روسيا تُسقط القرار 2401: "جحيم" الغوطة الشرقية مستمر

أحمد حمزة

avata
أحمد حمزة
27 فبراير 2018
14F07B6A-CCAD-41D9-969B-9B9787D4AE2C
+ الخط -
استكملت روسيا، أمس الإثنين، مساعيها لإسقاط القرار الأممي 2401 حول سورية، بإعلان هدنة مشروطة في الغوطة الشرقية لدمشق، وذلك بعدما عمدت إلى تفريغ هذا القرار الذي ينص على هدنة إنسانية في سورية، من أي جدوى له قبل السماح بتبنّيه في مجلس الأمن الدولي، ولم تكتف بذلك، بل أصرت على تفسيره بصيغته المخففة وغير الإلزامية على أنه يتيح مواصلة القصف الجوي والمدفعي على بلدات ومدن الغوطة، كونه يستثني من الهدنة المفترضة مناطق سيطرة تنظيمي "داعش" و"النصرة"، و"جميع الأفراد والكيانات الأخرى المرتبطة بها".

وخلال اليومين الماضيين، ومع ارتكاب النظام لمجازر جديدة في الغوطة، تطابقت تقريباً التصريحات الروسية والايرانية، التي تشرعن هذه المجازر، مع تجاهل كل الدعوات الدولية لوقف "جحيم" الغوطة. وجاء كلام وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، أمس الإثنين، في السياق نفسه، مع قوله إن هناك "جهات في الغوطة تتعاون مع النصرة"، مسمياً "أحرار الشام" و"جيش الإسلام".
وتزامن هذا التصعيد السياسي مع تواصل الغارات العنيفة والقصف المدفعي والصاروخي المكثف على مدن وبلدات الغوطة الشرقية، أمس الإثنين، ما أدى إلى مقتل أكثر من 25 مدنياً، ليرتفع بذلك عدد القتلى من المدنيين خلال يومين إلى أكثر من خمسة وخمسين.

وبرز أمس، إعلان وزير الدفاع الروسي، سيرغي شويغو، هدنة في الغوطة الشرقية لمدة خمس ساعات يومياً، بدءاً من اليوم الثلاثاء. وبحسب وسائل إعلام روسية، قال شويغو إن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أمر بتطبيق هدنة إنسانية في الغوطة الشرقية من الساعة التاسعة صباحاً إلى الثانية بعد الظهر، بدءاً من اليوم الثلاثاء، مضيفاً أنه سيتم فتح ممر إنساني في الغوطة حتى يتسنى للمدنيين المغادرة.

وجاء ذلك بعد تصريح لوزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف اعتبر فيه أن وقف إطلاق النار في سورية الذي ينص عليه القرار رقم 2401، لا "يشمل تنظيمات إرهابية مثل النصرة وشركائها أحرار الشام وجيش الإسلام". وقال لافروف خلال مؤتمر صحافي، إن "نظام وقف العمليات القتالية لا يخص بأي شكل من الأشكال تلك العمليات التي تقوم بها الحكومة السورية بدعم روسيا ضد كافة التنظيمات الإرهابية، أي (داعش) و(جبهة النصرة) ومن يتعاونون معهما". أضاف: "هناك أيضاً عدد من الجماعات، سواء في الغوطة الشرقية أو في إدلب، التي يقدمها شركاؤها ورعاتها الغربيون كأنها معتدلة، وبينها (أحرار الشام) و(جيش الإسلام)، تتعاون مع (جبهة النصرة) المدرجة على قائمة مجلس الأمن الدولي للتنظيمات الإرهابية"، معتبراً أن "هذا يجعل شركاء (جبهة النصرة) غير مشمولين بنظام وقف إطلاق النار، وهي تعتبر أهدافاً شرعية لعمليات القوات المسلحة السورية وكل من يدعمون الجيش السوري". وادعى لافروف أن "هناك حملة مستمرة لنشر معلومات استفزازية حول استخدام الأسلحة الكيميائية في سورية"، في إشارة إلى المعلومات حول استخدام الكلور في الغوطة الشرقية، الأحد، والتي وصفها بـ"تضليل إعلامي".

