روسيا والسعودية.. مصالح وحذر

29 نوفمبر 2014

بوتين وسلمان بن عبد العزيز في أستراليا (15نوفمبر/2014/Getty)

+ الخط -

مع أن الاتحاد السوفيتي كان أول دولة اعترفت باستقلال السعودية، سنة 1926، إلا أن العلاقات الدبلوماسية انقطعت سنة 1938. وفي أعوام الثمانينيات من القرن الماضي، لم تكن هناك علاقات عملياً بين الدولتين. فبالنسبة للسعودية، كان الاتحاد السوفيتي رمزاً للإلحاد وعدواً لأميركا وحليفاً للقوى المناهضة للملكيات. وبالنسبة لموسكو، كانت المملكة السعودية مركزاً للمحافظة والرجعية في الشرق الأوسط.
وبعد انهيار الاتحاد السوفيتي، تم استئناف العلاقات الدبلوماسية بين موسكو والرياض، ولكن، لم تلاحظ خطوات لتمتين هذه العلاقات في تسعينيات القرن الماضي، ذلك أن روسيا كانت مشغولة بحل مشكلاتها الداخلية، ولم تكن تستطيع الاهتمام كثيراً بالسياسة الخارجية. وفي هذه الفترة بالذات، ظهر عامل أثر سلباً في العلاقة بين البلدين، وهو الحرب في الشيشان. فروسيا، حتى الآن، تتهم السعوديين بدعم الانفصاليين الشيشان، عبر صناديق خيرية إسلامية كثيرة. وبالتالي، يمكن الحديث، بجدية، عن العلاقات بين روسيا الاتحادية والمملكة العربية السعودية فقط بعد العام 2000. ففي هذه الفترة، عادت روسيا إلى الحلبة الدولية، بما في ذلك تفعيل سياستها في الشرق الأوسط، فراح الكرملين ينظر إلى العربية السعودية لاعباً إقليمياً مهماً وشريكاً اقتصادياً محتملاً.
ونمت مصلحة الرياض في العلاقة مع روسيا، أيضاً، وعلى وجه الخصوص بسبب البرنامج النووي الإيراني. فقد تبين أن موسكو تستطيع لعب دور في حل هذه المسألة، ذات العلاقة المباشرة بأمن المملكة. 
وبالنتيجة، بدأ كل من البلدين السير بخطوات حذره نحو الآخر. ففي سنة 2003، زار ولي العهد السعودي، الأمير عبدالله، موسكو. وفي 2007، زار فلاديمير بوتين السعودية. وعلى هذه الخلفية، بدأت التجارة بالنمو، وحصلت الشركات الروسية على عدد من العقود، بما في ذلك في مجال النفط والغاز، حتى إن البلدين ناقشا إمكانية تزويد المملكة بدفعة ضخمة من الدبابات والمروحيات ومنظومات الدفاع الجوي. وتشكّل انطباع بأن العربية السعودية تحاول فهم كيف يمكن استغلال موسكو لمصلحتها، وربطها بمصالح مع المملكة. فظهرت في المملكة مراكز أبحاث متخصصة بالشأن الروسي، ودرست علاقة الروس بالسعودية. ولكن، حال الربيع العربي دون تحقيق مزيد من التقارب. فبعد العام 2011، بدأت التناقضات تسم العلاقات بين موسكو والرياض. فها هما يتعاونان في بعض المسائل، منها مثلاً الاتفاق على دعم نظام عبد الفتاح السيسي في مصر، في حين يقفان على طرفي نقيض بخصوص مصير بشار الأسد.
وتلاحظ الازدواجية، أيضاً، في علاقة المجتمع الروسي بالمملكة العربية السعودية، فالأخيرة، من وجهة نظر الروس البسطاء، دولة معادية لروسيا. ذلك أنّ الروس يعلمون أن المملكة العربية السعودية، في ثمانينيات القرن الماضي، مولت (المجاهدين) الذين قاتلوا ضد القوات السوفيتية في أفغانستان، وقامت تلبية لطلب واشنطن بتخفيض أسعار النفط، الأمر الذي أدى إلى إضعاف الاقتصاد السوفيتي بشدة، وأعقبه انهيار الاتحاد السوفيتي. إلى ذلك، فالروس واثقون، اليوم، من أن السعودية عادت لتتفق مع الولايات المتحدة الأميركية على تخفيض أسعار النفط عقاباً لروسيا على عدم تراجعها عن موقفها في الملف السوري.

إضافة إلى ذلك، ففي أعوام التسعينيات، مولت المملكة العربية السعودية، بصورة مباشرة أو عبر صناديق خيرية، المقاتلين الانفصاليين في شمال القوقاز. وبسبب الدعم السعودي، استمرت الحرب سنوات طويلة، ولا تزال روسيا تعاني من بعض بؤرها. ولذلك، ينظر الروس إلى السعودية ممولاً للإسلاميين المتطرفين الناشطين في مناطق روسية مختلفة، كداغستان والشيشان ومناطق الفولغا.

