روسيا تفتح بوابتها نحو يورانيوم منغوليا

19 سبتمبر 2014
روسيا البوتينية تعلَمت إدارة مصالحها ببراغماتية (الأناضول)
+ الخط -
لا يُعدّ اليورانيوم الناظم الوحيد لعلاقات روسيا مع منغوليا؛ فالأخيرة التي كانت دائماً بمثابة جمهورية سوفييتية "احتياطية"، وعمّدت حلفها مع موسكو بالدم، تجد اليوم في قوّة جارتها ضماناً لاستقلالها وسيادتها، خصوصاً أنها تذكر جيداً حقبة تبعيتها للصين، مما يجعل فكّ العلاقة بين الطرفين صعباً جداً، إذا عرفت موسكو كيف تدير هذه الورقة. ويبدو أن روسيا "البوتينية" تعلّمت جدياً كيف تدير مصالحها وتحالفاتها ببراغماتية، على الطريقة الأميركية.

"كلما أغلق الغرب باباً، فتحت موسكو باباً آخر، ولن يكون اليورانيوم المُستخدم كورقة ضغط على موسكو آخر الأبواب، بعد إعلان استراليا وقفها بيع اليورانيوم إلى روسيا نتيجة العدوان الروسي على أوكرانيا"، وفق ما أعلنته قناة "آي بي سي".

ونقلت وكالة "رويترز"، عن رئيس الحكومة الاسترالي طوني أبوت، قوله إنه "إلى حين صدور تعليمات أخرى، لن نبيع اليورانيوم لدولة تنتهك بوضوح مبادئ القانون الدولي". علماً بأن عقد توريد اليورانيوم إلى روسيا، الذي تم توقيعه بين موسكو وكانبرا، عام 2007، لم يُفعّل إلا مرة واحدة، وذلك في عام 2012، حين تلقّت روسيا الدفعة الوحيدة من اليورانيوم الاسترالي.

وعلى النقيض مما يبدو، فإن القرار الاسترالي، ليس موجعاً لروسيا، بل هو مفيد من ناحية تفعيل الخيارات البديلة، والبحث عن شركاء آخرين موثوقين.

وفي السياق، يذكّر الخبراء، بأن اليورانيوم لا يختلف في مواصفاته النوعية بين مكان وآخر، ويرون أن منغوليا، يمكن أن تعوّض عن استراليا في تزويد روسيا باليورانيوم، مفترضين أن تكون زيارة العمل، التي قام بها الرئيس فلاديمير بوتين إلى العاصمة المنغولية أولان باتور أخيراً، قد شملت هذه المسألة، على الرغم من إغفال ذلك في التقارير الإخبارية الرسمية.

ويستند الخبراء إلى كون شركة "دورنود يورانيوم"، الروسية ـ المنغولية للتنقيب عن اليورانيوم، واستخراجه ومعالجته في مواقع دورنود ومارداي وغولفان ـ بولاق، قيد التأسيس الآن. ووُقّع اتفاق تأسيس الشركة، في أغسطس/آب 2009، أثناء زيارة الرئيس الروسي السابق ديمتري ميدفيديف إلى هناك. ولدى منغوليا 6 طبقات من اليورانيوم وأكثر من 100 موقع يورانيوم للاستثمار، بحسب صحيفة "فزغلاد". 

وجاءت زيارة العمل التي قام بها بوتين إلى منغوليا في 3 سبتمبر/أيلول، بمناسبة الذكرى الـ75 للنصر التاريخي الذي حققه جيشا البلدين ضد اليابان، على نهر خالخين ـ غول، في إطار تفعيل العلاقة.

فقد نقلت وكالة "ريا نوفوستي" عن بوتين قوله: "إن هذه المعركة، واحدة من أهم الأحداث في تاريخ روسيا ومنغوليا. فحينها سحقت القوات المنغولية ـ السوفييتية جيش كوانتونغ الياباني، وسمح هذا النصر بالحفاظ على سيادة منغوليا ووحدة أراضيها، وكان له أثر كبير في قرار اليابان، عدم المشاركة في الحرب ضد الاتحاد السوفييتي إلى جانب ألمانيا الفاشية".

انطلاقاً من هنا، تمّ التوقيع على 15 وثيقة بين روسيا ومنغوليا، من بينها العودة إلى نظام السفر بلا تأشيرات لمواطني البلدين، وهو النظام الذي تم التراجع عنه عام 1995 بمبادرة من الجانب المنغولي، ووثيقة أخرى بين مؤسسة سكك الحديد الروسية ومؤسسة النقل المنغولية، حول الشراكة الاستراتيجية لتحديث سكة حديد "أولان باتور سكي" وتطويرها، إضافة إلى توقيع بروتوكول لتقديم مساعدة تقنية عسكرية لمنغوليا من دون مقابل. مع العلم أن البلدين يجريان مناورات "سيلينغا" العسكرية المشتركة سنوياً في منغوليا، بدءاً من عام 2008.

ويبدو أن منغوليا تسعى إلى التحول إلى بلد ترانزيت لعبور الغاز الروسي، إذ نقلت وكالة "إنترفاكس" الروسية عن رئيس منغوليا، تساخياغين البغدورج، قوله، أثناء المؤتمر الصحفي المشترك مع بوتين: إن "المحادثات تطرّقت كذلك إلى فوائد مد أنبوب نقل الغاز عبر أراضي بلادنا، كالأمن وقصر المسافة وظروف السهوب".

وفي الوقت الذي أكد فيه البغدورج أنه "ناقش مسألة التوقيع في أقرب وقت على اتفاقية بين منغوليا وروسيا والصين للنقل بالترانزيت"، نقلت صحيفة "فيدوموستي" عن بوتين قوله: إن "توسيع شبكة السكك الحديدية يتيح لمنغوليا تطوير مكامن ثرواتها، التي من الصعب الوصول إليها حالياً، والاستفادة من إمكانات الترانزيت عندها".

كما نقلت وكالة "ريا نوفوستي" عن بوتين وعده، أثناء مباحثاته مع الرئيس المنغولي، بأن "ترفع روسيا الاتحادية القيود عن توريد المنتجات الحيوانية المنغولية إلى السوق الروسية". وتتجه حوالي 90 في المئة من الصادرات المنغولية إلى الصين، على الرغم من أن ميول منغوليا السياسية وعواطفها أقرب إلى موسكو من بكين.

لا تزال منغوليا تهتدي في سياساتها بروسيا، وتميل إلى موسكو، وفق ما يؤكد الخبراء وزوارها الروس. ويغذّي هذا الاهتداء أن المتعلمين في منغوليا يعرفون اللغة الروسية، بدرجة ما، وعلى علاقة طيبة بالثقافة الروسية، فضلاً عن أن المواطنين البسطاء، وليس فقط النخبة، يعرفون أن بلادهم كانت تابعة للصين طوال فترة 1691 ـ 1911، ويخشون العودة إلى ذلك الخضوع، ولذلك فهم متمسكون بعلاقات قوية مع جارتهم الشمالية، روسيا، ويرون أن قوتهم واستقلالهم يكمن في قوة موسكو.

المساهمون