سجن المزارعين في مصر... هل يحل أزمة سد النهضة؟

06 مايو 2018
50.48 مليون دولار واردات مصر من الأرز الهندي في2017(Getty)
+ الخط -
أصابت موافقة مجلس النواب بشكل نهائي في الثاني والعشرين من إبريل/ نيسان الماضي، على تعديلات بعض أحكام قانون الزراعة رقم 53 لسنة 1966، تقضي بتوقيع عقوبتي الحبس مدة تصل إلى 6 أشهر، وغرامة تصل إلى 20 ألف جنيه عن الفدان الواحد أو كسور الفدان، بحق الفلاحين الذين يزرعون محاصيل شرهة للمياه في مناطق غير تلك التي تحددها الحكومة، أصابت جموع الفلاحين المصريين بالصدمة والغضب.

التعديلات جاءت بعد قرار وزير الموارد المائية والري، محمد عبد العاطي، نهاية يناير/كانون الثاني بتخفيض مساحة محصول الأرز إلى 724 ألف فدان، مقابل 1.076 مليون فدان سمحت الحكومة بزراعتها العام الماضي، زادها المزارعون إلى 1.8 مليون فدان.

التعديلات خيبت آمال الفلاحين بعد انتظارهم تعديلات تحقق وعود الجنرال السيسي لهم في عيد الفلاح، سبتمبر 2014، وبحثتها الحكومة وتمكنهم من حقوقهم الدستورية المنصوص عليها في المادة 17 من الدستور، والتي تشمل التأمين الصحي والمعاش االاجتماعي المناسب لصغار الفلاحين، والعمال الزراعيين، والصيادين، والعمالة الزراعية غير المنتظمة، في حالة الشيخوخة والعجز عن العمل.

وانتظر المزارعون تعديلات تمكنهم من حقهم الدستوري في التكافل الزراعي، المنصوص عليه في المادة 17 من الدستور، والذي يلزم الدولة بشراء المحاصيل الزراعية الأساسية بسعر مناسب يحقق هامش ربح للفلاح، وتخصيص نسبة من الأراضي المستصلحة لصغار الفلاحين وشباب الخريجين.

لكن شيء من ذلك كله لم يتحقق، وتفاجأ الفلاحون بأن التعديلات الجديدة صدرت فقط لتحظر زراعة الأرز الرابحة، وتسجن وتغرم المخالفين منهم باعتبارهم مجرمين وخارجين على القانون.

المستفيد من التعديلات

في 2014، وبعد ثلاثة أشهر من تولي السيسي الحكم وقبل احتدام أزمة سد النهضة، أعلن أول وزير للزراعة في عهده ورئيس ملف الزراعة في حملته الانتخابية، الدكتور عادل البلتاجي، عن أن زراعات الأرز في مصر تمثل تعديا على الموارد المائية لمصر، وأن الوزارة تتجه إلى تخفيضها إلى مليون و200 ألف فقط، ما يكشف النية المبكرة لتدمير هذا المحصول الاستراتيجي.

ومنع السيسي وزارة التموين من شراء الأرز من المزارعين بداية من موسم 2014، ما سمح للتجار بشراء الأرز من المزارعين بأسعار بخسة. ثم قامت الحكومة باستيراد الأرز الهندي ولأول مرة بعد 20 عاما من الاكتفاء الذاتي، بالرغم من وجود مليون طن يزيد يزيد عن الاستهلاك المحلي البالغ 3.6 ملايين طن.

وكشف تقرير الهيئة العامة للرقابة على الصادرات والواردات في 3 فبراير الماضي عن أن فاتورة واردات مصر من الأرز الهندي بلغت 45 مليونا و920 ألف دولار في 2016، وزادت إلى 50 مليونا و480 ألف دولار في 2017. المستهلك المصري رفض شراء الأرز الهندي طوال السنتين الماضيتين، وبالرغم من تخفيض الوزارة سعر البيع عدة مرات، فقد تلفت الكمية كلها بسبب عدم تفضيل المستهلك المصري الأرز الهندي طويل الحبة.

الأرز المصري قصير الحبة، عالي الجودة، مرغوب في أسواق الأرز الدولية، ويتجاوز سعره الألف دولار للطن، والمتاح منه لا يتجاوز 5 ملايين طن، تتنافس عليها مصر والولايات المتحدة وأستراليا، وكان نصيب مصر منها 20%.

ومن أجل الأرز الأميركي المنافس الأكبر للمصري، حارب يوسف والي، وزير الزراعة في عهد المخلوع مبارك، زراعة الأرز المصري بحجة ترشيد مياه الري وقبل عقود من أزمة سد النهضة، كما حارب القطن المصري لصالح قطن البيما الأميركي بحجة زراعة الفراولة والكنتالوب وتصديرها مقابل الدولار.

وبالرغم من أن الأرز هو الغذاء الرئيس لنحو 80% من سكان مصر، وبديل رغيف الخبز الذي تعاني مصر أزمة طاحنة من غيابه، وأنجح محصول غذائي في مصر على الإطلاق، وتكتفي منه ذاتيًا، وتقوم عليه صناعة ضرب الأرز العملاقة، والتي يعمل بها ألوف من العمال في مضارب أرز القطاع الخاص، و7‏ مضارب عملاقة تملكها الدول ويعمل فيها 25‏ ألف عامل، وبالرغم من ذلك، أعلن والي عن تخفيض مساحة الأرز إلى 1.1 مليون فدان لصالح أرز الولايات المتحدة الذي ورث حصة الأرز المصري في السوق الدولية.

