16 نوفمبر 2024
روسيا في مصر ولن تذهب إلى ليبيا
هل تذهب روسيا هذه المرة صوب ليبيا، كما يتردد في بعض المحافل، أم أن الأمر مجرد تسريبات مقصودة، تخدم روسيا التي تسعى إلى إرباك دوائر صنع القرار في الغرب، وتشتيت اهتمامها بقدر ما تخدم نظام عبد الفتاح السيسي الذي يلهث وراء أي خبر يغطي على فشله الداخلي، ويضمن إلهاء المصريين يوماً آخر؟
تشكّل ليبيا مكانة متقدّمة في استراتيجية الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وتأتي المكانة من تقديراته الخطر الذي تمثله ليبيا في حال السيطرة عليها من جماعاتٍ تنتمي لجماعة الإخوان المسلمين أو متعاطفة معها. ومن جهة ثانية، يشكّل النفط الليبي عاملا محرّكاً بالنسبة للسيسي الذي يعاني من أزمة اقتصادية خانقة، يدرك استحالة وجود حلول لها في الزمن المنظور، في ظل ظروف وعوامل داخلية وخارجية، يصعب تجاوزها في الوقت الراهن.
وبالنسبة لروسيا، تنطوي ليبيا على مزايا إستراتيجية، تتطابق مع أحلام صناع السياسة في تبديل المشهد الإستراتيجي العالمي، والتحكم بمفاتيحه وإطلالاته، ولا شك أن ذلك مشهد تأملي رائع من الصعب أن يقاوم إغراءه أي صانع قرار في العالم، لكنه يصلح للتامل ورفاهية الأحلام، أما تطبيقاته فتحتاج أكثر من حاملة طائرات، يعتمد قائدها على دعاء بطريرك موسكو أكثر من ثقته بتقنيات محرّكاتها التي تصدر دخاناً كثيفا يضعها في دائرة خطر شكاوى منظمات الدفاع عن البيئة.
لكن، أليست هذه روسيا نفسها التي قلبت كل التوقعات، ولم يمنعها ضعف إمكاناتها من تغيير
المعادلات الإستراتيجية في العالم، وتحقيق مكانة مميزة لها، وتحوّلها إلى طرف مقرّر وفاعل في النظام الدولي، من خلال تحكّمها بمفاتيح المشهد السوري، وتغيير معطياته بشكل انقلابي، وإعادة تشكيل المشهدين، الإقليمي والدولي؟ ثمّة اختلافات كبيرة في الظروف والوقائع والزمان الذي حقّقت فيه روسيا إنجازها السوري، كما لا تتيح ليبيا الفرص نفسها لروسيا، لاعتبارات كثيرة:
- لا تملك روسيا الإمكانات التي تسمح لها بخوض حربين كبيرتين في الوقت نفسه، فالحرب السورية لم تنته، كما أن الحرب السورية وضعت روسيا ضمن شبكةٍ معقدة من التحديات والمخاطر، صحيح أن تداعياتها وسلبياتها لا تظهر بشكل مباشر، لكنها تكبل روسيا وتجعلها مستنفرة ومستفزة بشكل دائم، بالإضافة إلى أن روسيا تحتاج زمناً طويلاً وجهودا وتكاليف، حتى تستطيع ترتيب الأمور في سورية، وإيجاد توازنات مناسبة لها، واعترافا دوليا بهذا الأمر، وبالتالي، لن تكون لها القدرة على التفكير بمكان آخر.
- ليس لدى روسيا إيران أخرى في ليبيا، ولن تكون مصر، بهشاشة وضعها، المعادل الموضوعي لإيران في سورية، إذ أن أكثر من نصف إنجاز روسيا تحقّق بفعل الجهد الإيراني الجبار، والذي وصل إلى حد استنزاف قدراتها وطاقاتها، عبر صرفها على آلة الحرب التشغيلية بعشرات آلاف جنودها، ناهيك عما قدّمه العراق من خدمات وتمويل لنظام الأسد، وهو ما سهل من مهمة روسيا كثيراً، وهي وضعيةٌ يصعب استنساخها أو تكرارها في ليبيا، أو في أي مكان آخر، ولن يستطيع السيسي، على الرغم من كل حماسه، أن يقدّم شيئا يغري روسيا للانخراط في الأزمة الليبية.
