نظر المواطن القطري جاسم إلى ساعته متحسرا، بعد ضياع موعد مقابلته مع إحدى شركات الدوحة الكبرى، التي لطالما حلم بالعمل فيها منذ أن أنهى دراسته في جامعة قطر، أمامه طابور طويل من السيارات، لم يكن في استطاعته، إلا أن يتصل بالشركة معتذرا عن عدم إمكانية الوصول إلى الموعد المهم، الأمر الذي حرمه تحقيق حلمه ولو مؤقتا.
ما يعانيه جاسم من الزحام يعاني منه أيضا المقيم أحمد علي، اضطر أحمد إلى ترك مسكنه المريح في الوكرة -شمالي الدوحة- منتقلا إلى مسكن آخر أغلى وأقل مساحة في العاصمة الدوحة، نظرا لعدم تمكنه خلال شهرين كاملين من الذهاب إلى دوامه في الموعد المحدد، يقول أحمد لـ"العربي الجديد": "الأفضل بالنسبة لي أن أدفع أكثر وأسكن إلى جانب عملي بدل التأخير المستمر الذي وتّر علاقاتي مع رؤسائي".
الأسباب
في قطر دائما ما كانت مشكلة الزحام المروري محل نقاش مستفيض، سواء في اجتماعات مجلس الشورى القطري، أو اجتماعات المجلس البلدي المركزي، اللذين ناقشا المشكلة بعد حديث الخبراء حول أسباب زحام الدوحة التي يأتي على رأسها زيادة عدد السكان الذين بلغ عددهم أكثر من مليوني نسمة، وتحوّل مدينة الدوحة إلى ورشة عمل متواصلة على مدار الساعة، لإنجاز مشاريع البنية التحتية المرتبطة بمونديال 2022، ورؤية قطر 2030، وغياب ثقافة النقل الجماعي في البلاد.
يضاف إلى الأسباب السابقة رصد وزارة الداخلية القطرية 138 نقطة اختناق مروري، تعد الأكثر ازدحاماً في الدوحة، عملت الوزارة على نشر دوريات المرور فيها لتسهيل حركة المركبات، إذ تشهد طرق المدينة يومياً تحرك 876 ألف سيارة و700 ألف سائق و1533 حافلة مدرسية و153 حافلة نقل عام.
حسب وزارة التخطيط القطرية، أضيفت 16244 مركبة على الطرق، ومنحت في الشهرين الأولين من العام الجاري، رخص قيادة لـ 16931 شخصا، غالبيتهم من غير القطريين.
السيارات الطائرة!!
الأزمة المرورية اليومية واكتظاظ شوارع الدوحة بالسيارات التي تسير في ساعات الذروة الصباحية والمسائية مثل السلحفاة، دفع صحيفة الراية القطرية المحلية، إلى نشر تحقيق صحافي منتصف العام الجاري، يقترح استخدام "السيارات الطائرة" كحل للأزمة المرورية في الدوحة، بعد إعلان عدد من الشركات العالمية عن جيل جديد من السيارات الطائرة، ستساهم في الحد من الاختناقات المرورية المزمنة التي فشلت معها كل الحلول التقليدية.
انقسم من استطلعت الراية آراءهم بين مؤيد ومعارض لاستيراد هذه السيارات، في حال توفرها بالسوق العالمي، اعتبر بعضهم الفكرة هزلية وصعبة التطبيق، وضربا من الخيال، وأنها ستزيد من ضحايا حوادث الطرق، فضلاً عن أن تنفيذها على أرض الواقع، سيستغرق عشرات السنين.
تشخيص الداخلية القطرية وأشغال
اعتبرت وزارة الداخلية القطرية وهيئة أشغال (تشرف على أعمال التخطيط والتصميم والبناء) في اجتماع مشترك مع مجلس الشورى أن زحام الشوارع يرجع إلى عدة عوامل من بينها، تزايد أعداد السكان وزيادة أعداد المركبات ووجود الدوارات التي تعد أبرز أسباب الزحام ووقت الدوام الموحد لجميع الإدارات الحكومية ووجود وزارات ومصالح حكومية في منطقة واحدة.
