ما الذي يجمع بين مظاهرات 30 يونيو/ حزيران التي جرت بمصر في صيف 2013، والاستفتاء البريطاني الذي جرى يوم 23 يونيو/ حزيران الجاري وأدى لخروج البلاد من الاتحاد الأوروبي؟
قد يسارع البعض ويقول إن ما يربط بين الحدثين هو أنهما وقعا في شهر يونيو/ حزيران، أو أن الحدثين شارك في صنعهما وحسمهما قطاع كبير من أفراد المجتمع يقدر بالملايين، لكن في تقديري فإن هناك رابطاً جوهرياً وأهم يجمع بين الحدثين، ألا وهو الوعود البراقة والمبالغ فيها، والتي تلقاها شعبا البلدين قبيل المظاهرات والاستفتاء.
فالمصريون تم وعدهم بحياة رغدة خالية من المشاكل الاقتصادية والأعباء المعيشية والأزمات المالية، والبريطانيون تلقوا وعوداً بتوديع حياة التقشف الحادة التي طبقتها حكومة ديفيد كاميرون منذ سنوات.
قبل مظاهرات 30 يونيو في مصر كانت الرسالة واضحة "أزيحوا حكم الإخوان واعزلوا أول رئيس مدنيّ منتخب، وسترون مصر (قد الدنيا)، بل جنة اقتصادية جاذبة لاستثمارات العالم، وواحة سياسية وأمنية. أجهزوا على التجربة الديمقراطية الوليدة وستجدون أنهارا من البنزين والسولار والغاز بأسعار رخيصة. سنوفر لكم ملايين فرص العمل للشباب العاطل اليائس".
"خلال فترة قصيرة سترون مشروعات قومية كبرى تتحقق على أرض الواقع، سنبني لكم مليون وحدة سكنية بتكلفة 280 مليار جنيه، سنستصلح ونزرع 1.5 مليون فدان، سنبني ظهيرا صحراويا وشبكة طرق تغطي كل شبر من أرض البلاد".
سنطلق قناة سويس جديدة تدر مليارات الدولارات على خزانة الدولة وجيوبكم، سنعيد الاعتبار للعملة الوطنية وستشترون الدولار بأربعة جنيهات فقط لا بـ 11 جنيها، سيختفي الفساد والمحسوبية والبيروقراطية، ستتراجع أسعار السلع، ستتم زيادة الدعم المقدم للفقراء والمرأة المعيلة والمطلقة، سنزيد المرتبات والأجور والمكافآت والحوافز.
وبعد 3 سنوات استيقظ هؤلاء الثوار على حقيقة تقول إن ما وعدوا به سراب كبير، وإن الوضع الاقتصادي أسوأ من ذي قبل، وإن الأسعار تواصل ارتفاعاتها القياسية، والجنيه المصري يفقد 80% من قيمته مقابل الدولار، والديون تصل لمستويات تاريخية، والفساد يتفاقم وينتشر في كل القطاعات، وايرادات الأنشطة الاقتصادية الدولارية تتهاوي.
ما حدث في مصر تكرر في بريطانيا ولكن بشكل مختلف، فالذين قادوا حملة الخروج من الاتحاد الأوروبي وعدوا الناخبين بالشهد والعسل والرخاء الاقتصادي وزيادة معدلات النمو والحد من البطالة والتضخم، وعدوهم بزيادة المعاشات وخفض الضرائب.
لكن بعد أقل من أسبوع فقط فوجئ هؤلاء الناخبين بأن الوضع الاقتصادي بالبلاد يتجه للأسوأ، وأن عملتهم "الجنيه الإسترليني تنهار وتفقد نحو 15% من قيمتها في يوم واحد، وأن المستثمرين الأجانب يهربون تفاديا لخسائر متوقعة، وأن 20% من المؤسسات المالية والمصرفية خاصة العاملة في حي لندن المالي تقرر مغادرة البلاد، وأن وزير المالية، جورج أوزبورن، يعلن اليوم الثلاثاء أن بلاده ستضطر لتطبيق خطط للتقشف وخفض الإنفاق وزيادة الضرائب لمواجهة التحديات الاقتصادية الناجمة عن اقتراع البريطانيين بالخروج من الاتحاد الأوروبي.
بل وصدم الوزير الناخبين بقوله "لن يكون الوضع الاقتصادي ورديا مثلما كان داخل الاتحاد الأوروبي. أعتقد أن بوسعنا صياغة خطة واضحة. من الضروري أن تحقق بريطانيا استقرارا ماليا في أعقاب قرار الانسحاب الذي أدى لتهاوي الجنيه الـسترليني والأسواق".
لقد تعرض البريطانيون لصدمة عنيفة بسبب التطورات الخطيرة التي تعرض لها اقتصاد بلادهم عقب الإعلان عن نتائج استفتاء الخميس الماضي، وهي تشبه الصدمة التي تعرض لها قطاع كبير من المصريين طوال السنوات الثلاث الماضية.
لكن الفارق بين الناخب البريطاني والثائر المصري أن الأول استيقظ بسرعة على واقع اقتصادي مؤلم ينتظره، في الوقت الذي ينتظر فيه الثاني وعوداً جديدة بالرخاء، فربما تتحقق هذه المرة، وربما لا تتحقق للأبد.