زيارة البشير لدمشق: رسائل إقليمية وتحرك مدفوع بالأزمة الداخلية

18 ديسمبر 2018
تحمل زيارة البشير لسورية مغازلة لإيران وروسيا(أشرف الشاذلي/فرانس برس)
+ الخط -


زيارة مفاجئة للعاصمة السورية دمشق، تعد الأولى لرئيس عربي منذ اندلاع الثورة السورية في عام 2011، فجّر بها الرئيس السوداني، عمر البشير، جدلاً واسعاً فور الكشف عنها مساء أول من أمس، في ظل الكثير من علامات الاستفهام حول أهداف الزيارة وتوقيتها.

وقال دبلوماسي سوداني في القاهرة، لـ"العربي الجديد"، إن الزيارة ربما تأتي ضمن المحاولات التي يقوم بها البشير، للبحث عن مساعدات تنقذه من الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي تضرب البلاد، وسط تصاعد الغضب الشعبي جراء نقص السيولة في البنوك والارتفاع القياسي للدولار الأميركي أمام الجنيه السوداني، ونقص إمدادات الوقود. وكشفت مصادر سياسية مصرية أن البشير، منذ فترة ليست بالقصيرة، وهو يخاطب السعودية ودول الخليج لمد يد العون له، في ظل ما قدمته الخرطوم من تضامن للتحالف العربي في اليمن، عبر مشاركة القوات السودانية البرية في المعارك وما قدمته من تضحيات، إلا أن المساعدات الخليجية تراجعت أخيراً حتى وصلت إلى أدنى مستوى لها، بشكل وضع البشير وحزب المؤتمر الوطني الحاكم في مأزق كبير.

وأوضحت المصادر أن زيارة البشير لدمشق تحمل رسائل إقليمية شديدة الوضوح، جميعها في المقام الأول للحلفاء العرب، وبالتحديد في الخليج، بعد أن تم تجاهل مطالبه بمد يد العون وتقديم مساعدات سريعة لبلاده. كما تحمل مغازلة صريحة لكل من إيران وروسيا، حال لم يستجب الأشقاء العرب لنداءاته، بحسب تعبير المصادر. واستبعدت المصادر أن تكون الزيارة تأتي بترتيب مع الرياض للعب دور في الوساطة بين الجانبين. وقالت "هذا الأمر غير صحيح بالمرة، وقنوات الرياض الخلفية في هذا الشأن معلومة تماماً للجميع"، في إشارة إلى القاهرة التي ترتبط بعلاقات جيدة مع نظام بشار الأسد، مؤكدة أن "السعودية ليست بحاجة لإضافة قناة جديدة".
من جهة أخرى، ترجع مصادر مصرية زيارة البشير إلى أن "السعودية في الوقت الراهن تحاول غلق ملف اليمن، وتطوي صفحات عدد من الملفات، وبالتالي ينخفض حجم اعتمادها على الحليف السوداني، بشكل يجعلها تتخفف أيضاً من حجم المساعدات التي تحصل الخرطوم عليها". وقالت المصادر "هذا ما جعل الرسالة صارخة بشكل يجعلها تدق ناقوس الخطر في التحالف الخليجي المعادي لإيران، خصوصاً أن البشير تحرك بنظرية من لا يملك شيئاً ليخسره". واعتبرت أن "البشير أراد أن يضرب أكثر من عصفور بحجر واحد، فإما أن تلتفت إليه الرياض وأبوظبي سريعاً لإخراجه من عثرته، وإما أن تلتقط طهران الإشارة مجدداً وتحاول مساعدته. وفي أثناء ذلك، هو بالطبع يغازل روسيا، في ظل موقف أميركي صارم ضده حتى الآن".

يأتي هذا، فيما كشف مصدر دبلوماسي سوداني بارز، تحدث لـ"العربي الجديد"، أن البشير درس بالفعل عرضاً لزيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، إلى الخرطوم خلال الفترة المقبلة، قبل أن يتم الاستقرار على رفضها خشية خسارة الدعم الإسلامي له في الحكم. وقال المصدر "بالفعل كانت هناك مشاورات من أجل ذلك عبر وساطة عربية وأميركية"، مضيفاً أن الإعلان الإسرائيلي عن ذلك كان يحمل جزءا من الصحة، إلا أن الدوائر المحيطة بالرئيس عمر البشير نصحته برفض تلك الخطوة، حتى لا يخسر دوائر إسلامية داعمة له في الشارع الداخلي. وقال المصدر إن "حجم الأزمة الاقتصادية أكبر مما تتحمله الدوائر السودانية، ولو استمر الوضع على ما هو عليه ربما تنفجر الأوضاع في وجه البشير بشكل يصعب معه السيطرة عليها، لذلك هو يتحرك بكل قوة، ومن دون مراعاة لخطوط حمراء بعد اقتراب المساس بالخط الأحمر الأبرز، وهو مستقبله في الحكم".

يذكر أنه في الأسبوع الأخير من نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، ذكرت القناة الإسرائيلية الثانية أن تل أبيب تعمل على تسوية العلاقات الدبلوماسية مع السودان. وكشفت القناة عن وجود "طواقم خاصة من إسرائيل تعمل على تسوية العلاقات مع السودان، والتي تعتبر دولة عدو لإسرائيل". وكان نتنياهو قد لفت خلال اللقاء الذي جمعه برئيس تشاد، إدريس ديبي، إلى أنه ينوي القيام بزيارات إلى دول عربية أخرى لم يحددها، قبل أن يخرج مسؤولون سودانيون في الحزب الحاكم لينفوا أن تكون الخرطوم هي وجهة نتنياهو المقبلة. وتجدر الإشارة إلى أن البشير اعتبر، خلال زيارته إلى دمشق أول من أمس، أن "سورية دولة مواجهة وإضعافها هو إضعاف للقضايا العربية، وما حدث فيها خلال السنوات الماضية لا يمكن فصله عن هذا الواقع. وبالرغم من الحرب بقيت متمسكة بثوابت الأمة العربية". وأعرب البشير عن أمله "أن تستعيد سورية عافيتها ودورها في المنطقة في أسرع وقت ممكن، وأن يتمكن شعبها من تقرير مستقبل بلده بنفسه بعيداً عن أية تدخلات خارجية". وأكد "وقوف بلاده إلى جانب سورية وأمنها، وأنها على استعداد لتقديم ما يمكنها لدعم وحدة أراضي سورية". وكانت وكالة "سانا" التابعة إلى النظام السوري قد ذكرت أن الأسد استقبل في مطار دمشق الأحد رئيس جمهورية السودان عمر البشير.