12 نوفمبر 2024
زيني بين الفشل والتفشيل
بدعمٍ من وزير الدفاع الأميركي المستقيل، جيمس ماتيس، وترشيحٍ من زميله وزير الخارجية المقال، ريكس تيلرسون، تم صيف العام 2017 تعيين الجنرال المتقاعد من قوات المارينز، أنتوني زيني، مبعوثاً أميركياً خاصاً، للتشاور مع الأطراف المعنية بالأزمة الخليجية، ودعم الوساطة الكويتية التي كانت قد بدأت منذ انفجرت هذه الأزمة في الخامس من يونيو/ حزيران 2017، إثر قطع الإمارات والسعودية والبحرين ومصر علاقاتها الدبلوماسية مع قطر، وفرض الحصار عليها.
في الأسبوع الماضي من الشهر الحالي، ومع بدء وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، جولته الشرق أوسطية الطويلة، أعلن الجنرال زيني استقالته من هذه المهمة التي استمرت 14 شهراً، وذلك ليس بسبب خلافاتٍ داخلية باتت معهودةً في عهد إدارة الرئيس دونالد ترامب، وانما لأن الجنرال أدرك عجزه عن حل الأزمة، جرّاء عدم موافقة الزعماء المعنيين على المقترحات التي قدمها هذا المبعوث، والذي سبق له أن قام بجهود وساطة فاشلة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، إبّان الانتفاضة الثانية.
أحسب أن هذه المقدمة كانت ضرورية لتذكير أغلب المشتغلين بالسياسة والصحافة بحقيقة أنه كانت هناك وساطة أميركية منسية لحل الأزمة الخليجية، وساطةٌ بدأت باهتة، وتواصلت بصمت وتكتم كأنها سرّية، الى الحد الذي سقطت فيه مهمة المبعوث الأميركي من التداول الإعلامي، وغابت عن المشهد، حيث لم يتم الإعلان عن تنقلاتٍ هذا المبعوث بين العواصم المعنية، باستثناء مرة يتيمة، أو يجري عقد مؤتمر صحافي للقول إن هناك سعياً قيد التحقق، أو إبلاغ الرأي العام عن نتائج الاتصالات الجارية، ثم انتهت كما بدأت حييّة متثاقلة، بلا لون أو طعم أو رائحة.
ولعل السؤال الذي يطرح نفسه بنفسه هو: هل فشل الجنرال زيني الذي سبق له أن تولى منصب قائد القيادة الأميركية الوسطى، وحقق في الميدان العسكري نجاحاتٍ بالجملة، أم تم إفشاله عمداً في حقل الدبلوماسية التي كثيراً ما يضيع في دهاليزها أعلى الجنرالات رتبةً وأشدهم عريكة؟ وإذا كان هناك من يرجّح أن الجنرال لم يفشل، وإنما تم إفشاله، فمن يقف وراء هذا الفشل المدوي، إن لم تكن الإدارة الأميركية التي أرسلت مبعوثها المتقدّم في السن إلى هذه المنطقة المضطربة، لحل أزمةٍ تبدو، قياساً إلى غيرها، من مشكلات الشرق الأوسط المعقدة أزمة سهلة؟
لا يحتاج المرء أن يكون عبقرياً كي يستنتج بسهولة أن الولايات المتحدة، بكل نفوذها الهائل، وشبكة علاقاتها الوثيقة مع دول المنطقة، كانت غير قادرةٍ على إيجاد مخرجٍ ملائم للأزمة الخليجية، إن لم نقل إن سياساتها المتخبطة قد أسهمت، من دون ريب، في تعقيد هذه الأزمة، أو أنها على أقل تقدير لم تبذل جهداً حقيقياً لجمع قادة الأطراف المعنية حول مائدة حوار شامل، وعدت بعقدها في كامب ديفيد، في مايو/ أيار الماضي، ثم أجلته إلى شهر سبتمبر/ أيلول، وبعد ذلك تخلت عن هذه القمة التي كان من المقدّر لها أن تحلحل العقدة المستعصية.
وأكثر من ذلك، هناك من يعتقدون، على نطاق واسع، أن الولايات المتحدة لم تكن راغبةً أصلاً في حل هذه الأزمة، ولم تبذل سوى الحد الأدنى من الجهود الدبلوماسية لمنع خروج الموقف عن السيطرة، فيما يعتقد آخرون أن واشنطن راحت تستثمر جيداً في الخلاف الأخوي، وتعمل على إطالة أمده، كون واشنطن الجهة المستفيدة من ازدياد حاجة الأطراف المعنية إلى كسب ود الدولة العظمى. وفوق ذلك كله، عقد مزيد من صفقات التسلح بمليارات الدولارات.
