زواج الفاتحة.. تمديد فترة تثبيته في المغرب

26 ديسمبر 2015
خلال حفل الزفاف (عبد الحق سنا/ فرانس برس)
+ الخط -
يبدو أن المغرب يساهم في زيادة نسبة زواج القاصرات، من خلال إقرار تمديد إثبات زواج الفاتحة خمس سنوات إضافية، الأمر الذي يؤدي إلى زيادة نسبة هذه الزيجات، وما يترتب عليها من مشاكل اجتماعية تؤثر غالباً على المرأة والأطفال

في المغرب، زواجٌ يطلق عليه "زواج الفاتحة". ببساطة، يقرأ الثنائي سورة الفاتحة التي تجمعهما تحت مظلّة الزواج. وينتشر هذا الزواج في المناطق النائية والجبال البعيدة في المغرب، وإن كانت تترتّب عليه نتائج سلبية أكثر مما هي إيجابية، أبرزها هدر حقوق الزوجة.

وكانت لجنة العدل والتشريع في مجلس النواب قد أصدرت تعديلاً يسمح بتمديد فترة إثبات عقد الزواج أمام القضاء إلى خمس سنوات إضافية. كذلك، أجازت تعديل المادة 16 من مدونة الأسرة، التي تسمح للقضاء بالبت في مثل هذه الدعاوى، وقد صوّت لصالح هذا التعديل 19 عضواً ينتمون إلى مختلف الأطياف السياسية المغربية. وتنص المادة 16 على أن "وثيقة الزواج تعد الوسيلة المقبولة لإثبات الزواج. وإذا حالت أسباب قاهرة دون توثيق العقد في وقته، تعتمد المحكمة على مختلف وسائل الإثبات الأخرى. وتأخذ بعين الاعتبار، وهي تنظر في الدعوى الزوجية، وجود أطفال أو حمل نتيجة العلاقة الزوجية، وفي ما إذا كانت هناك دعوى. وتعمل على الانتهاء من الدعوى خلال فترة انتقالية لا تتعدى العشر سنوات".

وتوضح منسقة مجموعة "نساء شابات من أجل الديمقراطية" بشرى الشتواني لـ "العربي الجديد"، أن هذا "الزواج غير الموثّق يحرم المرأة من حقوقها المادية والمعنوية. فقد ينكر الآباء أبناءهم في أي لحظة، ما يضطر الزوجة إلى اتباع طريق قضائي طويل". تضيف: "لا يوجد قانون صريح يجرّم زواج الفاتحة. فقط، حين يتخلى الزوج عن الزوجة، يوثق الزواج من خلال شهود أو صورة عائلية تثبت زواجهما". وتلجأ بعض العائلات إلى تزويج بناتهن بالفاتحة هرباً من القانون الذي لا يسمح للفتاة بالزواج قبل بلوغ الـ 18 عاماً، بهدف التخلص منهنّ تحت ذريعة الفقر".

من جهتها، كانت وزارة العدل والحريّات قد حدّدت شهر يناير/ كانون الثاني من العام الماضي، آخر موعد لتسجيل عقود إثبات الزوجية، بعد مضي عام تقريباً على نهاية المرحلة الانتقالية التي حددتها مدونة الأسرة لإثبات عقود "زواج الفاتحة". وتجدد الجدال في البرلمان على خلفية مناقشة لجنة العدل مقترح قانون يهدف إلى تمديد فترة إثبات الزواج خمس سنوات أخرى، ليصبح أمد حالة الاستثناء الذي حدده القانون لتوثيق زواج الفاتحة 15 عاماً منذ صدور مدونة الأسرة عام 2004.

واتّخذ الجدالُ طابعاً سياسياً بعدما رفض حزب التقدّم والاشتراكية القرار، واعترض الحزب الاشتراكي الموحّد عليه. وطالب الأول بفترة جديدة لتقديم تعديلات، فيما دعا الثاني إلى تعديلات موازية في المدونة. في المقابل، دافعت المعارضة عن تعديلات الحزب الاشتراكي محذرة من التلاعب بالزواج، وخصوصاً في ما يتعلق بتعدد الزوجات، وزيادة نسبة زواج القاصرات، مطالبة بأن يكون هناك شروط للتمديد.

