روسيا تعزز قوتها باستكمال منظومة الدفاع الفضائي

23 ديسمبر 2014
ثلاث وحدات لقوات الدفاع الجوي الفضائي الصاروخي(كيريل كوردريافتسيف/فرانس برس)
+ الخط -
في ظلّ اشتداد المواجهة بين روسيا والغرب الأطلسي، تُسرّع موسكو استكمال بناء منظومتها التقنية العسكرية لتكون على مستوى تحديات المستقبل، مدركة أن الولايات المتحدة وحلفاءها يريدونها ضعيفة مفككة تابعة وخاضعة. وعلى الرغم من امتلاكها لعناصر الردع النووي، غير أنه لا بد من دعمها بمنظومة رصد واستطلاع تتيح اتخاذ القرار في اللحظة المناسبة، حين يتبين أي تحرك يهدد أمن روسيا.

قمر تجسس جديد
أعلنت وكالة "تاس" في التاسع عشر من ديسمبر/كانون الأول الجاري، عن إطلاق القمر "كوندور ـ أي"، الصناعي الروسي الجديد للاستشعار عن بعد والاستطلاع، وتم وضعه على المدار، وهو الثاني من نوعه. مع العلم أن القمر الأول تم إطلاقه إلى مداره في 27 يونيو/حزيران العام الماضي. ويسمح استخدام هذا النوع من الأقمار بمراقبة سطح الأرض على مدى 24 ساعة، وفي جميع الظروف الجوية، وبث المعلومات عن الأهداف الخاضعة للمراقبة بصورة مباشرة إلى المراكز الأرضية لاتخاذ القرار.    
وكانت وحدات الدفاع الجوّي الفضائي الروسية قد احتفلت في الأول من ديسمبر/كانون الأول الجاري بعيد تأسيسها، علماً بأنّ تأسيس هذه القوات تم بناءً على مرسوم رئاسي صدر في العام 2011. وهي تنتشر اليوم على امتداد الأراضي الروسية، من كالينينغراد إلى كامتشاتكا، وفي بلدان رابطة الدول المستقلة. ومهمة هذه الوحدات هي ضمان أمن المجال الجوي الفضائي الروسي، إضافة إلى تقديم معلومات دقيقة عن إطلاق الصواريخ البالستية وتنذر بالهجوم الصاروخي، وعند اللزوم تدمر صواريخ العدو الباليستية بعد إطلاقها مباشرة.
ويشير موقع "ميليتاري ـ إيندوستري.رو" إلى أن قوات الدفاع الجوي الفضائي تحكمت عام 2014 بإطلاق 22 قمراً صناعياً إلى مداراتها، ورصدت أكثر من 20 عملية إطلاق لصواريخ بالستية وصواريخ ناقلة في مناطق مختلفة من العالم، وأجرت أكثر من 300 ألف اتصال مع الأجهزة الفضائية الروسية.


وفي لقاء على هواء إذاعة "صدى موسكو"، قال قائد قوات الدفاع الجوي الفضائي الروسية، الجنرال أناتولي نيستيتشوك: "إذا تحدثنا عن عدد المجموعة المدارية الروسية، فإننا ندير اليوم في الفضاء 130 جهازاً فضائياً، 70 في المائة منها قادرة على القيام بوظائف من وجهة نظر الأمن الحربي". مع العلم أن الجزء الأساسي من مجموعة أجهزة الفضاء الروسية تتكون من أقمار "غلوناس". ويبلغ عددها اليوم في الفضاء 30 جهازاً.
ويشار إلى أنّ قوات الدفاع الجوي الفضائي الصاروخي تتكون اليوم من ثلاث وحدات، ومركز للإنذار من الهجمات الصاروخية، وهو وحدة معدة لحل مسائل استراتيجية، مثل كشف الصواريخ الباليستية. وتتألف هذه الوحدة من جزأين: جزء فضائي يراقب إطلاق الصواريخ الباليستية وآخر أرضي يتابع مسارها. والأهم، هو الإنذار بحدوث الإطلاق في أسرع وقت ممكن لاتخاذ القرار المناسب.

وبالنسبة لمراقبة الفضاء، يقول نيستيتشوك "هناك حوالى مائة ألف جهاز فضائي. ويجب الحصول على بيانات منها جميعاً، أي مراقبتها واتخاذ القرار في الوقت المناسب. وفقط في هذا العام، تمكنّا من رصد 189 جهازاً فضائياً ضُمّت إلى قائمة التتبع والمراقبة. من بينها 161 جهازاً أجنبياً". وتوقف عند خطط لتطوير ودعم تكنولوجي مهم  لمنظومة المراقبة والتحكم الفضائية الروسية، بإضافة عدسات إلكترونية فضائية وأجهزة بث واستقبال ومحطات إشارة سنة 2018، تسمح بمراقبة وتتبع كل ما يجري في الفضاء بصورة مستمرة".


