سؤال ملغوم

28 يوليو 2014

مصنوعات مغربية أمازيغية (Getty)

+ الخط -

غضبت جمعيات أمازيغية في المغرب من المندوبية السامية للتخطيط المكلفة، العام الجاري، بإحصاء السكان، لأن صيغة الأسئلة، التي أعدتها مصالحها للإحصاء العام، المزمع تنظيمه في سبتمبر/أيلول المقبل، لن تطرح على المغاربة سؤالاً ملغوما وخطيراً: ما لغتك الأم؟ وإلى أي عرق تنتمي؟ وستكتفي الإدارة بطرح السؤال عن اللغات، التي يتحدث بها المغاربة، أو يقرؤون بها، أو يكتبونها اليوم، لمعرفة نسبة الأمية في المجتمع واللغات المستعملة في القراءة والكتابة، أي أن الإحصاء لن يرسم خارطة إثنية للشعب المغربي، ولن يقول لنا كم في المغرب من العرب؟ وكم فيه من الأمازيغ؟ وأين يوجد كل عرق؟ وما مستوى عيشه؟ وبالتالي، لن تعطي عملية الإحصاء للجمعيات الأمازيغية المتطرفة أدوات للاشتغال من أجل إيجاد صراع وهمي بين العرب والأمازيغ، في بلادٍ لم تعرف طوال تاريخها صراعاً من هذا النوع.
رد المسؤول الأول عن الإحصاء، أحمد الحليمي، على هذه الاتهامات بقوله إن مطلب تغيير السؤال في استمارة الإحصاء، ليصبح متعلّقا باللغة الأم، "أمر خطير"، لأن السؤال عن هذه اللغة لأي فردٍ يعني أن نقرّر في أصول الناس، ومعرفة الأمازيغي من غير الأمازيغي، "وهذا أمر لا أخلاقي، علمياً ومهنياً، وممنوع إطلاقاً في أخلاقيات الإحصاء، لأنه يتدخّل في إثنية الناس وأصولهم". وأضاف "مَنْ مِنَ المغاربة، اليوم، يمكنه أن يقول إن أصله أمازيغي صرف، أو عربي صرف؟  في المغرب، هناك من يعتبر نفسه عربياً، بينما أصله أمازيغي، وهناك من هو عربي الأصل، ولا يتحدّث حالياً إلا الأمازيغية، ولا يعرف أن أصله عربي. الأمر معقد جداً، ولا يجوز أن ندخل إلى هذه المتاهات".
ما قاله المسؤول المغربي هو عين العقل، ليس من أهداف الإحصاء، أي إحصاء، أن يرسم الخارطة الإثنية في أي بلد، فذلك مستحيل عملياً وعلمياً، بفعل تداخل الأعراق والإثنيات في المغرب، بالزواج والهجرة والاختلاط والثقافة والدين. وفي النهاية، العربي ليس انتماء عرقياً أو إثنياً، بل لغةً وثقافةً وحضارةً وفضاءً مشتركاً مع آخرين، والعروبة لا تلغي الطابع التعددي للهوية المركبة للشعوب والأمم الناطقة بلغة الضاد. ثانياً، عملية رسم خطوط تماس فوق الهوية المغربية خطيرة جداً، وقد تشعل نار الفرقة بين المغاربة الذين لم يتخلصوا، إلى الآن، من بقايا القبيلة والعشيرة والجماعة والفرقة الناجية، وهناك عدة دول وقوى أوروبية لعبت، وستلعب، على هذا الوتر الحساس، لإضعاف مناعة هذه البلاد، وتركها، دائماً، تمشي وفي حذائها حصى تؤلمها، وتدفع الذين يبحثون عن رأسمالٍ سياسيٍ، في زمن الإفلاس الأيديولوجي، إلى اللعب بالمسألة الأمازيغية، في اتجاه إخراجها من الطابع الحقوقي والثقافي، إلى طابع سياسي، وربما انفصالي، وحتى عنصري. ثالثاً، هل المغاربة، اليوم، عرباً وأمازيغ، مشغولون بالبحث عن أصولهم وفصولهم، وكم نسبة لديهم من سكان المغرب؟ أم مشغولون بالتعليم والشغل والسكن والصحة والديمقراطية وحقوق الإنسان والتنمية والثقافة وبناء مستقبل أفضل لأبنائهم فوق هذه الأرض؟
المغرب مثل طبق سلطةٍ، فائدته في تنوع مكوناته، واختلاف أصوله، وتعدد روافده، وليس في نمطيته وتشابه عناصره، والذين يريدون أن يحولوا هذا الاختلاف إلى خلاف، يلعبون بالنار. الهوية الصافية أسطورة، والعرق النقي عنصرية، والإنسان بفكره وعلمه وفنه وإدارته وعمله وابتكاره وحضارته، وليس بأصله وفصله، والثقافة هي، بالتعريف الأولي البسيط، انتقال الإنسان من الانتماء الطبيعي إلى العائلة والقبيلة والعشيرة والديانة والعرق إلى حالة (اصطناعية)، قوامها التعاقد مع آخرين على أسس غير مكتسبة (المصلحة، الطبقة، الأيديولوجيا، السياسة ...)
شهدنا، قبل أسابيع، كيف أن الجامعات الإسرائيلية مهتمة بالأمازيغية في المغرب، ودعت ناشطين أمازيغ مغاربة، إلى الحديث في مركز موشي دايان عن المسألة الامازيغية، في محاولة لتكرار التجربة الكردية في المغرب العربي. إنهم يلعبون اللعبة القديمة نفسها، التي لعبها ويلعبها الاستعمار الأوروبي، "فرّقْ تـَسُدْ، وقسِّم المقسَّمَ، وجزّئ المجزأ، واجعل الضعف منغرساً في نواة الشعوب والبلدان المستهدفة". الفرق اليوم، بين الأمس واليوم، أن الأساليب اختلفت، والذكاء تفاوت في استعمال ورقة الملل والنـِّحَل.

 

دلالات
A0A366A1-882C-4079-9BED-8224F52CAE91
توفيق بوعشرين

كاتب وصحفي مغربي، رئيس تحرير جريدة "أخبار اليوم" المغربية.