زهراء غندور لـ"العربي الجديد": أمثّل لكنني متمسّكة بمهنتي كإعلاميّة

27 مايو 2018
زهراء غندور في "الرحلة" لمحمد الدراجي (الملف الصحافي للفيلم)
+ الخط -
تؤدّي زهراء غندور في "الرحلة" (2017)، جديد العراقي محمد الدراجي، دور البطولة. هي قادمةٌ جديدة إلى عالم التمثيل. أداؤها مذهلٌ في دقته وإقناعه بتحوّلات شخصية سارة من مشروع "انتحارية"، تسعى إلى تفجير "محطّة بغداد للقطارات"، إلى فتاة تشرع، تدريجيًا، في مراجعة نفسها ومعتقداتها وماضيها، بتأثير ما يصادفها من أحداثٍ في يومها المصيري. 

متخصّصة بالإعلام، تحقِّق زهراء غندور (26 عامًا) برامج وثائقية في العراق ولبنان، تتناول مسائل متعلّقة باللاجئين والمرأة والأطفال، لحساب محطات تلفزيونية ومنظمات دولية. أثناء تصويرها أحد برامجها، التقت محمد الدراجي صدفةً: "سألني عن رغبتي في التمثيل. لم أكن مهتمّة بالأمر حقًّا، لكنه طلب مني قراءة الشخصية قبل اتّخاذ أي قرار". وجدَتْ الشابةُ الشخصيةَ مثيرة للاهتمام، وبات لديها فضول لاكتشافها أكثر. فالانتحاري "شخصٌ يخيفنا نحن العراقيين"، كما تقول لـ"العربي الجديد".
التحضير للدور تطلّب وقتًا طويلاً بالنسبة إليها، إذْ استمرّ 3 أعوام، ثم 3 أشهر قبل بدء التصوير، انعزلَتْ خلالها، بشكل كامل، عن أي شيء له علاقة بحياتها السابقة: "كلّ شيء يخصّ زهراء انتهى تمامًا. لم يعد هناك شيءٌ يثير ضحكي أو ابتساماتي. أمي الحنونة حزنت لحالي ولانقطاعي عن العالم". حين بدأ العمل بالفيلم، كانت قد أضحت "ناشفةً" عاطفيًا، بحسب تعبيرها. تُضيف: "لم أعد أتناول كلّ ما أحبّ من طعام. انقطعت عن كلّ ما يجعلني أستمتع به، حتى أصغر التفاصيل". وردًّا على سؤال حول لحظة اكتشافها هذا "الجفاف العاطفي"، وحول تفاصيل ما أحسَّت به، قالت: "لم أفكّر بهذا قبلاً. بعد شهرٍ ونصف الشهر على بدء عزلتي، أحسَستُ بهذا. وعندما حان وقت التصوير، كنت قد تحوّلت تمامًا. أكثر ما تملكني هو الإحساس بالغضب. أعتقد أن حرماني من أشياء عديدة أوصلني إلى هذه الحالة. ما ارتكبه الأميركيون جعلني أشعر بحقد إزاء من يعمل معهم، وهناك تبريرات مستمرّة لقتل الآخرين. لقد أمسيتُ سارة، ولم تعد لي علاقة مع زهراء".
ما ساعدها في الوصول إلى هذه النتيجة كامنٌ في أسلوب العمل: "كنّا نصوّر يوميًا. في البداية، صوّرنا المشهد رقم 25 (حمّام المحطة)، وفيه تخلع سارة حجابها وتتأمل نفسها في المرآة. لكني فضّلت التصوير بشكل تدريجي، وليس بحسب المشهد، كي يحدث تحوّلي شيئًا فشيئًا، وليس بشكلٍ مفاجىء. الأطفال المشاركون في الفيلم كانوا يخشونني، قبل أن تتغيّر ردود أفعالهم تجاهي".

