لم تعد التنظيمات الجهادية المتطرفة متلونة بلون واحد، ولم يعد عناصرها من العرب الذين يريدون محاربة الغرب الصليبي. بل أصبح هناك مد كبير طال حالياً المجتمعات الأوروبية التي تعتبر خزاناً جديداً يمد تلك الجماعات بجيل مختلف عن الجهاديين الذين اعتدنا رؤيتهم في وسائل الاعلام، حيث كانت اللغة العربية الفصحى مثلا هي ما نسمعه في أشرطتهم المسجلة. اليوم أصبحنا نرى الجهادي الذي يتحدث اللغة الانكليزية بطلاقة.
والسؤال هنا عما إذا كان أتباع السلفية الجهادية هم ممن تعرضوا للاضطهاد والتضييق كما حدث للإخوان المسلمين في سورية خلال الثمانينات، أو في مصر خلال حكم جمال عبد الناصر، وتنامى لديهم الحس الانتقامي بفعل ما تعرضوا له من تضييق، فكيف وصلت الأفكار الجهادية إلى الشباب الأوروبي وجعلتهم يكابدون للانضمام في صفوفها، بدلاً من المكابدة لإكمال تعليمهم وحياتهم بشكل طبيعي؟ وكيف لشباب يعيشون في مجتمعات منفتحة وتسودها حرية التعبير أن ينجذب إلى الطرف المعاكس، ويتبنى هذا الفكر المتشدد؟
ليس الإسلام والإيمان بفكره ومبادئه هو فقط من يحرك نوازع هؤلاء الشبان الأوروبيين للالتحاق بالجماعات المتطرفة، إذ ينسحب الموضوع لمنحى نفسي آخر تتقن الجماعات الجهادية اللعب عليه.
يرى الكثير من الشبان في صورة المقاتل الملثم بثيابه السوداء وسيفه الحاد وسحنته المغبرة، محاكاة لتلك الصورة المتخيلة في أذهانهم عن البطولة والقوة التي يتمنى كل منهم أن يعيشها فعلياً. هم يرون في ذلك المقاتل (روبن هود العصر) الذي يتحدى الجميع بشجاعة ويتوعد أعداءه بالعقاب مهما بلغت قوتهم من أجل مساعدة الضعفاء والمظلومين، وهذا تماما ما ينشره عناصر هذه التنظيمات الذين يروجون إلى أنهم جاؤوا لتخليص الناس من ديكتاتورية حكامهم ونشر العدل وإقامة دولة الخلافة العادلة.
وفي مرحلة المراهقة التي يبدأ فيها الانسان بتكوين شخصيته، غالباً ما يميل إلى أي سلوك أو فكر لا اعتيادي ليغزو رغبته بالتميز والانفراد عن باقي أقرانه، ويقدم تنظيم "داعش" لهؤلاء فرصة كبيرة للمشاركة في أمور أكبر وأعظم مما يدور حولهم في حياتهم اليومية، ويساعدهم على تقديم أنفسهم بصورة الند القوي اتجاه من يشعرون بالظلم والاستصغارنحوهم. وقد ساعدت تسمية عناصر تنظيم الدولة لأنفسهم بأسماء الصحابة وأشهر المقاتلين في الإسلام بتقوية الصورة التي تقدمهم ليس كقتلة بل كأبطال مخلصين لهذا العالم من الشر. وبالتالي من سينضم لهم سيكون شريكاً في صنع هذه الأمجاد العظيمة والاستثنائية في حياة الشعوب. أي أنهم يبحثون عن أي سبب يعطي معنى لحياتهم. كما أن رغبتهم بإثبات ولائهم للدين الجديد تجعلهم أكثر اندفاعاً من غيرهم لتنفيذ عمليات انتحارية.
كذلك يشكل أصحاب هذه اللحى والشعور الطويلة بأشكالهم الذكورية الفجة النابتة من التاريخ محط أنظار الكثير من الفتيات، حيث يملن للعيش تحت سطوة ذكورية بحتة لأسباب قد تتعلق بالجنس والرغبة في الزواج من المقاتل البطل كما في الروايات والأساطير. فالأمر بالنسبة للفتيات لا يقف عند حد الرغبة بخوض مغامرة غريبة كما هو الحال بالنسبة للشبان، بل يتعدى ذلك لعوامل نفسية تتعلق بالاعجاب بفكرة الزواج من رجل مستعد للتخلي عن حياته في سبيل قضية يؤمن بها. بالإضافة إلى اللواتي يشعرن بالاقصاء في مجتمعاتهن، وبأن لا مكان لهن فيجدن في الصورة المثالية التي تقدمها دولة الخلافة ملاذاً لهن، لا سيما أن هذه البيئات المتشددة لا تطالب المرأة بأكثر من الزواج وإنجاب الأولاد. إذاً القضية الأساسية تتعلق بميول هؤلاء الشباب ورغبتهم بتكوين شخصية متفردة قوامها الأساسي المغامرة والصراع لنصرة الحق ضد الباطل. والرغبة بالعيش في مكان يجعل منهم أبطالاً لا أناساً عاديين، وهذا ما يراهن عليه البغدادي وصحبه.