15 نوفمبر 2024
زلزلة عروش الطوائف
خلال الأيام العشرة الماضية، احتل الوضع اللبناني المشهد الإعلامي العربي، وحتى العالمي، في حراكٍ ثوريٍّ ما كان أحد من اللبنانيين يتخيّل أنه من الممكن أن يحدث، في ظل الفرز الطائفي والمذهبي الذي يعيشه أهل البلد، والذي تعمّق بعد نهاية الحرب الأهلية. غير أن ما فعله مئات آلاف اللبنانيين خلال الأيام الماضية، واتحاد الكلمة ضد نظام الفساد والمحاصصات الطائفية، أظهر أنه لا يزال هناك شيءٌ يمكن التعويل عليه، وأن حالة التشتت الطائفي والمذهبي يمكن أن تندثر، ولو مرحلياً، لمصلحة المطالبة بعناوين عامة تمسّ اللبنانيين كافة، بمختلف انتماءاتهم السياسية والطائفية والمذهبية.
هذه الحالة الفريدة لبنانياً على الصعيد الشعبي أوجدت وضعاً أكثر فرادةً وغرابةً على المستويين، السياسي والطائفي، إذ التفّ الزعماء السياسيون لمواجهة هذا المد الشعبي، واتّحدوا للمرة الأولى، ربما، على شيء، وهو إجهاض الانتفاضة الشعبية بأي شكل، خصوصاً أن بقاء حالة الوحدة الشعبية وقتا طويلا يمكن أن يحوّلها قاعدةً تنسف عروش الطوائف التي قامت في لبنان بعد اتفاق الطائف، فالانتفاضة اليوم هزّت هذه العروش التي تقاتل لإعادة الوضع إلى ما كان عليه، حتى لو أدى ذلك إلى تقسيم اللبنانيين ووضعهم في مواجهة بعضهم بعضاً، وربما إشعال حرب أهلية مصغرة. هذا ما يتضح من حركة الشارع المضاد للثورة، والذي لا يزال أرباب الطوائف والأحزاب يمسكون جزءاً منه.
كلمة الأمين العام لحزب الله، حسن نصرالله، أول من أمس، كانت إشارة الانطلاق لمحاولات وأد التحركات الاحتجاجية بشكل نهائي، فنصرالله ظهر في الخطاب وكأنه الحاكم الفعلي في البلاد، وهو أمر صحيح، لكنه كان يحصل خلف الأبواب المغلقة، على عكس ما كان عليه الأمر في الكلمة المباشرة، إذ لم يسع نصرالله إلى المواربة، وأطلق لاءاتٍ ثلاثا في مواجهة مطالب اللبنانيين، قبل أن يخوّنهم ويشير إلى تورّط سفارات وأحزاب في دعم التحرّكات، وحتى التلميح إلى أن التظاهرات تخدم إسرائيل.
ومعلوم أن اتهامات كهذه تثير حساسيةً كثيرة لدى جمهور مؤيدي حزب الله، والذين كان كثيرون منهم مشاركاً في التظاهرات في أيامها الأولى، إضافة إلى بعض المنتمين للحزب، الأمر الذي لم يعجب الحزب بالتأكيد، وها هو أمينه العام يعمل على سحبهم من الساحات المتحدة حول المطالب الجامعة، ليعيد تحصين نفسه ضمن بيئته. الأمر الذي يمكن القول إنه نجح فيه إلى حد ما، وهو ما يمكن رؤيته من متابعة ناشطين كثيرين مؤيدين للحزب، والذين تبدلت طريقة تعاطيهم مع الاحتجاجات بشكل جذري.
وعلى خطى نصرالله، وتوجهه إلى الطائفة الشيعية، أعاد التيار العوني تجييش شارعه المسيحي ونزل به إلى الطرقات في مظاهرة تأييد تحاول إعادة الاعتبار لعهد ميشال عون وصهره جبران باسيل، والسعي إلى الإمساك مجدّداً بالشارع المسيحي، حتى لو أدى ذلك إلى صدام مع الشارع الآخر المنتفض على عون وصهره، الأمر الذي يمكن أن يسمح، في النهاية، إلى تدخل أمني قوي يسحب الجميع من الشارع، وهو عملياً ما تريده الطبقة السياسية والطائفية التي ترعبها هذه التحركات الشعبية.
