لم يتوصل اجتماع أستانة، أمس الإثنين، بين ممثلي روسيا وتركيا وإيران، بمشاركة الأردن، بوصفها الدول الضامنة لاتفاق وقف إطلاق النار في سورية، إلى رؤية واضحة ونهائية حول آليات مراقبة هذا الاتفاق. وإذا كان الطرف الروسي قد حاول إضفاء جو من التفاؤل على مخرجات اجتماع الأمس، إلا أنه لم ينتزع من إيران أية ضمانات رسمية ونهائية حول احترامها للاتفاق ووقف مساعيها لنسفه من قبل النظام والمليشيات الإيرانية. وهذا يعني أن اتفاق وقف إطلاق النار لا يزال مهدداً بالانهيار، على عكس ما يأمل به المجتمع الدولي الذي يراهن على نجاح الاتفاق لتعبيد الطريق إلى مؤتمر "جنيف 4" الذي سيعقد في 20 فبراير/شباط الحالي من أجل إعادة الروح للعملية السياسية المتوقفة منذ نيسان/أبريل الماضي. لكن ممثلي الفصائل السورية المسلحة أكدوا أن المشاركة في مفاوضات جنيف تتوقف على تطبيق اتفاق وقف إطلاق النار، أي التزام إيران والنظام السوري به، إضافة إلى إطلاق سراح المعتقلين، وفك الحصار عن المناطق المحاصرة، وهي مطالب ينص عليها قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254، الذي يعد أحد أهم مرجعيات التفاوض، وتضع موسكو أمام اختبار الجدية والصدق.
وأعلن وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، أنه يأمل بحدوث تطورات على الساحة السياسية في الأزمة السورية، عقب تحديد آليات مشتركة لمراقبة وتنفيذ وقف إطلاق النار. وأضاف لافروف خلال مؤتمر صحافي مشترك عقده مع وزيرة الخارجية الفنزويلية، ديلسي رودريغيز، في موسكو أمس، أن المحادثات التي جرت في أستانة بحثت آلية مراقبة وتنفيذ وقف إطلاق النار ومسألة وضع دستور جديد في سورية.
ونقلت وسائل إعلام روسية عن رئيس الوفد الروسي إلى أستانة، نائب رئيس دائرة العمليات التابعة للأركان العامة للقوات الروسية، ستانيسلاف حاجي محمدوف، تأكيده أن المشاركين "بحثوا سير تطبيق نظام وقف الأعمال القتالية، وإجراءات خاصة بإنشاء آلية رقابة فعالة من أجل ضمان الالتزام الكامل بنظام الهدنة، والحيلولة دون أية استفزازات وتحديد كافة أبعاد نظام الهدنة"، مشيراً إلى أن الخبراء "بحثوا كذلك إجراءات تعزيز الثقة المتبادلة وضمان الوصول الإنساني إلى كافة المناطق في سورية دون أية عوائق". كما أكد أن لقاءً جديداً سيعقد بأستانة، في 15 و16 فبراير/شباط الحالي، أي قبل انعقاد اجتماع جنيف بأيام. وغاب ممثلو المعارضة السورية المسلحة، والنظام عن اجتماع أستانة، على أن ينضموا إلى اجتماعات مقبلة ستعقد بشكل "دوري" لتقييم تنفيذ الاتفاق.
وذكرت مصادر إعلامية أن الأطراف التي اجتمعت في أستانة قطعت شوطاً كبيراً في تحديد آليات مراقبة اتفاق وقف إطلاق النار، وأنه "لا توجد خلافات جوهرية" حيال ذلك. ونقلت وكالة "سبوتنيك" الروسية عن مصدر في الاجتماعات أن روسيا وتركيا وإيران اتفقت على 90 بالمائة من آلية مراقبة الهدنة في اجتماع أستانة، مضيفاً أن الجانبين التركي والإيراني طلبا مزيداً من الوقت لتنسيق تفاصيل الاتفاقات مع القيادة في أنقرة وطهران عبر القنوات الدبلوماسية. وأوضح المصدر أن الحديث يدور ليس عن خلافات جوهرية بل عن "التلاعب بالكلام"، حسب قوله.