زهراء غندور اللطيفة والمرحة انمحت. أخبرها المخرج أن عليها التخلص من لطفها الشديد وابتسامتها الدائمة. حصل هذا تدريجيًا، حتى تمكّنت من بلوغ المشاعر المطلوبة والمُقلقة، لا سيما مع دنوّ موعد العودة إلى حياتها السابقة على التصوير: "لم تكن العودة إلى شخصية زهراء ونفض سارة عنها سهلةٌ. مرّت أشهر لن ينساها أفراد عائلتي وأصدقائي. مررت بمرحلة اكتئاب حادّ، ولم أكن مستعدة للعودة إلى حياتي وشغلي. رافقني الحزن والاكتئاب. لم أبكِ في حياتي كما بكيتُ آنذاك، وأنا أحاول التخلص من شخصية سارة".
لكن، هل تجسّد هذا في عنف ما تجاه الآخرين؟ "لا. لم يُرافقني شعور العنف، بل الانفعال غير المبرّر وغير المألوف إزاء الآخرين. كنتُ محظوظة بعائلتي. أصدقاء لي رعوني وصبروا علي. لم أرغب حينها بالتحدّث مع أحد. غادرت بعد أشهر إلى بيروت، وساعدني أستاذ تمثيل وممثل للخروج من حالتي". كان الأمر شاقًّا إلى درجة جعلتها تقرّر الابتعاد كلّيًا عن التمثيل، لكن "جاءني سيناريو من سمير جمال الدين، وهو مخرج عراقي سويسري، عن شخصية مختلفة تمامًا: عراقية هاربة إلى لندن، أكبر منّي سنًّا، ما يعني أن لغة الجسد مغايرة، وأسلوب الكلام مختلف".


التمثيل لن يمنع زهراء غندور من متابعة عملها الإعلامي، المتمسّكة به: "لا أريد أن أكون كالممثلات اللواتي ينتظرن هاتفًا ما يدعوهنّ إلى العمل. لا أرغب في أن أكون الشخص المحتاج إلى العمل. لن أترك نفسي في موقف كهذا"، لا سيما أنها تعشق عملها الذي يتيح لها الالتقاء بأنواع النساء جميعهنّ، والاحتكاك بالناس في حياتهم اليومية. هذا ما يشحذ مخيّلتها: "إنهم أناس رأيتهم وعشتُ معهم وتأمّلت حركات أياديهم. لم أقرأ عنهم فقط. كنتُ معهم لسنوات، وهذا أفضل ما حصل لي". 
لا تزال زهراء غير مستوعبة فكرة كونها ممثلة. لا يزال الأمر غريبًا عليها، ويبدو هذا في أسلوب كلامها وسلوكها العفوي المحبّب. تقول عن أصداء دورها في العراق: "عارضَتْ عائلتي الفكرة، فالنظرة إلى المرأة الممثلة غير محترمة في العراق. لكن، لما عُرض الفيلم، كانت الآراء إيجابية جدًا، وحصل تحوّلٌ في النظرة. هناك ممثلون كبار في العراق أشادوا بالدور". أكثر ما تردّد من عبارات: "زهراء فاجأتنا".

تحب زهراء غندور الممثلتين هند رستم وهيام عباس، لكن كثيرات يخيّبن ظنّها بعد "تحوّلات الوجه". تتمنّى من صديقاتها الممثلات "الخروج من سيطرة الرجل والتقاليد البالية، فكثيرات يتركن العمل بسبب الزواج، ما يعني أنهنّ لسن ممثلات حقيقيات. كما أن بعضهن يعتذر عن أدوار بسبب الخشية من المجتمع والرجل". أما للسينمائيين العراقيين، مخرجين وممثلين، فتقول: "أتمنى أن ينظروا بعين الاحترام إلى الممثلة حتى تتوفر ممثلات عراقيات أكثر". لكن، كيف تظهر لها "نظرة عدم الاحترام" هذه؟ تجيب: "يعزلون عائلاتهم تمامًا عن العمل، وفي كلّ "عرضٍ أول" للفيلم، لا يتواجد أحد من العائلة. هذا كفيل بأن يكشف النظرة إلى الوسط".
المساهمون