13 فبراير 2022
سباق العرب بين هيلاري وترامب
ينقسم العرب، كما العادة، بين المرشحيْن لانتخابات الرئاسة الأميركية التي ستجري بعد خمسة أسابيع، الديمقراطية هيلاري كلينتون، والجمهوري دونالد ترامب. وبينما يتفهم المرء الاهتمام العربي، كما بقية العالم، بحدثٍ كبير مثل الانتخابات الأميركية، فإنه يحار في فهم مسألة الانقسام العربي بين المرشحيْن. ليس لأن الانقسام رذيلة، أو بسبب التفاوت الواضح بين المرشحيْن من حيث الرؤية والخبرة والسمات الشخصية، وإنما كونه انقساما غير مؤثر، ولا يزيد أو ينقص من الأمر في شيء، إلا إضافة مستوى جديد لما هو قائم من الانقسامات والاستقطابات التي باتت سمةً أساسية في السياسة والمجتمع العربي حالياً.
وإذا كانت العادة، في الماضي، أن تكون مسألة فلسطين إحدى الركائز المهمة في تحديد الموقف العربي، رسمياً وشعبياً، من مرشحي الرئاسة الأميركية، فإن الأمر يبدو، هذا المرة، مختلفاً بشكل كبير، ليس فقط لأن ثمّة كوارث ونكبات عربية أخرى تحتل الآن أولويةً واهتماماً من المسؤولين ومن الإعلام الأميركي، وإنما لأنه لا توجد فروق بين كلا المرشحيْن، سواء فيما يخص القضية الفلسطينية أو الدعم اللامحدود لإسرائيل. وأذكر قبل عقدين أننا، في كل انتخابات رئاسية أميركية، نقارن بين مواقف المرشحيْن من إسرائيل ورؤيتهما لحل الصراع بين الفلسطينيين والإسرائيليين، مع يقيننا بأنه لا فرق كبيراً بين كليهما في مسألة دعم إسرائيل، باعتبارها مسألة استراتيجية. وهنا، يبدو أن العرب قد انتقلوا، كما هي الحال مع قضايا أخرى كثيرة، إلى مرحلة جديدة من الانحدار والتراجع في المواقف والرؤى السياسية تجاه قضاياهم الأساسية، أو التي كنا نظن أنها كذلك.
وبينما تبدو مرشحة الحزب الديمقراطي، هيلاري كلينتون، أقلَّ سوءاً، ليس بمقاييس السياسة، وإنما بمقاييس الخبرة الشخصية والمهنية والاتزان العقلي، مقابل السطحية والجنون والفوبيا التي تمثل جزءاً أصيلاً من شخصية خصمها الجمهوري، دونالد ترامب، إلا أن للأخير مؤيدين كُثْرا بين الجمهور العربي، نخبةً ومجتمعاً. ويتراوح منطق هؤلاء بين أمرين، أولهما أنه لا فرق كبيراً بين كلا المرشحيْن، وبالتالي، من الأفضل أن نري الوجه الحقيقي لأميركا البيضاء العنصرية التي يمثلها ترامب. والأمر الثاني كيفية توظيف هذا الشخص المجنون واستخدامه في سياقات اللعبة السياسية الداخلية. وللتوضيح، فإن ثمّة قناعة لدى بعض الساسة العرب بأن قلة
خبرة ترامب وجنونه ليس بالضرورة شرّاً، وإنما قد يكون مدخلاً للتأثير على سياساته، خصوصاً في المنطقة العربية، وتوظيفها لصالح خدمة هؤلاء الساسة. خذ مثلاً موقف الجنرال عبد الفتاح السيسي الذي يرى في ترامب، على سطحيته وتفاهته وجنونه، "زعيماً قوياً"، بل ويتبنى، كما أشرنا في مقال سابق، موقف ترامب المخزي من الإسلام والمسلمين. وهنا، لا يغرّد السيسي منفرداً، فهو مدعومٌ من حلفاء إقليميين، ليس فقط يشاطرونه الرؤية تجاه ترامب، بل يحاولون اللعب داخلياً لدعمه في مواجهة كلينتون. وثمّة إشاعاتٌ، يتداولها بعضهم في واشنطن، حول ما يشبه التحالف بين "لوبياتٍ" عربية نشطة، وأعضاء في الحملة الانتخابية لترامب. ويصل الأمر، أحياناً، إلى دعمه مالياً من أجل هزيمة كلينتون. أصبحت هذه اللوبيات العربية لاعباً مهماً في أوساط النخبة الأميركية، سواء على مستوى الكونغرس، أو مراكز التفكير ووسائل الإعلام. وهي لا تدّخر جهداً في القيام بكل ما هو ممكن، من أجل تجيير الساسة الأميركيين لصالح أجندتهم وصراعاتهم في المنطقة. ويمثل الموقف من تيارات الإسلام السياسي نقطة التقاء، بين ترامب، ومن خلفه تيار اليمين العنصري الأميركي وأنظمة عربية لا تمانع أن تتحالف مع الشيطان، من أجل استئصال الإسلام السياسي ودفنه، حتى ولو دفع مسلمون عاديون الثمن، كما الحال في أميركا.