ولا تزال المعارضة السورية تتهم الضامن الروسي بـ"التراخي" تجاه خروقات كبيرة يرتكبها النظام ومليشيات إيران الطائفية بحق الاتفاق الموقع في أنقرة في 29 ديسمبر/كانون الأول الماضي، ودخل حيز التنفيذ في اليوم التالي. وأكدت المعارضة أن محاولات النظام لاقتحام مناطق سيطرتها مستمرة، كما لم تتوقف عمليات التهجير والحصار، مستشهدة بما يجري في محيط دمشق.
ولا تزال موسكو تضغط باتجاه فرض دستور على السوريين وضعه خبراء روس، على الرغم من رفض المعارضة السورية بشقيها السياسي والعسكري لهذا الأمر، واعتباره تصرفَّ "محتلٍّ" يستهدف السطو على مستقبل البلاد. وفي هذا الصدد، أشار السفير الروسي في دمشق، ألكسندر كينشاك، إلى أهمية إنشاء آلية لجمع كافة الاقتراحات الخاصة بالدستور، ولإعداد مشروع للدستور الجديد على أساس هذه الاقتراحات، وفق وسائل إعلام روسية نقلت عنه قوله إن مختلف "المنظمات والتكتلات السياسية بدأت طرح اقتراحاتها بنشاط" بعد قيام موسكو بعرض اقتراحاتها الخاصة بوضع دستور سوري جديد في أستانة، معتبراً أن الاقتراحات الروسية تحاول فقط تحريك الحوار بهذا الشأن. ونقلت وسائل إعلام عن رئيس الوفد الروسي إلى أستانة قوله إن الجانب الروسي قدم ما أسماه بـ"اقتراح" إلى المعارضة السورية، والنظام "بتشكيل مجموعات عمل لوضع مشروع دستور"، وفق تعبيره.
وفي تطور من شأنه أن يحدث تغييرات في مشهد إدارة الصراع السوري، حضرت الأردن لأول مرة اجتماعات أستانة، الهادفة إلى تعزيز الهدنة الدائمة في سورية. وهذا التطور يؤكد رغبة روسية واضحة في ترسيخ الاتفاق، خاصة أن لعمان تأثيراً على فصائل الجبهة الجنوبية التابعة للمعارضة السورية المسلحة.
وكانت عمان قد نفذت، فجر السبت الماضي، هجمات جوية غير مسبوقة، على مواقع قالت إنها تابعة لتنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) في جنوب سورية، عقب زيارة قام بها العاهل الأردني، عبدالله الثاني، إلى موسكو أواخر الشهر الماضي، ثم إلى واشنطن منذ أيام، وتمحورت حول محاربة "الإرهاب"، والعملية السياسية في سورية. وأعرب دبلوماسي سوري معارض عن اعتقاده بأن الملك الأردني بدأ يخطو باتجاه الحصول على مكاسب حقيقية في جنوب سورية، مشيراً في حديث مع "العربي الجديد" إلى أن حضور عمان في اجتماعات أستانة دليل على دخولها دائرة المقربين من الروس والأميركيين في ما يخص القضية السورية. وذهب الدبلوماسي إلى القول: "ربما يتم تكليف الأردن بمهام في سورية، لا سيما محاربة تنظيم داعش في درعا والرقة ودير الزور، في مقابل الحصول على جزء من الكعكة السورية"، وفق تعبيره. وأشار إلى أن الملك الأردني يتطلع إلى توسيع حدود دولته من خلال ضم منطقة حوران (درعا)، التي تعد امتداداً جغرافيا للأردن، أو تحويلها إلى منطقة نفوذ لبلاده.
وأعرب الدبلوماسي السوري عن قناعته بأن دخول الأردن لاعباً رئيسياً في سورية غير مرحب به من إيران، التي تحاول إبعاد العرب عما يجري في سورية، وإبقاء الأمر محصوراً بينها وبين الروس، في محاولة لسلخها عن محيطها العربي. ولفت إلى أن موافقة الروس على اعتبار الأردن طرفاً في مراقبة اتفاق وقف إطلاق النار تأتي في سياق "كباش سياسي" لم يعد خافياً بين موسكو وطهران على النفوذ في سورية.