- ليبيا أرض شاسعة، تعادل عشر مرات مساحة سورية، كما أن أرضها مفتوحة على أفريقيا، من شمالها إلى جنوبها، حيث لا توجد مفاتيح لبواباتٍ يمكن إغلاقها بالضغط على دول الجوار، كما أن ثوارها لم يواجهوا قوىً إقليمية، بحجم إيران والعراق وحزب الله، ولم يتم استنزافهم بعد. وعلى الرغم من خلافاتهم، تسهل وحدتهم في مواجهة غزو خارجي، ولا يوجد في ليبيا تضاريس، مثل حميميم، تستطيع روسيا التحصن بداخلها، كما لا توجد بيئات مؤيدة لروسيا، باستثناء خليفة حفتر.
- اختلاف الزمن، حيث تواجه روسيا اليوم وعياً غربياً بأهدافها الحقيقية، ومخاطر تحرّكها
على أمن أوروبا، وطاقماً إدارياً في البيت الأبيض، يراقب أنفاس روسيا، بما يشكّل تعقيدات إستراتيجية أمام أي تحرك جديد لروسيا. وتعرف روسيا التي تحسب خطواتها حالياً بالمتر أن حلم استنزافها من خصومها الذي لم يتحقّق في سورية قد يكون تحقّقه في ليبيا أسهل بكثير. ولكن، لماذا هذه التسرييات في هذا الوقت، وما هو هدفها؟
هناك ثلاثة مداخل تفسيرية لهذا الأمر: أنه يدخل في إطار الحرب النفسية، لإظهار عظمة روسيا وقدرتها على الحركة والفعل وإرباك اللاعبين الآخرين، وتشتيتهم ودفعهم إلى التسليم بأدوارها في سورية وأوكرانيا، بديلاً عن تمدّدها في مناطق أخرى. رغبة نظام السيسي في تدعيم أوراقه في مواجهة الأميركيين والخليجيين في مناورةٍ، الهدف منها دفع التنافس على نظامه من اللاعبين الدوليين والإقليميين. التغطية على حقيقة الوجود الروسي في مصر، ومنحهم قواعد عسكرية دائمة، والمعلوم أن خروج الاتحاد السوفيتي من مصر شكّل جرحاً نرجسياً عميقاً، يتمنى بوتين محوه، وسينظر إلى استعادة القواعد الروسية في مصر نوعاً من رد الاعتبار، أو حتى الانتصار على أميركا.
وما يعزّز هذا التفسير حقيقة أن الوجود الروسي في مصر، بتقديرات الروس، أسهل بكثير من ليبيا، مع وجود نظام مستعد للقبول بالفتات، ومع انعدام احتمالية المقاومة، ومعادل إيران في سورية سيكون نظام السيسي المصري في مصر، ومصر مهمَة أكثر أيضاً لأن رمزية الوجود الروسي فيها يعني التهديد بالتحكّم بشرايين التجارة وطريق أوروبا إلى المحيطين الهندي والهادئ وآسيا الرأسمالية، أما نفط ليبيا فيكفي استمرار مد خليفة حفتر ببقايا أسلحة الاتحاد السوفيتي، لضمان السيطرة عليه، ومنح جزء منه لنظام السيسي.
تشكّل ليبيا مكانة متقدّمة في استراتيجية الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وتأتي المكانة من تقديراته الخطر الذي تمثله ليبيا في حال السيطرة عليها من جماعاتٍ تنتمي لجماعة الإخوان المسلمين أو متعاطفة معها. ومن جهة ثانية، يشكّل النفط الليبي عاملا محرّكاً بالنسبة للسيسي الذي يعاني من أزمة اقتصادية خانقة، يدرك استحالة وجود حلول لها في الزمن المنظور، في ظل ظروف وعوامل داخلية وخارجية، يصعب تجاوزها في الوقت الراهن.
وبالنسبة لروسيا، تنطوي ليبيا على مزايا إستراتيجية، تتطابق مع أحلام صناع السياسة في تبديل المشهد الإستراتيجي العالمي، والتحكم بمفاتيحه وإطلالاته، ولا شك أن ذلك مشهد تأملي رائع من الصعب أن يقاوم إغراءه أي صانع قرار في العالم، لكنه يصلح للتامل ورفاهية الأحلام، أما تطبيقاته فتحتاج أكثر من حاملة طائرات، يعتمد قائدها على دعاء بطريرك موسكو أكثر من ثقته بتقنيات محرّكاتها التي تصدر دخاناً كثيفا يضعها في دائرة خطر شكاوى منظمات الدفاع عن البيئة.