وعليه، من شبه المؤكد أن الجنرال أنتوني زيني لم يكن وحده المسؤول عن هذا الفشل، إلا بقدر تثاقله وتردّده، ناهيك عن افتقاره روح المبادرة الخلاقة، فيما يمكن رد الأسباب كلها إلى إدارة الرئيس ترامب، المستغرقة تماماً في همومها الذاتية واهتماماتها الداخلية، من دون أن يشغلها ذلك عن توظيف هذه الأزمة في خدمة مصالحها الكثيرة، بما فيها إبرام عقود تسليحية مجزية، ونهب الفوائض المالية العربية.
أحسب أن هذه المقدمة كانت ضرورية لتذكير أغلب المشتغلين بالسياسة والصحافة بحقيقة أنه كانت هناك وساطة أميركية منسية لحل الأزمة الخليجية، وساطةٌ بدأت باهتة، وتواصلت بصمت وتكتم كأنها سرّية، الى الحد الذي سقطت فيه مهمة المبعوث الأميركي من التداول الإعلامي، وغابت عن المشهد، حيث لم يتم الإعلان عن تنقلاتٍ هذا المبعوث بين العواصم المعنية، باستثناء مرة يتيمة، أو يجري عقد مؤتمر صحافي للقول إن هناك سعياً قيد التحقق، أو إبلاغ الرأي العام عن نتائج الاتصالات الجارية، ثم انتهت كما بدأت حييّة متثاقلة، بلا لون أو طعم أو رائحة.
ولعل السؤال الذي يطرح نفسه بنفسه هو: هل فشل الجنرال زيني الذي سبق له أن تولى منصب قائد القيادة الأميركية الوسطى، وحقق في الميدان العسكري نجاحاتٍ بالجملة، أم تم إفشاله عمداً في حقل الدبلوماسية التي كثيراً ما يضيع في دهاليزها أعلى الجنرالات رتبةً وأشدهم عريكة؟ وإذا كان هناك من يرجّح أن الجنرال لم يفشل، وإنما تم إفشاله، فمن يقف وراء هذا الفشل المدوي، إن لم تكن الإدارة الأميركية التي أرسلت مبعوثها المتقدّم في السن إلى هذه المنطقة المضطربة، لحل أزمةٍ تبدو، قياساً إلى غيرها، من مشكلات الشرق الأوسط المعقدة أزمة سهلة؟
لا يحتاج المرء أن يكون عبقرياً كي يستنتج بسهولة أن الولايات المتحدة، بكل نفوذها الهائل، وشبكة علاقاتها الوثيقة مع دول المنطقة، كانت غير قادرةٍ على إيجاد مخرجٍ ملائم للأزمة الخليجية، إن لم نقل إن سياساتها المتخبطة قد أسهمت، من دون ريب، في تعقيد هذه الأزمة، أو أنها على أقل تقدير لم تبذل جهداً حقيقياً لجمع قادة الأطراف المعنية حول مائدة حوار شامل، وعدت بعقدها في كامب ديفيد، في مايو/ أيار الماضي، ثم أجلته إلى شهر سبتمبر/ أيلول، وبعد ذلك تخلت عن هذه القمة التي كان من المقدّر لها أن تحلحل العقدة المستعصية.
وأكثر من ذلك، هناك من يعتقدون، على نطاق واسع، أن الولايات المتحدة لم تكن راغبةً أصلاً في حل هذه الأزمة، ولم تبذل سوى الحد الأدنى من الجهود الدبلوماسية لمنع خروج الموقف عن السيطرة، فيما يعتقد آخرون أن واشنطن راحت تستثمر جيداً في الخلاف الأخوي، وتعمل على إطالة أمده، كون واشنطن الجهة المستفيدة من ازدياد حاجة الأطراف المعنية إلى كسب ود الدولة العظمى. وفوق ذلك كله، عقد مزيد من صفقات التسلح بمليارات الدولارات.
وعليه، من شبه المؤكد أن الجنرال أنتوني زيني لم يكن وحده المسؤول عن هذا الفشل، إلا بقدر تثاقله وتردّده، ناهيك عن افتقاره روح المبادرة الخلاقة، فيما يمكن رد الأسباب كلها إلى إدارة الرئيس ترامب، المستغرقة تماماً في همومها الذاتية واهتماماتها الداخلية، من دون أن يشغلها ذلك عن توظيف هذه الأزمة في خدمة مصالحها الكثيرة، بما فيها إبرام عقود تسليحية مجزية، ونهب الفوائض المالية العربية.
مقالات أخرى
05 نوفمبر 2024
29 أكتوبر 2024
22 أكتوبر 2024