في الوقت الذي لا ينفك فيه رئيس حكومة الاحتلال، بنيامين نتنياهو، يلوّح بتحسين علاقات إسرائيل مع الدول المحيطة بها والبعيدة عنها، للتدليل على صحة سياسة الاستيطان المعتمدة على القوة العسكرية، جاءت زيارته، التي بدأها أمس الجمعة، إلى البرازيل، لحضور حفل تنصيب الرئيس الجديد، اليميني المتطرف جايير بولسونارو، والترحيب المعلن من الدولة المضيفة بالزيارة، لتؤكد أهمية الدور الذي توليه دولة الاحتلال لمثل هذه العلاقة من جهة، والفوائد التي تأمل البرازيل بتحقيقها، بالأساس من الولايات المتحدة تحت إدارة الرئيس دونالد ترامب بفعل رفع مستوى العلاقات مع إسرائيل، إلى حد وصفته صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، أمس، بتحالف نتنياهو – بولسونارو ، وبما يشير أيضاً إلى البعد الشخصي لهذه العلاقة، وعدم تكريسها على المستوى الشعبي بالضرورة.
ولعله من المفيد الإشارة إلى أن "هآرتس" ربطت بين تحسن العلاقات البرازيلية الإسرائيلية والتغيير السياسي في البرازيل، وانتقال الحكم فيها من اليسار التقليدي إلى حكم يميني مع تنصيب الرئيس المنتخب جايير بولسونارو، بعد هزيمة اليسار بفعل فضائح الفساد والرشى. وترى الصحيفة أن نتنياهو يعتبر التغيير في هوية الحكم في البرازيل فرصة نادرة لتعميق العلاقات مع دولة كانت تقليدياً مناصرة للقضية الفلسطينية، بل وأحياناً مناصرة لإيران. وفي سياق السعي للاستفادة من هذه الفرصة وتأمينها، يحمل نتنياهو معه عروضاً بمساعدات إسرائيلية للبرازيل في المجالات العلمية، ولكن أيضاً وبالأساس في مجال الأمن الداخلي وتثبيت استقرار النظام، مقابل ترجمة وعد الرئيس البرازيلي المنتخب بنقل سفارة بلاده إلى القدس المحتلة على أرض الواقع.
إلى ذلك، فإن مشاركة نتنياهو في مراسم تنصيب بولسونارو، تمنحه فرصة لعقد لقاءت إضافية مع زعماء من الدول اللاتينية، وفي مقدمتهم هندوراس وتشيلي، ناهيك عن لقاء مقرر مع وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، ورئيس الحكومة المجرية، فيكتور أوربان، الذي تربطه علاقات متينة مع نتنياهو، ترجمت إلى "تحسين" في مواقف المجر من قضايا النزاع الإسرائيلي الفلسطيني لجهة تجاوب أكبر مع المواقف الإسرائيلية، والامتناع عن التصويت ضد إسرائيل في الأمم المتحدة، وفي الاتحاد الأوروبي. وبالأخذ بالاعتبار الأيديولوجية اليمينية المتطرفة التي يحملها نتنياهو، وتساوقها مع صعود اليمين الشعبوي غير الليبرالي في أنحاء مختلفة من العالم، ومنها تلك التي يمثلها الرئيس البرازيلي المنتخب، فإن نتنياهو سيجد آذاناً صاغية في البرازيل، لكنه سيواجه، بحسب الصحيفة، تحفظات الجاليات اليهودية نفسها من سياسات بولسونارو في هذا السياق، وتخوفها من تداعيات سياساته الشعبوية، لدرجة أن نشطاء في الجالية اليهودية في البرازيل يخططون، بحسب الصحيفة، لحملة احتجاج ضد "الاحتضان الإسرائيلي" للرئيس الجديد، بما يعيد للأذهان المخاوف والقلق لدى الجاليات اليهودية المحافظة والإصلاحية من سياسات ترامب في الولايات المتحدة، ومخاوف اليهود في المجر من سياسات أوربان.
لكن هذا كله، وإن كان يدخل في سياق حسابات نتنياهو الداخلية، إلا أنه لا يطفو على جملة المصالح التي يأمل بتحقيقها مع التحالف مع البرازيل، خصوصاً في حال تم فعلاً نقل السفارة البرازيلية إلى القدس المحتلة، وهو قرار في حال الإعلان عنه خلال زيارة نتنياهو الحالية سيشكل نقاط تفوق إضافية لنتنياهو في المعركة الانتخابية، ودليلاً يسوقه لدعم سياساته والاستهزاء بطروحات اليسار في إسرائيل. ووفقاً للصحيفة، فإن التماهي في المواقف بين بولسونارو في البرازيل وأوربان في المجر في قضايا مواجهة اللاجئين واليسار، يعزز من العلاقة بين هذين الحليفين وتل أبيب. وتقول الصحيفة إن واشنطن وتل أبيب تعتقدان أن عهد بولسونارو سيفتح قنوات جديدة بين البرازيل والعالم، وخاصة آفاقاً اقتصادية جديدة، ويضعف الحلف التقليدي بين مجموعة دول "بريكس" (البرازيل وروسيا والصين والهند وجنوب أفريقيا)، إذ كانت البرازيل ضمن هذه المجموعة من الدول التي نشطت بالأساس ضد النظام العالمي بقيادة الولايات المتحدة وسعت إلى ضربه وهزه. وقد بدت بوادر التغيير في سياسة البرازيل الخارجية في هذا المضمار واضحة مع إعلان الرئيس الجديد التأييد الكبير لمواقف وسياسات ترامب.
إلى ذلك، يتضح من تقرير "هآرتس" أن بولسونارو وترامب يملكان قاسماً مشتركاً يعزز علاقاتهما بإسرائيل، يتمثل بقواعد مصوتين من المسيحيين الإنجيليين، الذين يملكون جماعات كبيرة متحمسة لإسرائيل، لأسباب دينية لاهوتية تؤيد المواقف السياسية لليمين الإسرائيلي في كل ما يتعلق بالموقف من القدس المحتلة والاحتلال. وترى الصحيفة أنه ليس من باب الصدفة إطلاق خطاب جديد في دول تعيش فيها جماعات دينية تابعة لهذا التيار، يدعو إلى الاعتراف بالقدس عاصمة لدولة الاحتلال. فإلى جانب البرازيل والولايات المتحدة، تشير الصحيفة إلى خطاب مماثل في كل من الفيليبين وغواتيمالا. لكن إلى جانب مسببات التحالف الدينية، أو اللاهوتية، لهذه الجماعات، فإن شبكة المصالح الإسرائيلية تقوم أيضاً على تزويد وبيع الخبرات والأسلحة والعتاد لأجهزة الأمن الداخلية لهذه الدول، خصوصاً البرازيل، مقابل نقل السفارة إلى القدس، وفي إطار تمكين الدولة من ترشيد حربها ضد الجريمة المتفشية في البرازيل. ونقلت الصحيفة عن نائب مدير قسم الدول اللاتينية في وزارة الخارجية الإسرائيلية، مودي أفرايم، قوله إن "من شأن التغيير في مواقف البرازيل أن يكون فرصة مهمة لإسرائيل أيضاً في المجال الاقتصادي، وفي المحافل الدولية".