لكن، أليست هذه روسيا نفسها التي قلبت كل التوقعات، ولم يمنعها ضعف إمكاناتها من تغيير
- لا تملك روسيا الإمكانات التي تسمح لها بخوض حربين كبيرتين في الوقت نفسه، فالحرب السورية لم تنته، كما أن الحرب السورية وضعت روسيا ضمن شبكةٍ معقدة من التحديات والمخاطر، صحيح أن تداعياتها وسلبياتها لا تظهر بشكل مباشر، لكنها تكبل روسيا وتجعلها مستنفرة ومستفزة بشكل دائم، بالإضافة إلى أن روسيا تحتاج زمناً طويلاً وجهودا وتكاليف، حتى تستطيع ترتيب الأمور في سورية، وإيجاد توازنات مناسبة لها، واعترافا دوليا بهذا الأمر، وبالتالي، لن تكون لها القدرة على التفكير بمكان آخر.
- ليس لدى روسيا إيران أخرى في ليبيا، ولن تكون مصر، بهشاشة وضعها، المعادل الموضوعي لإيران في سورية، إذ أن أكثر من نصف إنجاز روسيا تحقّق بفعل الجهد الإيراني الجبار، والذي وصل إلى حد استنزاف قدراتها وطاقاتها، عبر صرفها على آلة الحرب التشغيلية بعشرات آلاف جنودها، ناهيك عما قدّمه العراق من خدمات وتمويل لنظام الأسد، وهو ما سهل من مهمة روسيا كثيراً، وهي وضعيةٌ يصعب استنساخها أو تكرارها في ليبيا، أو في أي مكان آخر، ولن يستطيع السيسي، على الرغم من كل حماسه، أن يقدّم شيئا يغري روسيا للانخراط في الأزمة الليبية.
- ليبيا أرض شاسعة، تعادل عشر مرات مساحة سورية، كما أن أرضها مفتوحة على أفريقيا، من شمالها إلى جنوبها، حيث لا توجد مفاتيح لبواباتٍ يمكن إغلاقها بالضغط على دول الجوار، كما أن ثوارها لم يواجهوا قوىً إقليمية، بحجم إيران والعراق وحزب الله، ولم يتم استنزافهم بعد. وعلى الرغم من خلافاتهم، تسهل وحدتهم في مواجهة غزو خارجي، ولا يوجد في ليبيا تضاريس، مثل حميميم، تستطيع روسيا التحصن بداخلها، كما لا توجد بيئات مؤيدة لروسيا، باستثناء خليفة حفتر.
- اختلاف الزمن، حيث تواجه روسيا اليوم وعياً غربياً بأهدافها الحقيقية، ومخاطر تحرّكها
هناك ثلاثة مداخل تفسيرية لهذا الأمر: أنه يدخل في إطار الحرب النفسية، لإظهار عظمة روسيا وقدرتها على الحركة والفعل وإرباك اللاعبين الآخرين، وتشتيتهم ودفعهم إلى التسليم بأدوارها في سورية وأوكرانيا، بديلاً عن تمدّدها في مناطق أخرى. رغبة نظام السيسي في تدعيم أوراقه في مواجهة الأميركيين والخليجيين في مناورةٍ، الهدف منها دفع التنافس على نظامه من اللاعبين الدوليين والإقليميين. التغطية على حقيقة الوجود الروسي في مصر، ومنحهم قواعد عسكرية دائمة، والمعلوم أن خروج الاتحاد السوفيتي من مصر شكّل جرحاً نرجسياً عميقاً، يتمنى بوتين محوه، وسينظر إلى استعادة القواعد الروسية في مصر نوعاً من رد الاعتبار، أو حتى الانتصار على أميركا.
وما يعزّز هذا التفسير حقيقة أن الوجود الروسي في مصر، بتقديرات الروس، أسهل بكثير من ليبيا، مع وجود نظام مستعد للقبول بالفتات، ومع انعدام احتمالية المقاومة، ومعادل إيران في سورية سيكون نظام السيسي المصري في مصر، ومصر مهمَة أكثر أيضاً لأن رمزية الوجود الروسي فيها يعني التهديد بالتحكّم بشرايين التجارة وطريق أوروبا إلى المحيطين الهندي والهادئ وآسيا الرأسمالية، أما نفط ليبيا فيكفي استمرار مد خليفة حفتر ببقايا أسلحة الاتحاد السوفيتي، لضمان السيطرة عليه، ومنح جزء منه لنظام السيسي.