مع ازدياد توسع تنظيم "الدولة الإسلامية"، (داعش) في سورية، وما يتقدمه من عناصر أجنبية تقاتل على الأراضي السورية، انتشرت ظاهرة زواج المقاتلين "المهاجرين" من نساء سوريات، في ظروف غير طبيعية وأسباب متعددة تدفعهم إلى الزواج، مما استتبع مشاكل عدة لهؤلاء النساء.
تتعدد الأسباب، التي تدفع العائلات لتزويج بناتهن من مقاتلين أجانب، إذ مع بداية انتشار عناصر "داعش" في مدينة منبج، شمالي محافظة حلب، توجه شاب تونسي مهاجر لزواج مريم قاسم (25 عاماً)، وهنا تبدأ القصة.
تتحدث مريم، لـ"العربي الجديد"، عن الظروف، التي رافقت الزواج، وتقول "أعجب والدي بفكرة الخلافة وآمن بها، وبمجرد تقدم هذا الشاب مني، قام بالضغط عليّ وتزويجي به، لكن لم ألبث معه سوى شهرين حتى انتقل إلى جبهة أخرى للقتال، وآخر خبر سمعته أنه في دير الزور". انتقلت مريم من منبج للعيش في مخيم كلس برفقة ذويها، ومنذ 6 أشهر لم تسمع أي خبر عن زوجها.
وتقول مريم "انقطعت الأخبار منه بشكل كامل، حتى تركنا المدينة أنا وأهلي. لا أشعر اليوم بأنني متزوجة، أو بأي التزام تجاه هذا الرجل، فلم ألبث معه سوى شهرين وأكاد أنسى حتى ملامح وجهه، ولا أعلم اليوم حتى حكمي الشرعي في انتظاره أو عدمه".
ويبدو أن مريم أفضل حالاً من عفراء، الفتاة التي ظنت أنها بزواجها من أبي المنتصر، سعودي الجنسية، ستنقذ أهلها من الفقر والعوز. وتقول عفراء لـ"العربي الجديد":"كان وضع عائلتي سيئاً جداً ونحن ستة أخوة ولا معيل، وعندما تقدم الرجل عرض مهراً كبيراً، وكان المهر يمكن أن يحسن من معيشة عائلتي، ولم أتردد بزواجه وسكنّا منزلاً قريباً من أهلي".
وتضيف عفراء: "بعد شهر واحد اتجه إلى الرقة مع مجموعته، وسمعت أنه تزوج من جديد هناك، حاول أبي التواصل معه خصوصاً بعد حملي، وذلك عن طريق المقاتلين الآتين من تلك المنطقة، حتى سمعنا خبر مقتله في إحدى الاشتباكات".
وتعيش عفراء اليوم مع طفلها الرضيع في ريف إدلب، لدى أقاربها، وتوضح: "أردت تسجيله ولا أعلم إلى اليوم إن كان اسم أبيه حقيقياً أم لا، إذ لم أر جواز سفره ولا مرة، وعقد الزواج قد تم في المنزل، وكتب بورقة وقلم، وأودع في المحكمة الشرعية للتنظيم، وشهد على الزواج بعض من عناصر التنظيم".
إغراءات مختلفة
يحاول عناصر التنظيم إغراء العائلات السورية بتزويج بناتهن وذلك بطرق مختلفة، منها الترغيب في المال أو السلطة، أو الترهيب والتهديد، أو إشاعة أنه واجب شرعي تجاه المجاهدين.
(س.م) ناشطة في مدينة الرقة تؤكد لـ"العربي الجديد"، أن "عناصر التنظيم في مدينة الرقة يقومون بدفع مهور عالية يغرون فيها الأهالي، أو يستميلون الأهل بمنصب معين". وتستذكر (س.م) حالة صديقتها، التي تمّ تعيين والدها كمحاسب في إحدى قطاعات الرقة، ثم طلب الأمير منه تزويجه ابنته.
من جهته، يشرح المهندس حسام مراد لـ"العربي الجديد" عن المضايقات، التي تعرّض لها وابنتاه من قبل عناصر التنظيم في الرقة، قبل الهرب إلى تركيا. ويقول: "عندما تخرج بناتي يضعن الحجاب، ويراعين طبيعة الشوارع في المدينة بعد سيطرة تنظيم الدولة، ولكن ما إن يدخلن إلى المنزل حتى يطرق الباب من خلفهن إما مهاجر يتقدم للخطبة، أو نساء من عناصر التنظيم يخطبن للرجال، حتى اضطررت إلى أن أكذب بأنهن متزوجات كي أبعدهم، ولكن مع ذلك اكتشفت إحدى هؤلاء النساء أن الفتيات غير متزوجات، فبدأت تأتينا تهديدات علنية فاضطررت إلى الفرار إلى تركيا".