فيما أرجعت "أشغال" التي تقوم بتنفيذ نحو 300 مشروع للبنية التحتية، من بينها شوارع وجسور وأنفاق، أسباب الاختناقات إلى تأخير مشروعات تطوير الطرق بسبب زيادة أعداد السكان وزيادة أعداد المركبات، خاصة أنّ العامين 2007 و2008 شهدا تعثر الكثير من المشاريع بسبب غلاء الأسعار، مما أثر على المقاولين الذين لم يضعوا في حساباتهم تلافي الخسارة أو زيادة أسعار المواد الأساسية.
يضاف إلى الأسباب السابقة مشكلة تتمثل في اكتظاظ طريق الشمال وهو طريق رئيسي يصل الدوحة بالمناطق الشمالية، بالكثير من الشوارع والمولات التي حصل مالكوها على الموافقات على تلك المشروعات منذ سنوات، والكثير منها حصل على ترخيص منذ خمس سنوات وكان من الصعب تحويل بعض الشوارع إلى تجارية، إذ لا يمكن تحديد مواقف للسيارات فيها.
الحلول
أوصى مجلس الشورى لحل مشكلة الازدحام المروري بتوزيع الأنشطة التجارية داخل العاصمة وخارجها، وإنشاء مواقف متعددة الطوابق، وتوفير وسائل النقل العام وسيارات الأجرة، لتكون بديلاً للجمهور عن امتلاك سيارات خاصة، وإلزام الشركات الكبيرة باستخدام (باصات) النقل العام واستشارة جمعية المهندسين القطرية، للعمل على إعادة تصميم نقاط الدخول والخروج على الطرق الرئيسة.
من بين التوصيات إعادة النظر في التوزيع الجغرافي للمدارس، وتشجيع استخدام باصات النقل المدرسية للتخفيف من الزحام، وحظر منح رخص قيادة السيارات للعاملين في نحو 140 مهنة، تشمل عمال البناء والحدادة والزراعة والسباكة والصباغة والحلاقة والطهاة والكهربائيين والخياطين والباعة وغيرهم، إضافة إلى فنيي الديكور والتبريد والتكييف والكمبيوتر والسيراميك، ومعهم المؤذنون والمترجمون والطباعون للتخلص من المشكلة المزمنة.
وعود وزير المواصلات
يؤكد وزير المواصلات القطري جاسم سيف السليطي، أن المستقبل القريب سيشهد انفراجة كاملة في مشكلة الاختناق المروري وذلك بفضل المشاريع الرائدة في البنية التحتية للطرق وشبكات النقل والمواصلات التي تشهدها البلاد"، لكن الوزير اعتبر في تصريحات صحافية مطلع العام الجاري، أنه "لا توجد حلول سريعة من أجل حل مشكلة الزحام والاختناق المروري، ولكن هناك تخطيط ونظرة استشرافية يتم تنفيذهما الآن، وسنقطف ثمارهما بعد سنتين إلى ثلاث سنوات".
وأكد أن حلول مشاكل الاختناق المروري لن تكون مؤقتة، بل هي حلول جذرية ستؤدي إلى حل المشكلة من جذورها بما يحقق النفع للوطن والمواطن.
الحلول الجذرية
من ضمن الحلول الجذرية التي يتحدث الخبراء عنها لأزمة المرور، تخصيص حارات في الطرق تسير فيها باصات النقل العام، مما يسهل عملية تحركها ووصولها إلى المناطق بسرعة، إلا أن ما يحول دون نجاح هذا الحل، غياب ثقافة النقل العام في قطر، وتفضيل الأسر، استخدام السيارة الخاصة في التنقل.
انتبهت الجهات المعنية في قطر، إلى المشكلة السابقة حيث ستبدأ "الريل" سكة حديد قطر بعقد ندوات مفتوحة في الأحياء المعنية بالمشروع لإيضاح أهمية مرور "الريل" على هذه المناطق مع انطلاق أول القطارات بالإضافة إلى إشاعة ثقافة النقل العام، وأهمية استخدام النقل الجماعي من قبل المواطنين أو المقيمين والتركيز في حملات التوعية على المدارس لتهيئة جيل يعي أهمية ودور النقل الجماعي في المجتمع.
وبانتظار إنجاز مشروع مترو الأنفاق بحلول عام 2019، تبقى المشكلة كما يبدو قائمة خصوصاً أن الإحصاءات تشير إلى زيادة عدد السكان في قطر بنسبة 7.4 في المائة سنوياً في السنوات المقبلة، ليصل إلى 2.5 مليون نسمة بحلول عام 2016.