وترتبط الأردن بحدود تصل إلى نحو 400 كيلومتر مع سورية، واستقبلت على مدى سنوات عشرات آلاف السوريين الباحثين عن ملاذات آمنة، إذ يوجد داخل الأردن مخيم الزعتري الذي يعد من أكبر مخيمات اللاجئين السوريين.
كما رحّب مصدر في "الائتلاف الوطني السوري" بحضور الأردن لاجتماعات أستانة. وقال في حديث مع "العربي الجديد" إن وجود الأردن "أولى من حضور إيران على طاولة أستانة"، مضيفاً أن "الأردن دولة جارة، وإيران دولة معتدية، تسهم مع النظام بحصار نحو 700 ألف مدني على امتداد الجغرافيا السورية، وتقف عائقاً أمام مساعي المجتمع الدولي لبلورة حل في سورية".
في السياق نفسه، بدأت الهيئة السياسية في "الائتلاف الوطني السوري"، وأعضاء الائتلاف في الهيئة العليا للمفاوضات، أمس الإثنين، اجتماعات في إسطنبول تستمر لثلاثة أيام، على رأس جدول أعمالها التطورات السياسية، التي طرأت على المشهد السوري منذ بدء اتفاق وقف إطلاق حيّز التنفيذ مروراً بمؤتمر أستانة، وانتهاء بالاستعدادات الجارية للجولة الرابعة من مفاوضات جنيف المقبلة. وتسبق اجتماعات "الائتلاف" اجتماعات لـ"الهيئة العليا للمفاوضات" في العاشر من الشهر الحالي في العاصمة السعودية، الرياض. وأكدت مصادر في الهيئة لـ"العربي الجديد" أنه سيُعاد النظر في تشكيلة الوفد المفاوض، متوقعة أن يتم دخول أسماء جديدة إليه. وشددت على أن "توافقاً تامّاً بين الهيئة ووفد الفصائل المسلحة، تجلّى في اجتماعات عقدت أخيراً في أنقرة"، مشيرة إلى أن الفصائل العسكرية فوّضت "الهيئة العليا" باتخاذ كل الإجراءات المتعلقة بالتفاوض مع النظام في جنيف تحت مظلة الأمم المتحدة، وفق المصادر.
وأكد ممثّل "لواء شهداء الإسلام" في وفد الفصائل العسكرية الذي فاوض في أستانة، النقيب سعيد مقرش (أبو جمال)، خلال حديثه مع"العربي الجديد"، أن لدى فصائل المعارضة ميلاً للمشاركة في وفد المعارضة المفاوض في الجولة المرتقبة من مفاوضات جنيف في 20 فبراير/شباط الحالي. وأضاف: "ليست المشكلة في أن نذهب أو لا نذهب، لكن الأهم أن يلتزم الروس بتعهداتهم كطرف ضامن للنظام، ويتم تثبيت قرار وقف إطلاق النار على الأرض"، وفق قوله.
ومن المفترض أن يقدم الجانب الروسي للجانب التركي رده على ورقة قدمها وفد المعارضة السورية المسلحة للوفد الروسي في مؤتمر أستانة، إذ وعد الأخير بتقديم أجوبة عليها في السادس من الشهر الحالي بعد مناقشتها مع الرئيس، فلاديمير بوتين. وتدعو الورقة إلى وضع لجان وآليات للمراقبة ووقف العمليات العدائية، ووقف التهجير القسري للمناطق المحاصرة بشكل عام، وفي ريف دمشق، وريف حمص الشمالي، ومحجة بريف درعا، والسماح بحرية الحركة، وإيقاف الاعتقالات، وإطلاق سراح المعتقلين، وإدخال المساعدات الإنسانية لجميع المناطق المحاصرة، وإيقاف جميع أنواع القصف المدفعي والصاروخي، والقصف الجوي بالطيران الحربي، والبراميل المتفجرة.