ويلجأ عناصر التنظيم أحياناً إلى الضغط على الأهالي لتزويج بناتهن، مما يستتبع ضغطاً من الأهل على الفتاة وهو ما يؤدي في بعض الحالات إلى الهرب أو الرفض، أو ربما الانتحار، كما فعلت الطالبة الجامعية، فاطمة العبو، بتاريخ 5 فبراير/شباط 2014.
فقد أقدمت فاطمة، التي كانت تبلغ من العمر 22 عاماً، على الانتحار في ريف الرقة، بتناولها السمّ عندما حاول والدها إجبارها على الزواج من مهاجر تونسي ينتمي إلى تنظيم "الدولة الإسلامية". وبحسب ناشطين معارضين، فإن الطالبة فاطمة كانت تدرس في كلية الآداب قسم اللغة الإنجليزية، وتنتمي إلى عشيرة العجيل، وهي من سكان قرية السحلبية، التي تقع غربي الرقة.
العشائرية والزواج
وتتمتع أغلب المناطق، التي سيطر عليها "داعش" بطبيعة عشائرية حساسة، كالرقة ودير الزور وريف حلب الشمالي، مما يجعل موضوع الزواج ذا أهمية كبرى في معرفة نسب الشخص المتقدم، والقبول به، وسير مراسم الزواج وفق العادات والتقاليد، ولكن هناك بعض العشائر، التي تفتخر بتزويج بناتها لعناصر التنظيم، بل وتشعر بنوع من السلطة والهيبة، وغالباً ما يكونوا من المبايعين للتنظيم.
وتتحدث السيدة وداد، التي تسكن في الرقة، متهكمة: "لقد أصبحت زوجة الأمير المهاجر، ذات مكانة وأهمية، بل ويلجأن إليها نساء المدينة لقضاء حوائجهن، كأن يكون لإحداهن ابن في سجون داعش، فتتوسط زوجة المهاجر لإخراجه، أو أخرى تريد توظيف ولدها في إحدى مؤسسات التنظيم، وتزداد تلك المكانة بمرتبة الزوج ضمن التنظيم".
وتضيف أن "أغلب المهاجرين في الرقة أتوا مع نسائهم وأطفالهم، بينما الشباب هم من يتجهون إلى الزواج، وهناك عشرات الحالات فقط في المدينة ويتوقع أن تكون الحالات أكثر في الريف. وتكاثرت هذه الحالات بفعل ضغط الأهل المسبوق بضغط التنظيم، أو الترغيب عبر المهور والمناصب، لأن عدداً قليلاً جداً منهم تزوج بملء إرادته".
وعن آلية التقدم والخطبة في مناطق سيطرة التنظيم، يقول الناشط أبو إبراهيم من داخل الرقة، إن "طلب الزواج يتم عن طريق الدلالين، إذ يقوم بعض الأشخاص، ضعاف النفوس، إضافة إلى النساء، بالبحث عن نساء للزواج من مقاتلي داعش، طمعاً في المكافآت، وفي الآونة الأخيرة ونتيجة لحالات الرفض الكثيرة، التي تحدث من قبل الفتيات، طلبت كتيبة الخنساء التابعة للتنظيم من نساء الرقة الراغبات في الزواج من المقاتلين بارتداء حجاب أبيض، تحت النقاب الأسود الشفاف، ليتم التعرف عليهن بسهولة".
كما يؤكد أبو إبراهيم أنه "لا وجود لعقد زواج رسمي، وإنما يقتصر الأمر على الإيجاب والقبول، أمام شيخ من التنظيم وشهود كذلك، وتوضع الورقة في سجلات المحكمة الإسلامية".
الشرع مع من؟
استتبعت أغلبَ حالات الزواج من عناصر تنظيم الدولة أضرارٌ نفسية واجتماعية وجسدية عدة على المرأة السورية، منها "الهجر" بسبب التنقل بين جبهات القتال مع انقطاع المعلومات عن المقاتل، أو قتله، إضافة إلى حدوث حالات حمل وإنجاب دون تسجيل هؤلاء الأطفال، وبعضهن تعرضن للتعنيف الجسدي أثناء فترة إقامتهن مع الزوج، بحسب شهادات الناشطات في توثيق تلك الحالات،
لتبقى هؤلاء النسوة معلقات بين "الهجر"، الذي قد يستغرق فترات طويلة، أو وفاة الزوج من عناصر التنظيم دون تأكيد خبر وفاته، وحول هذه النقطة يوضح الداعية والمفكر الإسلامي، أيمن هاروش، لـ"العربي الجديد"، أن "الزواج ما دام مستكمل الأركان من قبول وإيجاب وولي وشاهدان فهو زواج صحيح".
