سان جوردي: الحب والكتاب في عيد واحد

24 ابريل 2016
(تصوير: سارة سيرانو)
+ الخط -

يسمّي الكتالونيون يوم 23 نيسان/ أبريل من كلّ سنة، بـ "عيد الحبّ والكِتاب"، ويحتفلون بهما معاً في هذا التاريخ، الذي يقترن بمناسبات أخرى؛ فهو يوم وفاة صاحب "دون كيخوته"، ويوم الكتاب العالمي وحقوق المؤلّف، وكذلك يوم وفاة القديس سان جوردي، حامي كتالونيا وشفيعها منذ القرن الخامس عشر، لذا يُسمّى اليومُ باسمه.

منذ الصباح الباكر، تنتشر بسطات الورود والكتب، في الزوايا والأزقة، فضلاً عن نواصي الشوارع الرئيسية والجانبية.

إنه تقليدٌ فريد، لم يجترحه سواهم في أوروبا. أهل كتالونيا (تعدادهم في إسبانيا نحو 8 مليون نسمة) لا يحتفلون بعيد "الفالنتاين" على جري العادة الأوروبية، بل يحتفلون بعيد الحب مرتبطاً بالكتاب في هذا اليوم، في جميع مدن وقرى الأقاليم، التي تتحدث اللغة الكتالانية في إسبانيا (كتالونيا، جزر البليار، بالنسيا، الجزء الشرقي من أراغون، ومنطقة إِلكارشي).

خلافاً لتقاليد معارض الكتب، يرفض أهل برشلونة، التي تعدّ عاصمة النشر في إسبانيا وأميركا اللاتينية، الأمكنة المغلقة، مهما اتّسعت، ويؤثرون أن يُقام معرضهم في الهواء الطلق، في أمكنة مفتوحة عموماً، متخذاً طابع المهرجان الشعبي الحميم، كأن سكان المدينة قد خرجوا جميعهم إلى الشوارع والحدائق والمتاحف، ولم يبق أحد منهم في البيوت.

منذ القرن التاسع عشر، جرى التقليد الاجتماعي بأن يُهدي الرجلُ المرأةَ وردةً حمراء في هذا اليوم، تعبيراً عن الحب والاحترام. أما في العقود الأخيرة، فتغيّرت العادة، بحيث صارت المرأة تهدي الرجل، مقابلَ الوردة، كتاباً.

ولأن الطقس مشمس ودافئ منذ الصباح، على غير الأيام السابقة المتذبذبة، فقد غصّت الشوارع الرئيسية في برشلونة بالزحام، مثل باسيج دي غراسيا والرمبلا و فِرَّان، وسواها.

بحرٌ من الرؤوس على مدّ النظر. أمواجٌ من الناس تتدفق من داخل المدينة وخارجها، عبر المترو والقطار، ليحتفلوا. ورغم أنّ سان جوردي ليس يوم عطلة رسمية، ناهيك عن الضائقة الاقتصادية التي تؤثر على الجميع، إلا أنّ بهاءَهُ لم يُخدش. بل إنه هذه السنة، أشدّ حيوية وزحاماً وتنوّعاً، من السنة الماضية ـ ربما لأنه تزامن مع عطلة نهاية الأسبوع.

في لقاء سريع مع "العربي الجديد"، لخّصت عمدة المدينة آدا كولاو، المشهد البارونامي بقولها: "إن البلدية معنية بجعل سان جوردي، العيد الأكثر بهجة، لجميع السكان". وهو كذلك حقاً، كما رأيناه على وجوه الناس، حيث من يخرج لغاية يجدها، سواء أكان مواطناً عادياً أم مثقفاً.

تباع الوردة الحمراء (تشبه وردتنا الجوريّة) في الصباح بـ 3 أو 4 يورو، وفي المساء ينخفض سعرها إلى يورو واحد. أما الكتب فتجري عليها تخفيضات متدرّجة، تبلغ أقصاها في ساعات المساء، وبعضُها، كما رأينا بالصدفة - روايات قيّمة ودواوين شعر لأَعلام - فيُعطى مجاناً.

ولأن هذا العيد بهذه الأهمية، فإنّ المعنيين به يتحضّرون له قبيل شهور. المعنيون بالأساس قطاعان: ناشري وموزّعي الكتب وما يصحبهم من نشاط إعلامي، وحفلات توقيع، وقراءات شعرية، وغير ذلك من أنشطة ثقافية وفنية متنوعة. إلى جانب تجّار وباعة الورود بشتى أشكالها وألوانها، حيث تتاح الفرصة للطلبة الفقراء وبعض المغتربين لكي يسترزقوا.

في غير مكان، رأينا شعراء يُلقون شعرهم، والروّاد يتجمهرون، ما أحدثَ أزمة مرورية للمشاة. لقد حققوا مشاعيّة الشعر، وحقْ الجميع في الإنصات إليه، ولو ليومٍ واحد في السنة. أما في ساحة كتالونيا التي تتوسط المدينة، فتُعقد ندوات ولقاءت التلفزيون مع "الكتّاب النجوم"، على الهواء مباشرة.

إذا قطعنا الإشارة الضوئية من ناحية مقهى زيورخ، ووصلنا "الرمبلا"، شارع المشاة الأشهر، سنجد مئات الأكشاك والخيَم على الجانبين، وكلّها مشغولة بكتبٍ من مختلف الأنواع والأحجام والاهتمامات، قديمة وحديثة - طُبعَ كثيرٌ منها خصيصاً للمعرض.

خطوات، وتصادفنا دور نشر يسارية صغيرة تعرض كتب غيفارا وغسان كنفاني وليلى خالد وغيرهم، وكذا طبعات قديمة لـ ماركيز وغاليانو، في بادرة وفاء واستذكار لأيقونات الزمن الجميل، ولمن اختارا برشلونة ملاذاً طيلة أعوام من عمرهما، هرباً من الدكتاتورية.

إلى ذلك، تُفتح المتاحف ودور الثقافة والفنون، مجاناً في هذا اليوم. وتنتشر فرق الرقص والموسيقى من أميركا اللاتينية وأفريقيا وآسيا تعرض ما عندها للجمهور، في مشهد كرنفالي، يكمن تفرّده في ارتباطه بالكتاب.

دلالات
المساهمون