سجن القصبة

19 أكتوبر 2015
بنزرت، ميناء الصيد، 1950 - 1960 (Getty)
+ الخط -
بنزرت مدينة تونسية بحرية، مغمّسة بالتاريخ، دأبها كدأب مدن البحر الأبيض المتوسط؛ مسرح الصراع المائي والغزو البحري لأمم كثيرة تصارعت وتعاقبت لاحتلال نفوذ وسلطة على اليم الأزرق.

إلا أن لبنزرت "حبّة سكّر زيادة" لو استعملنا تعبيرًا دارجًا، فهي متعددة الموانئ، ويظهر من خارطتها كيف تتداخل المياه وتتشابك مع اليابسة، لتولد مدينة يقال إنها في "شكلها" يصح تشبيهها بمدينة البندقية الإيطالية.

تشبيهٌ لا ينطبق إلا على "الشكل"، فبنزرت تميل صوب الاقتصاد المستند إلى الموانئ التي تنقل البضائع ومشتقات النفط أيضًا، وفيها أكبر قاعدة جوية في تونس. أمّا البندقية فتميل نحو "اقتصاد" الحبّ والعاطفة؛ مدينة رومانسية موحية وملهمة.

غير أن المدن لا تبقى على حالها ولا على "صورتها" المنطبعة في الذهن، إذ ثمة دومًا مجالٌ لتبديد الصورة أو خلخلتها أو تشذيبها أو تغييرها. ربما عبر قصّة حب باهرة، أو قصيدة جميلة، أو قصر منيف، أو أسطورة باذخة، أو أي حبّة من سلسلة جمال المدن.

لكن "قصّة" بنزرت مختلفة؛ فحين كان علي باشا حاكمًا بأمره في القرن الثامن عشر، أمر بتوسيع أسوارها وترميمها من بعد انهيارها جرّاء نزاع سياسي عنيف. فالسياسة تميل إلى العنف والتهديم، كلّما عجزت عن الحوار.

اقرأ أيضًا: قاعة الأختين

وبين عامي 1740 - 1743، تمّ تنفيذ أمر علي باشا؛ رُممّ السور وتوّسع، إلا أن الحاكم أضاف شيئًا أو "حبّة زيادة"، غير سكرية الطعم؛ فقد أمر عام 1743 بتشييد سجن، عُرف باسم سجن القصبة. سجنٌ مطلٌ على أحد موانئ بنزرت، وتحديدًا ميناء الصيد. كذا يأتي التشبيه عفوًا: ناس تصيد السمك، وناس تصيد الناس. مكان صيد الناس هذا، فتح شهية أسياد البحر "المارقين"، أو القراصنة الذين استغلوا المكان الحجري، لسجن الأسرى. كان على الناس الانتظار إلى منتصف القرن التاسع عشر تقريبًا حتى يصدر قرار إلغاء العبودية في تونس عام 1846. إلا أن الاستعمار الفرنسي، أُعجب على ما يبدو بالسجن، فأعاد إلى مهنة "صيد الناس" "ألقها" لو كان لها من ألق. أمّا الناس فقد ثاروا ثمّ طردوا المستعمر، وأعلنوا تونس دولة مستقلة. وفي عام 1956 أغلق سجن القصبة، وبدلًا من حبس الناس فيه، صار مستودعًا تُحبس البضائع فيه.

ثار الناس ثانية، وأطاحوا عبر "الياسمين" حاكمًا تونسيًا مستبدًا،عام 2011. هذه المرّة تغيّر شيء في مدينة بنزرت، فـ الياسمين، حمل قيمًا جديدة، دفعت التونسيين إلى اتخاذ قرار بتحويل عدد من السجون القديمة إلى فضاءات ثقافية. وكذا كان؛ تعاونت جمعية صيانة بنزرت مع مؤسسة فرنسية "Rempart"، لترميم المكان وتحويله من سجن إلى مركز ثقافي.
المساهمون