وإذا كان منطقياً أن يدعم السلطويون والإسلاموفوبيون العرب ترامب، لأسبابٍ سياسية وبراغماتية، فمن المؤسف أن تجد بين أهل الفكر والثقافة والرأي من يدعمه أيضاً لأسبابٍ قد لا تختلف كثيراً عن أسباب سابقيهم، مُضافاً إليها حواش فلسفية بائسة. وذلك على نحو ما كتبه أحدهم، أخيراً، في صحيفة مصرية، مدافعاً عن ترامب، بل ويربط مستقبل "الدولة المدنية" في بلاده بنجاح ترامب بالرئاسة في أميركا. أو أن يدعمه آخر نكاية في كلينتون، باعتبارها من "الداعمين للربيع العربي" الذي يعني، من منظورهم، دعم الإسلاميين. وهي أكذوبة روّجتها، ولا تزال، دوائر "الثورة المضادة"، من أجل تبرير انقلابهم على الربيع العربي. فمن الثابت أن كلينتون كانت من أكثر المتشائمين من الثورات العربية، وكانت تنتمي لتيارِ يطالب بالتروّي والحذر في التعاطي معها، وذلك ضد تيار آخر كان يرى رفع الدعم عن السلطويين والديكتاتوريين العرب في مصر وتونس وليبيا. وقد سجّلت ذلك في كتابها "خيارات صعبة" الذي أصدرته قبل عامين.
يلتقي دعم النخب العربية لترامب ما أسميناه الأسبوع الماضي "اليمين العربي" مع نظيره الأميركي، ويبدو أن بينهما متشابهات كثيرة ستتكشف كلما اقتربنا من الانتخابات الأميركية. وهو التقاءٌ يكشف حجم التردّي والتراجع الذي أصاب طرق التفكير والتقييم في العالم العربي. وتُسأل عنه النخب العربية التي انتقلت من مربع الرفض إلى الصمت إلى التواطؤ مع تياراتٍ عنصرية لا تحمل للعرب أي نياتٍ حسنة، بل تراهم، وهذه هي المفارقة، أصل الشرور في العالم.
قطعاً، ليس مطلوباً أن يدعم العرب، نخبة وجمهوراً، كلينتون، وهي المعروفة بسجلها السيئ، سواء فيما يخص دعم إسرائيل أو الصمت على انتهاكات حقوق الإنسان ودعم الأنظمة السلطوية في منطقتنا. ولكن، يبدو من العبث من يخرج علينا مدافعاً عن جنون ترامب، لا لشيء سوى نكاية في خصومه السياسيين، بينما ندفع، نحن العادييْن، ثمن هذه الحماقة والجنون.
وإذا كانت العادة، في الماضي، أن تكون مسألة فلسطين إحدى الركائز المهمة في تحديد الموقف العربي، رسمياً وشعبياً، من مرشحي الرئاسة الأميركية، فإن الأمر يبدو، هذا المرة، مختلفاً بشكل كبير، ليس فقط لأن ثمّة كوارث ونكبات عربية أخرى تحتل الآن أولويةً واهتماماً من المسؤولين ومن الإعلام الأميركي، وإنما لأنه لا توجد فروق بين كلا المرشحيْن، سواء فيما يخص القضية الفلسطينية أو الدعم اللامحدود لإسرائيل. وأذكر قبل عقدين أننا، في كل انتخابات رئاسية أميركية، نقارن بين مواقف المرشحيْن من إسرائيل ورؤيتهما لحل الصراع بين الفلسطينيين والإسرائيليين، مع يقيننا بأنه لا فرق كبيراً بين كليهما في مسألة دعم إسرائيل، باعتبارها مسألة استراتيجية. وهنا، يبدو أن العرب قد انتقلوا، كما هي الحال مع قضايا أخرى كثيرة، إلى مرحلة جديدة من الانحدار والتراجع في المواقف والرؤى السياسية تجاه قضاياهم الأساسية، أو التي كنا نظن أنها كذلك.