ويأتي زعم لافروف بوجود ارتباط بين "جبهة النصرة" من جهة، و"أحرار الشام" و"جيش الإسلام" من جهة أخرى، في وقتٍ تخوض فيه "أحرار الشام" (ضمن تحالفها الجديد مع حركة الزنكي)، صراعاً مسلحاً منذ أيام ضد "هيئة تحرير الشام" (النصرة)، شمال غرب سورية. وخاض "جيش الإسلام" صراعاً مشابهاً في السابق مع "النصرة" في الغوطة، كما أنه قاد حملة قبل سنوات، أنهت تواجد "داعش" في مناطق الغوطة الشرقية.

في السياق نفسه، اعتبر المتحدث باسم الكرملين، دميتري بيسكوف، أن الوضع في سورية يبعث على القلق الشديد، و"الإرهابيون يحتجزون السكان في الغوطة الشرقية كرهائن". وقال بيسكوف للصحافيين، أمس: "الوضع يثير قلقاً كبيراً. أنتم تعلمون أن الإرهابيين في الغوطة الشرقية لا يسلمون الأسلحة ويحتجزون السكان كرهائن، وهو ما يجعل الوضع متوتراً للغاية". وأضاف: "أحثكم على الاهتمام للتحذيرات التي أعربت عنها وزارة الدفاع بأن البيانات المتاحة تشير إلى إمكانية استخدام المواد الكيميائية من جانب الإرهابيين المختبئين في الغوطة الشرقية كنوع من الاستفزاز، لذلك الوضع يبقى متوتراً للغاية".

في المقابل، أبدى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون "مخاوف شديدة" حيال "استمرار الهجمات على المدنيين والمستشفيات في الغوطة الشرقية من قبل النظام السوري"، مؤكداً "الضرورة القصوى بأن يتم وقف الأعمال الحربية... بشكل فوري وتام"، عملاً بالقرار 2401. وفي اتصال هاتفي مع نظيره التركي رجب طيب أردوغان، أمس، شدد ماكرون على أن "الهدنة الإنسانية تشمل مجمل الأراضي السورية بما فيها عفرين، ويجب أن تطبق في كل مكان ومن قبل الجميع دونما إبطاء"، بحسب ما أوردت الرئاسة الفرنسية في بيان.

مقابل ذلك، كان الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس يقول، أمس، إنه "ليس بوسع الغوطة الشرقية الانتظار. حان الوقت لوقف هذا الجحيم على الأرض"، داعياً إلى توقف الأعمال العسكرية هناك فوراً، والسماح بدخول قوافل الإغاثة إلى المنطقة المحاصرة من قبل قوات النظام. وأضاف غوتيرس في كلمة له خلال افتتاح الدورة السابعة والثلاثين لمجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في جنيف، أن وكالات الإغاثة التابعة للأمم المتحدة مستعدة لتوصيل المساعدات الضرورية وإجلاء المصابين بجروح خطيرة من منطقة الغوطة الشرقية، التي تعيش فيها نحو تسعين ألف عائلة.

من جهته، ندد مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان، زيد رعد الحسين، بعدم التحرك حيال النزاعات في سورية وجمهورية الكونغو الديمقراطية وبوروندي واليمن وبورما متحدثاً عن "مسالخ للبشر". واتهم أمام مجلس حقوق الإنسان، الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن بأنها "مسؤولة" عن استمرار هذا القدر من المعاناة.
كما اعتبر وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، أمام جلسة مجلس حقوق الإنسان، أنّ "ما يتعرّض له الشعب السوري في الغوطة الشرقية بريف دمشق، هو وصمة عار على الإنسانية، ويكشف لامبالاة النظام بالقانون الدولي".


