لطالما توافر الكثير من المواقف، على مدار الوقت، التي تسرد بالتفصيل سلوكيات ستيف جوبز التي تتسم بالقسوة والوقاحة والبخل تجاه العاملين لديه وشركائه في العمل وحتى أسرته وأصدقائه. لكن تظل القصص التي روتها ابنته ليزا جوبز عنه في مذكراتها (Small fry) صادمة. لم يكن مجرد شخص أناني بل كائناً بشرياً مرعباً.
سابقًا أنكر جوبز نسب ابنته إليه، ولم يدفع نفقات إعالة الطفلة إلا بعد اختبار الحمض النووي الذي أكد أنه والدها وأصدرت المحكمة حكماً يلزمه بدفع نفقات تربيتها. كما أنكر أن جهاز الكمبيوتر "أبل ليزا" (جهاز كمبيوتر شخصي طورته شركة أبل وأصدر في 19 يناير/كانون الثاني 1983 وظهر لأول مرة قبيل إطلاق عائلة أجهزة الكمبيوتر الشخصية ماكنتوش أو ماك في يناير/كانون الثاني 1984) قد سُمي باسمها قبل أن يعترف بذلك في نهاية المطاف لها وللعالم.
يضيف كتاب ليزا جوبز تفاصيل جديدة، فتقول فيه إنه لم يكن يراها إلا نادراً حين كانت طفلة صغيرة، وحتى بعدما اعترف بنسبها. وفي أثناء تجنبه لها وتجنبه دفع نفقاتها، على الرغم من أنه حينها أسس بالفعل شركة أبل وكان يجني المال، كانت هي وأمها تعانيان الفقر، تقتاتان على الإعانات الاجتماعية، ودخل الأم من الأعمال ضئيلة الأجر التي شغلتها وما قدمه البعض من مساعدات خيرية. عندما أُجبر أخيراً على دفع نفقات إعالة الطفلة، تأكد أن القضية المرفوعة ضده قد أغلقت قبل أيام من طرح شركة أبل أسهمها للعامة وأصبح مليونيراً كبيراً.
حتى بعدما شرع جوبز في منح ليزا المزيد من الاهتمام، بدت والدتها كريسان منزعجة من تركها وحدها معه بعدما سأل الفتاة البالغة حينها 9 سنوات عن انجذاباتها وميولها الجنسية.
فيما بعد، ذهبت ليزا لتعيش معه في مرحلة مراهقتها، وتقول إنه منعها من رؤية والدتها لمدة ستة أشهر، على الرغم من أن والدتها كانت الشخص الوحيد الأمين في حياتها حتى ذلك الحين. بعد الانتقال للعيش معه ومع زوجته لورين باول جوبز، أخبرتهما أنها تشعر بالوحدة وطلبت منهما لو يلقيان عليها تحية المساء. بدلاً من الاعتراف بحقها في إشباع مشاعرها وتلبية هذا الطلب البسيط، أجابتها لورين "إننا باردا المشاعر".
كما بخل على ابنته بالمال مراراً، قائلاً إنه لا ينبغي لها الحصول على "أي شيء" من ثروته حتى أنه رفض تركيب مدفأة في غرفة نومها. وهي في المدرسة الثانوية عاود لعب دوره المعتاد مخبراً الفتاة ألا تقضي مزيداً من الوقت مع العائلة، قائلاً "لن يفلح الأمر. أن تكوني أحد أفراد هذه العائلة دور لا تنجحين فيه".
في وقت من الأوقات، انتاب جيران الأسرة قلق شديد حيال ليزا، إذ ساعدوها للانتقال إلى منزلهم. كما ساعدوها في تسديد مصاريف كليتها.
ما سبق ذكره عن معاملة ستيف جوبز لابنته ليزا مجرد مقتطفات من مذكراتها التي نشرت في الرابع من سبتمبر/أيلول 2018، ولأنها تُروى من طرف واحد تظل الصورة غير مكتملة وربما مثقلة بالعاطفة وبعض الانحياز؛ في تصريح للورين جوبز (زوجة ستيف) وأخته قالتا فيه: "تختلف الذكريات الواردة في الكتاب اختلافاً كبيراً عن ذكرياتنا في تلك الأيام".
وأضافتا: "لا يمثل الوصف المطروح في الكتاب ستيف الزوج والأخ الذي نعرفه، لقد أحب ستيف ليزا وندم على أنه لم يكن الأب الذي انبغى عليه أن يكونه أثناء طفولتها المبكرة".
لم تستدع ليزا تلك الذكريات المؤسفة في كتابها لتدين جوبز وزوجته وغيرهما، لكن لتعقد معهما سلاماً، لتسامح وتمضي قدماً. كانت تلك الطريقة خيارها وحقها. لكن، ما ذكرته عن معاناتها يعتبره العديد من الناس الآن إساءة إلى الأطفال؛ إساءة معنوية متعمدة (سوء معاملة الطفل: مجموعة أفعال تمارس من طرف أحد الوالدين أو من يقوم برعاية الطفل تتسبب في إيذاء حسي أو معنوي للطفل، أو تهديد بإيذائه). تتبع خلال محاولتها لإيجاد وسيلة للغفران لوالدها مجموعة من الأشخاص ممن تراهم يستحقون اللوم على سلوكياته أكثر من غيرهم. وعموماً، فإن الطريقة الوحيدة لإجبار متنمر على التراجع هي التصدي له وهذا ما لم يفعله إلا قلة قليلة لمواجهة ستيف، وما لم تفعله زوجته لورين لتحمي ليزا وما لم يفعله زملاؤه ليحموا الموظفين لديه وشركاءه في العمل.
تحت ضوء القصة الشخصية لليزا، تتضح قصص وحكايات أخرى متعلقة بستيف جوبز ومعاملته لموظفيه وزملائه وشركائه. رجح فيها جانب شخصية القاسي على جانب شخصية القائد المدفوع أحيانًا لاستخدام القسوة لتحقيق أهدافه، ذلك بسبب من أحاطوا به ممن تقبّلوا بشاعته وتكيفوا معها وأذعنوا لها.
ولا يمكن إغفال دور جوبز الجدير بالإشادة في إحياء شركة أبل، عندما تولى مسؤوليتها حين كانت على وشك الإفلاس، والتي كانت بالفعل قبيل وفاته أهم شركة للتكنولوجيا الاستهلاكية في العالم وكانت في طريقها لتصبح هذا العملاق المعروف. إنجاز عظيم يحسب له، تسبب في إنقاذ آلاف الوظائف وإتاحة آلاف غيرها. تشمل إنجازاته أيضا دوره في إبداع بعض المنتجات الأكثر تأثيراً خلال الخمسين عاماً الماضية، مثل، الآي فون والماك والآي باد والآي بود وأجهزة كمبيوتر أبل الأصلية. على الرغم من أن منتجات مماثلة أنتجت وغيرها محتملة الإنتاج من دونه، فلا يمكن إنكار دوره الرائد في صياغة طريقة تفاعل ملايين الناس مع التكنولوجيا، في نواح كثيرة على نحو أفضل.
وحتى هذه إنجازات خالطتها إنجازات أخرى أقل استحقاقاً للثناء أضافت لها ما يزيد من الإثارة مثل، إشرافه على آلاف المصانع الخارجية العاملة لصالح شركة أبل، وإشرافه على الطرق الملتوية التي اتبعتها الشركة للتهرب من دفع الضرائب. كما أنه ترأس الشركة واستفاد شخصياً عندما غيرت تاريخ خيارات الأسهم لرفع قيمتها، لكنه ألقى بالمسؤولية على غيره من المديرين التنفيذين.