وأثارَ هذا الأمر احتجاج مؤسسات المجتمع المدني، خصوصاً الجمعيات النسوية. في هذا السياق، تقول الناشطة النسوية خديجة الرياضي لـ "العربي الجديد" إن "القرار يساهم بتمديد وضع غير مقبول له انعكاسات سيئة، خصوصاً على النساء والأطفال في المناطق القروية". تضيف: "ثمّة تنصّل وتباطؤ من الدولة والمؤسسات التشريعية للقيام بما هو مطلوب للحد من هذا الزواج. لا تؤخذ الأمور بجدية لتعبئة الموارد وحشد الطاقات للتوجه إلى الأماكن النائية وزيادة التوعية، بمساعدة المجتمع المدني أيضاً. المشكلة ليست في العقليات فقط، بل في الإدارة أيضاً".

وتكشف مؤسسة "إيطو" لإيواء وإعادة تأهيل ضحايا العنف أن 91 في المائة من الزيجات غير موثّقة لدى الجهات الرسمية، وذلك تحت مسمى "زواج الفاتحة"، وأن 52 في المائة هي نسبة زواج القاصرات. وتشير مديرة مؤسسة العنف ضد النساء فاطمة المغناوي لـ "العربي الجديد"، إلى "تزايد هذه الظاهرة في المناطق النائية مثل الأطلس المتوسط. وقد وصل عدد زواج القاصرات إلى 37 ألفاً عام 2013". وتعزو ارتفاع هذه النسبة، على الرغم من جهود وزارة العدل على مستوى التوثيق وحملات التوعية، إلى "التمديد الذي تطرحه المؤسسات المشرعة بين فترة وأخرى. وعلى الرغم من أن مدونة الأسرة في بدايتها نصت على خمس سنوات لتوثيق الزواج، إلّا أن قرارات التمديد لم تتوقف عند حد معين".

وترى المغناوي في الأمر "تحايلاً على القانون وتعطيلاً للنصوص المذكورة في المدونة الخاصة بزواج القاصرات والاستثناء والسلطة التقديرية التي تعطى للقاضي لتزويج القاصر"، مشيرة إلى "مشكلة العنف حيال القاصرات اللواتي يتسربن من المدرسة. فالطفلة تتزوج وتلد وتطلق، ما يزيد من نسبة النساء المعنّفات، بسبب الخوف من الرجل والاكتئاب وغيرهما، وحرمانهن من استكمال حياتهن الطبيعية، عدا عن المشاكل الصحية التي يعاني منها البعض، من قبيل تمزقات في الرحم أو الوفاة أثناء الولادة".

لا تؤيّد المغناوي قرار البرلمان في التمديد، وتطالب الحكومة باحترام السن القانوني للزواج (18 عاماً) وضمان تعليم الفتيات، بالإضافة إلى ضمان حياة جيدة لهؤلاء الفتيات. تضيف: "نطالب كمجتمع مدني بوقف نزيف زواج الفاتحة، وسنترافع أمام الأحزاب التي أصدرت القرار للعدول عنه".

تجدر الإشارة بحسب المغناوي، إلى أن 60 في المائة من فتيات منطقتي زاكورة وتنغير في جنوب المغرب تزوجن زواج فاتحة، وهن قاصرات. هذه الدراسة شملت 278 امرأة في المنطقة، وأظهرت أن 79 في المائة من الزيجات كانت إجبارية. إلى ذلك، سجلت اللجنة القانونية عدداً من الخروقات، أهمها: إهمال الزوج لأسرته، وإنكار الأزواج لأبنائهم انتقاماً من زوجاتهم، وعدم تسجيل الأبناء في الحالة المدنية نظراً لغياب عقود الزواج، ورفض ملفات إثبات الزواج نظراً للتلاعب في الشهادة في أثناء جلسات البحث، وتعرّض هؤلاء النساء للعنف الجسدي، لتعيش النساء المطلّقات والأرامل منهن بواسطة الإعالة والتسول.

اقرأ أيضاً: جدليّة المساواة في الإرث
المساهمون