ولا يبدو أن تصريحات الأمين العام للأمم المتحدة، ومسؤولين دوليين آخرين، قادرة على وقف المجازر والمآسي الإنسانية في الغوطة، إذ تواصلت الغارات والقصف على المنطقة، أمس. وقال الناشط الميداني عمر خطيب لـ"العربي الجديد"، إن قوات النظام واصلت القصف على مدينة دوما، منذ صباح أمس الإثنين، براجمات الصواريخ، ما أسفر عن مقتل ستة مدنيين على الأقل وإصابة آخرين بجروح متفاوتة، مضيفاً أن طائرات النظام الحربية قصفت منطقة في بلدة الريحان القريبة من دوما، ما أدى إلى مقتل خمسة مدنيين على الأقل وإصابة آخرين.

وكان الطيران الحربي التابع للنظام قد استهدف منطقة سكنية في مدينة دوما بقنابل النابالم الحارقة والقنابل الفراغية منتصف ليل الأحد - الاثنين، ما أسفر، وفق ما صرح به الناشط حازم الشامي لـ"العربي الجديد"، عن مقتل عشرة مدنيين من عائلة واحدة، كما أسفر القصف عن وقوع جرحى. وقال الشامي إن العديد من الغارات الجوية الروسية إضافة لأكثر من 100 صاروخ استهدفت بلدة حزة ومدن زملكا وعين ترما ودوما.

ويأتي استمرار القصف وتواصل الغارات الكثيفة على الغوطة، أمس الإثنين، والذي شهد محاولات تقدمٍ برية جديدة لقوات النظام، بعد يوم الأحد، الذي فشلت فيه الأخيرة في إحراز تقدّمٍ بري داخل الغوطة الشرقية، على الرغم من شنها هجماتٍ متزامنة على أكثر من ثلاث جبهات مختلفة، كانت تهدف منها، وفق خريطة السيطرة على الأرض، لشق طريق يقطع أوصال الغوطة، ويفصل مدينة دوما، شمال الغوطة، عن حرستا خصوصاً، وعن بلدات وقرى جنوب وشمال الغوطة الشرقية. لكن هجوم قوات النظام برياً، والذي جاء بعد أسبوعٍ من حملة قصفٍ عنيف قتلت مئات المدنيين، فشل في إحراز أي تقدم، في الوقت الذي أعلن فيه "جيش الإسلام" صدّ كل محاولات التقدم، وتكبيد المجموعات المهاجمة خسائر كبيرة، وصلت بحسب المتحدث باسمه حمزة بيرقدار، إلى أكثر من سبعين قتيلاً من عناصر قوات النظام.

وبدا لافتاً أن قوات النظام ركزت أخيراً من قصفها على المحور الشرقي من الغوطة الشرقية المحاصرة في ريف دمشق، والذي يضم بلدات الشيفونية والريحان وموقع "الفوج 274" وينتهي ببلدة النشابية، جنوب شرق الغوطة، تقابلها نقاط انطلاق النظام في تل كردي وتل الصوان وحوش نصري وحوش شلق والعبادة.
وكانت بلدة الشيفونية قد تعرضت ليل الأحد - الاثنين، لغارات وقصف مدفعي عنيف، وأفاد ناشطون بأن إحدى القذائف التي أطلقتها قوات النظام كانت محملة بغازات سامة، ما أدى لمقتل طفلٍ وإصابة 18 شخصاً بحالات إغماء واختناق. وقال رئيس الهيئة العليا للمفاوضات السورية نصر الحريري: "استخدام غاز الكلور السام من قبل النظام السوري في بلدة الشيفونية في الغوطة الشرقية تصعيد خطير وتحد لمبادئ القانون الدولي الإنساني والشرعية الدولية". ونشر ناشطون في الغوطة الشرقية، على شبكة الإنترنت، صوراً ومشاهد توضح تلقي عدد من المصابين في هذا الهجوم للعلاج، وقد بدت عليهم آثار استنشاقهم لغازات سامة.