إذن، حكومة السيسي تطبق سياسة يوسف والي، وتحارب زراعة الأرز المصري لصالح الأميركي الذي وصل سعره في دول الخليج إلى دولارين للكيلو الواحد بعد تغييب المصري، بحجة إهداره المياه وترشيد الاستهلاك.

الدورة الزراعية

مع صدرو قرار وزير الري بتخفيض مساحة الأرز إلى 724 ألف فدان، قالت الوزارة إن المساحة الجديدة تكفي وتغطي احتياجات السوق المحلية. وكتبت في هذه الصحيفة الغراء بتاريخ 4 مارس الماضي، أن القرار ينطوي على مغالطة كبيرة، وأن الاكتفاء بزراعة 724 ألف فدان لا تغطي احتياجات السوق، بل وتحول مصر من بلد مصدر للأرز إلى مستورد له، سيما أن الاحتياجات المحلية من الأرز الأبيض زادت إلى 3.8 ملايين طن في 2017، وأن هذه الكمية تحتاج إلى زراعة 1.3 مليون فدان بعد أن وصل تعداد السكان في الداخل إلى 96 مليون مواطن.


وقد ثبت خطأ تقديرات الوزارة، وتراجعت عن قرارها السابق، وقررت زيادة المساحة 100 ألف فدان إضافية، وقالت إنها للوفاء باحتياجات البلاد. ولكني أكرر هنا أن هذه المساحة لا تغطي احتياجات السوق المحلي، وتحول مصر من بلد مصدر للأرز إلى مستورد له.

وأزيد فأقول، إن أراضي الدلتا، والبالغة 4 ملايين فدان، والقريبة من مياه البحر المتوسط المالحة، تحتاج إلى زراعة الأرز كما يحتاج المصريون إليه في طعامهم. وإنه يجب زراعة الأرز بمعدل مليون و300 ألف فدان ضمن دورة زراعية ثلاثية، وذلك لعلاج التربة من التملح، ولإزاحة مياه البحر المتوسط حتى لا تتسرب إلى المخزون الجوفي تحتها وتدمرها.

تطبيق نظام الدورة الزراعية سوف يوفر 25% من مياه الري، أي حوالي 10 مليارات متر مكعب، ما يضمن أمن غذاء المصريين، ويسمح بزيادة مساحة الأرز إلى 1.3 مليون فدان، وليس تخفيضها أو محاربة زراعته.

والدورة الزراعية تنظم تناوب المحاصيل الزراعية المختلفة على رقعة محدودة من الأرض الزراعية، بحيث يُزرع المحصول المجهد للتربة مرة واحدة على الأكثر في نفس المساحة كل ثلاث سنوات على الأقل، ويعقب هذا المحصول المجهد محصول آخر مريح للتربة ومخصب لها، وهكذا.

الدورة الزراعية تحافظ على بناء وخصوبة التربة الزراعية، وتقاوم الأمراض والحشائش والآفات طبيعيًا، وتوفر نسبة 25% من مياه الري، وتزيد إنتاجية المحاصيل المتعاقبة بنسبة 35%.

ألغى يوسف والي العمل بقانون الدورة الزراعية المعمول بها من عشرات السنين في 1993، بزعم تحرير الزراعة، ولكن لخطورة ذلك لم يجرؤ والي على إصدار قانون بإلغاء العمل بالدورة الزراعية.

وأدى إلغاء الدورة الزراعية إلى زيادة استهلاك المياه، وتدهور خصوبة التربة، وانهيار الصرف الزراعي وارتفاع المياه الجوفية وتطبيل الأراضي، وتراجع إنتاجية وحدة المساحة، وانتشار الآفات والأمراض والحشائش، وزيادة استهلاك المبيدات الحشرية، وتسمم الأرض بسبب الإفراط في استخدام الأسمدة الآزوتية لتعويض النقص في خصوبة التربة نتيجة تكرار زراعة المحاصيل المجهدة للتربة، وعدم صلاحية المحاصيل للتصدير ورفضها في السوق الدولية وخسارة السمعة العالمية للزراعة المصرية.

وعليه أقول إن الحكومة مطالبة بتطبيق قانون الزراعة كاملًا، بما فيه المادة 4 من قانون الزراعة، والتي تنص على تطبيق الدورة الزراعية، والكف عن العبث به لتجرم زراعة الأرز وسجن مزارعيه. والسيسي مطالب بتطبيق المادة 44 من الدستور، الخاصة بالمحافظة على حصة مصر التاريخية من مياه النيل وعدم التفريط فيها، ذلك أن تمسك إثيوبيا بملء خزان سد النهضة في 4 سنوات لن يجدي معه تعديل قانون الزراعة، ولا حظر الأرز، ولن يحمي المصريين مما سيلحق بهم من جوع وعطش.
المساهمون