إلى ذلك، فإن المملكة العربية السعودية، في عيون الروس، حليف مخلص للولايات المتحدة الأميركية، تخدم مصالحها في منطقة الشرق الأوسط، وتساهم في سياسات ردع روسيا. إضافة إلى ذلك، تعزز نظرة الشارع الروسي السلبية إلى السعودية محاولات المملكة إطاحة نظام بشار الأسد الصديق لروسيا. ويجدر التذكير، هنا، بأن صورة السعودي في أعين عامة الروس: إسلامي متطرف يعمل على نشر الوهابية في جميع أنحاء العالم.
ومن الملفت أن مجتمع الخبرة الروسي، ومع استثناءات قليلة، يتقاسم مع الشعب النظرة الشعبية السائدة في روسيا إلى السعودية. فالخبراء يُرجعون انتشار السلفية، واشتدادها في منطقة الفولغا وشمال القوقاز إلى دعم سعودي، يتلقاه أتباعها. فكثيراً ما يمكن أن تسمع رأياً يقول إن الرياض تستخدم العامل الإسلامي، لإضعاف روسيا وابتزازها. وإعلان السعودية أنها تستطيع المساعدة في مواجهة الإسلام المتطرف في روسيا الفيدرالية يفهم تهديداً مبطناً أن الرياض يمكن أن تفعّل المتطرفين، إذا لم تتراجع موسكو عن مواقفها، في سورية على سبيل المثال.
ومن هذا المنطلق، فإن تعاون روسيا مع إيران يفهم على أنه وسيلة ضغط على المملكة العربية السعودية، فثمة رأي يقول إن تقوية إيران يجعل السعودية تركّز اهتمامها على الوضع في منطقة الخليج، وتنصرف عن تمويل الإسلاميين المتطرفين، ودعمهم في روسيا الاتحادية. وانطلاقا من الموقف الروسي حيال إيران، فقد انتشر في أوساط الخبرة رأي يقول إن الرياض حاولت رشوة روسيا، من خلال وعدها موسكو بعقود سلاح ضخمة. بينما، في واقع الحال، تحاول السعودية كسب الوقت، وزرع بذور الشك في علاقة موسكو بطهران.
كما أن النظرة السلبية إلى السعودية، في أوساط الخبرة الروسية، تعززها السياسة الواقعية التي تنتهجها الرياض في الأزمة السورية. فخبراء كثيرون ينطلقون من أن موقف السعودية، غير البنّاء والمتمثل بدعم المسلحين، والضغط لمزيد من عزلة الأسد دوليا، يعيق التسوية السياسية في سورية. وعلى العموم، يمكن أن يدور الحديث عن مصلحة للرياض في إضعاف النفوذ الروسي في منطقة الشرق الأوسط.
إلى ذلك، فإن خبراء كثيرين يرون أن السعودية لم تفلح في لعب دور زعامة العالم العربي، وأنها تفتقر إلى الإمكانات المالية والعسكرية اللازمة لإعادة الاستقرار إلى بلدان الربيع العربي. وهكذا، تشكل إعادة البناء والاستقرار في هذه البلدان مجالاً لتعاون روسي سعودي ممكن. وهذا الأمر يخص مصر بالدرجة الأولى، فموسكو لا تمانع في الحصول على المال السعودي في مقابل تزويد مصر بالسلاح. ومن حيث المبدأ، تلاحظ مصلحة مشتركة في الوصول إلى حلول وسط في المسألة السورية، لأن موسكو ترى أن استمرار الحرب يحمل خطر انتشار الإسلاميين في العالم. كما ترى موسكو أن الرياض يمكن أن تؤثر على جيرانها في الخليج، وعلى الولايات المتحدة الأميركية، من أجل التوقف عن دعم المسلحين في سورية.
وقد أظهرت المحادثات التي جرت، الأسبوع الماضي، في موسكو، بين وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ونظيره السعودي، سعود الفيصل، استعداد الكرملين للحديث مع الرياض، وقد اتسم البيان الختامي بالإيجابية. وكان المراقبون قد توقعوا، عشية زيارة الفيصل موسكو، أن يلتقي مع الرئيس فلاديمير بوتين، إلا أن ذلك لم يحصل. فموسكو ما زالت تحافظ على مسافة من الرياض. وهكذا، يبقى تطور العلاقات بين موسكو وطهران، رهن خطوات سعودية.

78656286-01DB-42B0-AE7D-9550B1BEA173
نيقولاي سوركوف

أستاذ مساعد في قسم الاستشراق في معهد موسكو للعلاقات الدولية التابع لوزارة الخارجية الروسية. مختص في العلاقات الدولية في العالم العربي وتسوية الصراع العربي الإسرائيلي. يعمل حالياً نائب رئيس تحرير "روسيا ما وراء العناوين".