ومنذ صدور القرار 2401، يشهد المحور الشرقي من الغوطة معارك عنيفة بين "جيش الإسلام" وقوات النظام التي تحاول التقدم مدعومة بمليشيات إيرانية والطيران الحربي، وفشلت كل محاولات التقدم في ذلك المحور. وتقع الشيفونية وسط المحور الممتد بين بلدة الريحان وبلدة حوش الضواهرة وصولاً إلى النشابية، وتحاول قوات النظام اقتحام الشيفونية بهدف فصل المحور الشرقي للغوطة إلى قسمين شمالي وجنوبي، وبالتالي البدء بتقطيع أوصال الغوطة وقطع طرق الإمداد بين الجبهات. وتبعد البلدة قرابة خمسة كيلومترات إلى الشرق من مدينة دوما وتعتبر خط الدفاع الأول عن المدينة.

وأكد الناشط الميداني عمر خطيب في حديث لـ"العربي الجديد"، أن فشل النظام في اقتحام محور الشيفونية دفعه إلى قصف البلدة بغاز الكلور السام بهدف بث الرعب بين المدنيين ومقاتلي فصائل المعارضة، وهو ما قام به من قبل في المحور الغربي للغوطة القريب من الطريق الدولي. وأوضح أن بلدة الشيفونية في الوقت الحالي لا تحوي أكثر من 600 مدني، وهي منطقة ذات طبيعة زراعية مسطحة، ومنازلها متباعدة بين البساتين والمزارع والحقول، وتعتبر أسهل نظرياً على النظام في عملية الاقتحام من بقية محاور الغوطة التي تتركز في المدن ذات الكثافة في الأبنية.

وتعتبر المنطقة أيضاً من آخر المناطق الزراعية التي تسيطر عليها المعارضة في الغوطة ويُستفاد منها في تأمين بعض الغذاء للمحاصرين من المدنيين، والرعي للحيوانات التي يستفيد منها المحاصرون. وبلدة النشابية هي بلدة صغيرة قياسا بدوما أو حرستا اللتين تعتبران المعقلين الأكبرين للمعارضة، وكانت تتبع إدارياً قبل انطلاق الثورة السورية لمدينة دوما وكانت تضم قرابة ثلاثة آلاف مدني فقط.
ويرجع سبب فشل النظام في اقتحام جبهة الشيفونية إلى تحصينها بشكل جيد من قبل المعارضة ممثلة بـ"جيش الإسلام" عن طريق رفع السواتر الترابية وحفر الخنادق ونصب الكمائن داخلها، والتي كبدت النظام خسائر بالعتاد والأرواح.

ذات صلة

الصورة
من مجلس العزاء بالشهيد يحيى السنوار في إدلب (العربي الجديد)

سياسة

أقيم في بلدة أطمة بريف إدلب الشمالي وفي مدينة إدلب، شمال غربي سورية، مجلسا عزاء لرئيس حركة حماس يحيى السنوار الذي استشهد الأربعاء الماضي.
الصورة
آثار قصف روسي على إدلب، 23 أغسطس 2023 (Getty)

سياسة

شنت الطائرات الحربية الروسية، بعد عصر اليوم الأربعاء، غارات جديدة على مناطق متفرقة من محافظة إدلب شمال غربيّ سورية، ما أوقع قتلى وجرحى بين المدنيين.
الصورة
غارات روسية على ريف إدلب شمال غرب سورية (منصة إكس)

سياسة

 قُتل مدني وأصيب 8 آخرون مساء اليوم الثلاثاء جراء قصف مدفعي من مناطق سيطرة قوات النظام السوري استهدف مدينة الأتارب الواقعة تحت سيطرة فصائل المعارضة
الصورة
قبور الموتى للبيع في سورية / 6 فبراير 2024 (Getty)

اقتصاد

تزداد أعباء معيشة السوريين بواقع ارتفاع الأسعار الذي زاد عن 30% خلال الشهر الأخير، حتى أن بعض السوريين لجأوا لبيع قبور ذويهم المتوارثة ليدفنوا فيها.