، ومبادرة الحرية، ومركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، ومركز النديم، ومركز بلادي للحقوق والحريات، ومركز عدالة للحقوق والحريات، والمفوضية المصرية للحقوق والحريات، ومؤسسة حرية الفكر والتعبير.