وبينما تبدو مرشحة الحزب الديمقراطي، هيلاري كلينتون، أقلَّ سوءاً، ليس بمقاييس السياسة، وإنما بمقاييس الخبرة الشخصية والمهنية والاتزان العقلي، مقابل السطحية والجنون والفوبيا التي تمثل جزءاً أصيلاً من شخصية خصمها الجمهوري، دونالد ترامب، إلا أن للأخير مؤيدين كُثْرا بين الجمهور العربي، نخبةً ومجتمعاً. ويتراوح منطق هؤلاء بين أمرين، أولهما أنه لا فرق كبيراً بين كلا المرشحيْن، وبالتالي، من الأفضل أن نري الوجه الحقيقي لأميركا البيضاء العنصرية التي يمثلها ترامب. والأمر الثاني كيفية توظيف هذا الشخص المجنون واستخدامه في سياقات اللعبة السياسية الداخلية. وللتوضيح، فإن ثمّة قناعة لدى بعض الساسة العرب بأن قلة
وإذا كان منطقياً أن يدعم السلطويون والإسلاموفوبيون العرب ترامب، لأسبابٍ سياسية وبراغماتية، فمن المؤسف أن تجد بين أهل الفكر والثقافة والرأي من يدعمه أيضاً لأسبابٍ قد لا تختلف كثيراً عن أسباب سابقيهم، مُضافاً إليها حواش فلسفية بائسة. وذلك على نحو ما كتبه أحدهم، أخيراً، في صحيفة مصرية، مدافعاً عن ترامب، بل ويربط مستقبل "الدولة المدنية" في بلاده بنجاح ترامب بالرئاسة في أميركا. أو أن يدعمه آخر نكاية في كلينتون، باعتبارها من "الداعمين للربيع العربي" الذي يعني، من منظورهم، دعم الإسلاميين. وهي أكذوبة روّجتها، ولا تزال، دوائر "الثورة المضادة"، من أجل تبرير انقلابهم على الربيع العربي. فمن الثابت أن كلينتون كانت من أكثر المتشائمين من الثورات العربية، وكانت تنتمي لتيارِ يطالب بالتروّي والحذر في التعاطي معها، وذلك ضد تيار آخر كان يرى رفع الدعم عن السلطويين والديكتاتوريين العرب في مصر وتونس وليبيا. وقد سجّلت ذلك في كتابها "خيارات صعبة" الذي أصدرته قبل عامين.
يلتقي دعم النخب العربية لترامب ما أسميناه الأسبوع الماضي "اليمين العربي" مع نظيره الأميركي، ويبدو أن بينهما متشابهات كثيرة ستتكشف كلما اقتربنا من الانتخابات الأميركية. وهو التقاءٌ يكشف حجم التردّي والتراجع الذي أصاب طرق التفكير والتقييم في العالم العربي. وتُسأل عنه النخب العربية التي انتقلت من مربع الرفض إلى الصمت إلى التواطؤ مع تياراتٍ عنصرية لا تحمل للعرب أي نياتٍ حسنة، بل تراهم، وهذه هي المفارقة، أصل الشرور في العالم.
قطعاً، ليس مطلوباً أن يدعم العرب، نخبة وجمهوراً، كلينتون، وهي المعروفة بسجلها السيئ، سواء فيما يخص دعم إسرائيل أو الصمت على انتهاكات حقوق الإنسان ودعم الأنظمة السلطوية في منطقتنا. ولكن، يبدو من العبث من يخرج علينا مدافعاً عن جنون ترامب، لا لشيء سوى نكاية في خصومه السياسيين، بينما ندفع، نحن العادييْن، ثمن هذه الحماقة والجنون.