وعلمت "العربي الجديد" أن الفصائل العسكرية ستحدد على ضوء الرد الروسي أمر مشاركتها في مفاوضات جنيف، مشيرة إلى أن طبيعة هذا الرد سوف تحدد مشاركة هذه الفصائل من عدمها في مفاوضات جنيف المرتقبة. وكلام رئيس وفد الفصائل العسكرية السورية المعارضة، محمد علوش، كان واضحاً أمس في هذا الشأن. وقد اشترط للمشاركة في مفاوضات جنيف الالتزام بالوعود التي حصلوا عليها في محادثات أستانة الشهر الماضي.
وعن تشكيل وفد موحد للمعارضة إلى جنيف، أشار علوش إلى أن "الخطوات والفائدة على الأرض أهم من تشكيلة الوفد؛ فإذا أثمرت أستانة وصارت واقعاً على الأرض فسيكون إشراك باقي قوى الثورة الحقيقية بشكل صادق أمر واجب، والهيئة العليا للمفاوضات (الممثلة للمعارضة) أخذت على عاتقها أن تفعل ذلك، ونحن مؤيدون للعمل إذا كان هناك حقيقة واقعة على الأرض". وأضاف أنه "في الجولات السابقة لم يكن هناك ضامن، حتى الأمم المتحدة لم تكن ضامنة وليست لها القدرة على ذلك فقد وقفت عاجزة، وقالت بصريح العبارة (نحن عاجزون عن إدخال علبة حليب أطفال إلى مضايا وداريا)، وبعد بذل جهود دخلت بعض المساعدات لكن لم يتم تغيير أي شيء على الأرض". واعتبر أنه "على الرغم من وجود روسيا كضامن في هذه المرة إلا أن النظام الذي طالما راوغ وماطل بخصوص العقود والمواثيق التي وقعها، لا يحترم كلمته حتى أمام الضامن الذي ضمنه". وتابع: "رجعنا من أستانة وهناك أمور تلقينا فيها وعوداً من الجهات الضامنة لتفعليها على الأرض وخرجنا بحزمة من الإجراءات، منها وعد بعدم اقتحام وادي بردى (ريف العاصمة دمشق) وعدم الهجوم على الغوطة (في المنطقة نفسها) وألا يتم استهداف الفصائل". وأضاف: "إلا أن ذلك لم يتم بل تم تهجير وادي بردى وحصلت عدة اقتحامات على الغوطة"، مشيراً إلى أن الفصائل أرسلت "مذكرة قانونية للجهات الضامنة نبين فيها موقفنا مما يجري، وننتظر الجواب على ورقة تثبيت وقف إطلاق النار وهذا سيكون في السادس من هذا الشهر (أي أمس الإثنين)".
وفي هذا السياق، أكد علوش أن "الأمر الآن في يد روسيا"، مشيراً إلى أن "المعارضة وقعت الاتفاقية والتزمت بها وأوفت بالضمانة التركية، إلا أن الجانب الآخر، المتمثل بإيران والنظام السوري والذي ضمنته روسيا، لم يلتزم بالاتفاقية". ولفت إلى أن "فشل روسيا في الإيفاء بما ضمنته هذه المرة يعني أنها ستفشل في المرات المقبلة، كما أن ذلك يدل على عدم وجود نية حسنة أو تمهيد لوجود حل".
وتطرق إلى اللقاء الذي جمع المعارضة مع الجانب الروسي في أنقرة، قبل أيام، وقال إن موسكو عرضت خلال الاجتماع 3 مسارات، الأول يتعلق بوقف إطلاق النار، والثاني يتعلق بالجانب الإنساني، أما الثالث فهو خاص بالشأن السياسي. وأوضح أن جواب الفصائل المعارضة "كان بأن تزامن هذه المسارات غير وارد في ظل القصف بالطيران وعمليات التهجير والاقتحام وبمشاركة ضباط روس، باعتبار ذلك إخلالاً باتفاقية وقف إطلاق النار"، وفق قول علوش.