وتطرّق الجنرال الروسي إلى مكوّن ثالث في منظومة الدفاع الجوي الفضائي الروسي هو مركز "هيرمان تيتوف" لاختبارات الوسائل الفضائية. وأشار إلى أن هناك محطات إدارة فضائية جديدة يتم بناؤها، ويتم التسلح بأنظمة جديدة للتحكم بالطيران والأجهزة الفضائية، مؤكداً أنّ كل شيء يسير وفق الخطة التي صادق عليها وزير الدفاع الروسي.

وفي التاسع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، نقلت وكالة "إنترفاكس" عن وزير الدفاع الروسي، سيرغي شويغو، قوله إن "إنشاء نظام موحد للفضاء، أحد المجالات الرئيسية لتطوير القوة والردع النووي في روسيا الاتحادية. وبالنتيجة، سوف يكون بإمكاننا الكشف عن إطلاق الصواريخ الباليستية بمختلف أنواعها، بما في ذلك النماذج التجريبية، من محيطات العالم ومن البلاد التي تجري الاختبارات". ووفقاً له، فإن المنظومة الجديدة ستحل محل نظام الإنذار السوفييتي الصنع. وكانت وكالة "تاس" قد نقلت عن الجنرال أوليغ أوستابينكو، رئيس مؤسسة الفضاء الروسية "روس كوسموس" الحالي، وكان حينها قائداً للقوات الفضائية، قوله إن "الآفاق عظيمة. إننا لا نجدد النظام الفضائي، إنما ننتج منظومة فضائية موحدة جديدة. وهذه المنظومة تسمح بحل عدة مسائل في الوقت نفسه، إحداها التحذير من حدوث هجوم صاروخي" على روسيا.

وفي لقاء أجرته معه صحيفة "النجمة الحمراء"، قال قائد قوات الدفاع الجوي الفضائية الجنرال ألكسندر غولوفكو، إن "إحياء وحدة الدفاع الجوي الفضائي في دائرة القرم الفيدرالية يحظى باهتمام خاص؛ فموقع القرم الجغرافي يمنح ميزة لحل المسائل المتعلقة بمراقبة الفضاء والتحكم بالأجهزة الفضائية الطائرة. مهمتنا الأولى تتمثل بترميم البنية التحتية وإعادة تسليح وحدة الدفاع الجوي الفضائي في شبه الجزيرة".
وبالنسبة للمنطقة القطبية، يقول إنّ "تنظيم دفاع جوي فضائي في منطقة القطب الشمالي عموماً وفي الطريق البحري الشمالي على وجه التحديد، يعد أولوية عند نشر قوات الدفاع الجوي الفضائي في المنطقة القطبية. وخلال العامين 2013 و2014، تم إنجاز عمل كبير في هذا الاتجاه، إذ تم نشر وحدات إشارة في جزر المحيط المتجمد الشمالي، وهي تعمل منذ الأول من نوفمبر/تشرين الثاني 2014، في حالة مناوبة قتالية للدفاع الجوي الفضائي".
وفي السياق، أشار الكاتب الصحافي فاديم ماتفييف، في مقال على موقع "روسيا ما وراء العناوين"، إلى أنّ قوات الدفاع الجوي الفضائي الروسية "أنهت اختبارات مجمع "أكنو" البصري الإلكتروني الموجود في جمهورية طاجكستان، والمخصص للكشف عن الأجسام الفضائية. ومن المقرر أن يجري تركيب أكثر من عشرة مجمعات جديدة لمراقبة المجال الفضائي قبل عام 2018. أمّا أول هذه المجمعات، فسوف يُبنى في إقليمَي ألطاي وبريمورسكوي الروسيين".

وكان العقيد أليكسي زولوتوخين، الممثل الرسمي للمكتب الصحفي لشؤون قوات الدفاع الجوي الفضائي في وزارة الدفاع الروسية قد صرّح لوكالة "إنترفاكس" للأنباء، بأن المجمع "يسمح بالتحكم بالمدى الكامل لارتفاع مدارات الأجهزة الفضائية. أما إمكانيات الكشف عن الأجسام الفضائية، ومعالجة البيانات في مجمع "أكنو"، فقد ازدادت عدة أضعاف". مؤكداً أن مجمع "أكنو" البصري الإلكتروني يستطيع الكشف عن الأجسام الفضائية ومراقبتها على ارتفاع يتراوح ما بين 2000 و 40 ألف كيلومتر.
وهكذا، تُعِدّ روسيا ما استطاعت من عدّة لتأكيد أن قراراتها السياسية فيما يخص سيادتها على أراضيها واستقلالها وحقوقها وطموحاتها الجيوسياسية لا تقف على فراغ.
دلالات
المساهمون