وعن حالة "الهجر" وحق المرأة في فسخ العقد، يقول هاروش "إن كان معلوماً عنوانُ الزوج، يحق للزوجة طلب الفسخ ويُرسَل له كتاب، إما بالحضور لزوجته أو طلاقها مع تحمل التبعات، وإن كان مجهول الإقامة وحياته متيقنة، فتبقى زوجته ولا يجوز طلاقها منه، حتى تثبت وفاته أو طلاقها، وإن كان مجهول الحياة ففيه تفصيل كثير، ولعل الراجح بعد 4 سنوات من فقده ينتهي عقد زواجها منه".
ولا يتوانى عناصر التنظيم في استغلال الشرع لتحليل هذه الزيجات والتشجيع عليها، بل وتجيير حملات يقوم عليها بعض عناصر التنظيم من الرجال والنساء. ويقول الناشط الإعلامي في ريف دير الزور، عادل سرمين، لـ"العربي الجديد"، "غالباً ما تنتهي اجتماعات قادة التنظيم مع الأهالي بحضهم على تزويج بناتهم للمجاهدين، وذكر فضل هذا العمل، إضافة إلى التذكير بالموضوع نفسه بعد صلاة الجمعة".
كما تقوم بعض النساء، من أزواج المهاجرين واللواتي يتحولن إلى داعيات في أوساط النساء، إلى الحديث مع النساء عن فضل الزواج من المهاجرين، وتنظيم الحلقات لذلك والحديث مع النساء فرادى.
زواج قسري وتوثيق
وقد وثقت "الشبكة السورية لحقوق الإنسان" حالات زواج قسري من مقاتلي "داعش" في الرقة، وتؤكد المسؤولة عن قسم المعتقلين والمرأة في الشبكة، نور الخطيب، لـ "العربي الجديد"، أنه "بسبب استقرار محافظة الرقة عسكرياً لصالح التنظيم، وبتواصلنا السري مع أهالي المدينة والناشطين، استطعنا توثيق 18 حالة زواج قسري (دون موافقة الزوجة) من عناصر التنظيم، موثقة بالاسم والتاريخ والتفاصيل، وطبعاً الأعداد على الأرض أكثر بكثير، لكن هذا ما استطعنا الحصول عليه حتى الشهر الرابع من العام الحالي".
وعن باقي المدن، تضيف الخطيب أن "هناك العديد من الحالات في دير الزور ومنبج، شمال شرق حلب، لم نستطع توثيقها أو الوصول إليها بسبب نقص المعلومات، وصعوبة حركة الناشطين والإعلاميين، الذين يعتبرهم داعش هدفاً له، إضافة إلى سوء الأوضاع الأمنية نتيجة الاشتباكات بين كتائب الجيش الحر وعناصر التنظيم".
وتشير إلى "حالات معينة تمت بموافقة الأهل وإقناع الفتاة، وذلك بسبب الطمع في المال والسلطة، أو أن الأهل مؤيدون لشريعة داعش، أو أنهم مُجبرون على ذلك خوفاً من انتقام التنظيم فيما بعد، كما أن أغلب حالات الزواج كانت بين فتيات سوريات ومهاجرين منتمين إلى داعش من أصول عربية، سعودية، تونسية، مغربية. وتراوحت أعمار الفتيات من 17 إلى 25 عاماً. أما المقاتلون الأجانب فيفضلون إحضار زوجاتهم وأطفالهم معهم، أو الزواج من مقاتلة مهاجرة أجنبية".
كما استطاعت الشبكة توثيق حالتين لزواج القاصرات، إحداهما لفتاة بسنّ الـ14، تزوجت من مهاجر تونسي يكبرها بـ11 عاماً، إضافة لحالات تعدد الزوجات. وتؤكد الشبكة أن "الأعداد أكبر بكثير، لكن الرقابة المشددة من التنظيم تجعل عملهم شبه مستحيل، إضافة إلى عدم تصريح الأهالي بهذا الموضوع".
وتقول الخطيب: "لا يمكننا إحصاء الأعداد الفعلية على الأرض، نحن نوثق حالات تأتينا من مكتب جمع معلومات الانتهاكات ونتابعها من خلال الشبكة، والزيجات في تزايد بسبب زيادة عدد المهاجرين كل يوم، إضافة إلى ذلك توجد انتهاكات وثقناها بحق المرأة، إذ يقوم التنظيم بتقييد حركة المرأة ومنعها من العمل، وتوجد حالات ضرب في الأسواق الشعبية بسبب عدم التزام المرأة باللباس الشرعي".