قلتُ لها لا تُفرطي في تذكّر الأشجار
الأشجارُ لا تتذكّر أحداً
انظري كيف يستظلُّ بها الغزاةُ دون أن يخلعوا خوذاتهم
انظري كيف يدوسون ظلالها ببساطيرهم
الأشجار لا تتذكّر غارسيها
ولا تكترث لقاطفيها
لم تتذكرني شجرةٌ حين نُفيت عن أرض أسلافي
والأشجار التي نمت تحتها جميع طفولتي تتصرّف الآن كأشجار أجنبية
قلتُ لها: لقد كفرتُ حتى بالأشجار.
***
قلتُ لها لا تُفْرطي في تمشيط شَعر الأيام الطويل
فإن هذا الدلال الكثير سيجرحها وهي تركض شعثاء وحافية في براري الشوك
قلتُ لها الأيام فانيةٌ مثلنا، كم من الأيام أصبحت الآن تحت التراب؟
قلتُ لها اقتصدي في إيقاد الشموع
فعمّا قليل تهبُّ نفس الرياح التي أطفأت أول شمعةٍ أشعلتها أوّلُ يدٍ أفرطت مثلك في تمشيط شَعر الليالي الطويل.
قلتُ لها اقتصدي حتى في الحب فإني أسمع دفوفاً تجيء من البعيد العاصف
أسمع أوتاراً توزِّعُ مشهداً قاتماً
وصوراً يُنفَخُ
أسمع الأيامَ تركضُ وراء خاطفيها في تلالٍ مفرغةٍ من الهواء.
***
قلتُ لها لم أكن أُسافر إلا لأهرب منكِ
ولم أكن أصلُ إلا إليكِ...
كيف خبّأتِ هذا الصنم الصغير أربعة عشر قرناً
ولِمَ تُخرجينه الآن؟
ستشقّقه أضواءُ الأكذوبة.
هو الآخرُ يودّ أن يَهرب.