هذه التحرّكات الشعبية العابرة للطوائف، ثورة كانت أم انتفاضة أم حراكاً، لا بد أن تكون نواة لحركة أكبر تهدف إلى إعادة بناء لبنان على أسس جديدة خارج الحسابات الطائفية والمذهبية والمحاصصات، خصوصاً بعدما أثبتت قدرتها على خلخلة العروش الطائفية في البلاد. وإذا كان من ضرورةٍ لمطالب واضحة، بحسب ما يريد ميشال عون ونصرالله، على الرغم من القيود التي وضعوها على أي مطالب، فليكن الذهاب إلى مؤتمر تأسيسي جديد للبلاد، يبحث في تدمير الهيكل الطائفي.
كلمة الأمين العام لحزب الله، حسن نصرالله، أول من أمس، كانت إشارة الانطلاق لمحاولات وأد التحركات الاحتجاجية بشكل نهائي، فنصرالله ظهر في الخطاب وكأنه الحاكم الفعلي في البلاد، وهو أمر صحيح، لكنه كان يحصل خلف الأبواب المغلقة، على عكس ما كان عليه الأمر في الكلمة المباشرة، إذ لم يسع نصرالله إلى المواربة، وأطلق لاءاتٍ ثلاثا في مواجهة مطالب اللبنانيين، قبل أن يخوّنهم ويشير إلى تورّط سفارات وأحزاب في دعم التحرّكات، وحتى التلميح إلى أن التظاهرات تخدم إسرائيل.
ومعلوم أن اتهامات كهذه تثير حساسيةً كثيرة لدى جمهور مؤيدي حزب الله، والذين كان كثيرون منهم مشاركاً في التظاهرات في أيامها الأولى، إضافة إلى بعض المنتمين للحزب، الأمر الذي لم يعجب الحزب بالتأكيد، وها هو أمينه العام يعمل على سحبهم من الساحات المتحدة حول المطالب الجامعة، ليعيد تحصين نفسه ضمن بيئته. الأمر الذي يمكن القول إنه نجح فيه إلى حد ما، وهو ما يمكن رؤيته من متابعة ناشطين كثيرين مؤيدين للحزب، والذين تبدلت طريقة تعاطيهم مع الاحتجاجات بشكل جذري.
وعلى خطى نصرالله، وتوجهه إلى الطائفة الشيعية، أعاد التيار العوني تجييش شارعه المسيحي ونزل به إلى الطرقات في مظاهرة تأييد تحاول إعادة الاعتبار لعهد ميشال عون وصهره جبران باسيل، والسعي إلى الإمساك مجدّداً بالشارع المسيحي، حتى لو أدى ذلك إلى صدام مع الشارع الآخر المنتفض على عون وصهره، الأمر الذي يمكن أن يسمح، في النهاية، إلى تدخل أمني قوي يسحب الجميع من الشارع، وهو عملياً ما تريده الطبقة السياسية والطائفية التي ترعبها هذه التحركات الشعبية.
هذه التحرّكات الشعبية العابرة للطوائف، ثورة كانت أم انتفاضة أم حراكاً، لا بد أن تكون نواة لحركة أكبر تهدف إلى إعادة بناء لبنان على أسس جديدة خارج الحسابات الطائفية والمذهبية والمحاصصات، خصوصاً بعدما أثبتت قدرتها على خلخلة العروش الطائفية في البلاد. وإذا كان من ضرورةٍ لمطالب واضحة، بحسب ما يريد ميشال عون ونصرالله، على الرغم من القيود التي وضعوها على أي مطالب، فليكن الذهاب إلى مؤتمر تأسيسي جديد للبلاد، يبحث في تدمير الهيكل الطائفي.