في العراق، كما في بلدان أخرى متضررة اقتصادياً ومالياً، أتت أزمة كورونا لتزيد الأوضاع سوءاً. ويعبّر أهل البلاد عن تخوّفهم من الآتي، إذ إنّ الموظفين مهدّدون باقتطاع رواتبهم في وقت تكثر التزاماتهم. وفي محاولة لمواجهة ذلك، راح كثيرون يقلّلون من نفقاتهم.
بخلاف عادته، راح حارث البيلاوي يقلل نفقاته اليومية، واضعاً جدولاً لمشتريات عائلته بحسب الضرورة. بالنسبة إليه فإنّ الأوضاع في البلاد لن تكون سهلة بعدما كشف مسؤولون عراقيون أنّ الحكومة لن تتمكّن توفير رواتب الموظفين في الأشهر المقبلة. صحيح أنّ البيلاوي ليس موظفاً حكومياً إلا أنّه يبدي امتعاضاً شديداً. ويقول لـ"العربي الجديد" إنّ عمله مرتبط بحركة السوق، لافتاً النظر إلى أنّ "حركة السوق ستضعف كثيراً في حال عجزت الحكومة عن توفير رواتب الموظفين أو قلّصتها". والبيلاوي الذي يملك محلاً لبيع الخضراوات والفاكهة، استمرّ عمله في خلال تفشّي فيروس كورونا الجديد في البلاد بشكل كبير، يؤكد أنّ "عملي لن يتوقّف مهما بلغ الأمر، نظراً إلى أنّ هذا النوع من العمل مسموح أن يستمر في الأزمات لعلاقته بغذاء المواطنين". ويستدرك "لكنّني سأتضرّر لأنّ ثمّة كثيرين سيتضرّرون من قطع الرواتب بالتالي سيتراجع الشراء وسنضطر إلى البيع بالدَين كما في كلّ مرة تقع فيها أزمة. وهذا ما أجبرني إلى فرض خفض مصاريف المنزل".
ومع دخول قرار خفض إنتاج النفط الذي اتّخذته منظمة "أوبك" حيّز التنفيذ، تصاعد الحديث عن عدم قدرة الحكومة العراقية على تأمين رواتب الموظفين وعزمها اقتطاع نسبة منها أو تأخير الدفع كإجراء آنيّ إلى حين تجاوز الأزمة الاقتصادية الراهنة. ويُعَدّ العراق ثاني أكبر منتج في "أوبك" بعد السعودية، مع نحو 4.5 ملايين برميل يومياً، تذهب نحو 3.5 ملايين برميل يومياً منها للتصدير. ويعتمد العراق على صادرات النفط بشكل رئيسي في إيراداته، إذ تموّل ما يصل إلى 95 في المائة من نفقات الدولة.
والموظفون والمتقاعدون أكثر الشرائح العراقية تخوّفاً على مصيرهم ومصير عائلاتهم، إذ يعتمدون بنسبة كبيرة على رواتبهم في مصدر معيشتهم. وتصف شهد أحمد، وهي موظفة في وزارة الإسكان، قطع رواتب الموظفين أو تقليصها بنسبة كبيرة بأنّها "مصيبة" ستحلّ على نسبة كبيرة من الموظفين. وتقول أحمد لـ"العربي الجديد" إنّه "إلى جانب اعتماد الموظفين بمعظمهم على رواتبهم كمصدر دخل وهو ما يعني تضرّرهم في هذه الحال، فإنّ ثمّة عدداً كبيراً منهم يرتبط بالتزامات مالية يجب تسديدها في مواعيد محددة". تضيف أنّ "موظفين تستقطع من رواتبهم مبالغ تصل أحياناً إلى أكثر من نصف الراتب، لسداد أقساط معيّنة". وتتابع أحمد: "أنا من بين هؤلاء، وعليّ أن أسدّد حتى نهاية العام الجاري 540 ألف دينار عراقي (نحو 450 دولاراً أميركياً) شهرياً وهو أكثر من نصف راتبي". وتشير إلى أنّها تعتمد على راتب زوجها وهو موظف كذلك، في الإنفاق على الأسرة، مؤكدة أنّه "في حال توقفت الرواتب أو جرى اقتطاع نسب منها، فإنّنا سنمرّ بمشكلة كبيرة". يُذكر أنّ أحمد اتّخذت وزوجها قراراً منذ أكثر من شهر بتقليل الإنفاق، وهو ما تصفه بـ"الخطوة المهمة التي نحاول من خلالها التخفيف من الضرر في حال وقوعه".
وتصريحات مسؤولين عراقيين بأنّ الحكومة ستكون عاجزة عن تسديد الرواتب، زادت من قلق الناس. ومن بين كبار المسؤولين الذين صدمت تصريحاتهم المواطنين العراقيين، وزير التخطيط خالد بتال الذي أعلن في مايو/ أيار الماضي أنّ الحكومة قد لا تتمكّن من سداد رواتب الموظفين ومخصصاتهم كاملة لشهر يونيو/ حزيران الجاري، وهو ما أعدّه "مصارحة للشعب". وصرّح بتال بذلك في خلال لقاء متلفز، مشيراً إلى أنّ "خليّة أزمة مالية شُكّلت لوضع حلول استراتيجية حقيقية". وأوضح أنّهم ناقشوا "اقتطاع نسبة من المخصصات"، على ألا تُشمل "الرواتب دون 500 ألف دينار (نحو 420 دولاراً) بالاقتطاعات المقبلة". أضاف أنّ الرواتب العالية هي التي استقطعت بدءاً من راتب رئيس الجمهورية ونزولاً. وتابع وزير التخطيط أنّ "صرف رواتب شهر يونيو/ حزيران المقبل بالكامل يعتمد على متغيّرات كثيرة، منها سعر النفط. ولدينا أكثر من مليونَين و700 موظف بالإضافة إلى تعيين آلاف المتعاقدين في عدد من الوزارات التي تحتاج جميعها إلى دراسة وتأمين رواتب".
يقول فرج عبد الله وهو موظف حكومي، لـ"العربي الجديد"، "إنّ تصريح وزير التخطيط كان له وقع سلبي على العراقيين، خصوصاً الموظفين منهم. فراتبي (على سبيل المثال) لا يفي بمتطلبات أسرتي وأضطر إلى العمل في صيانة الأجهزة الكهربائية بعد الانتهاء من دوامي في الوظيفة الحكومية". يضيف عبد الله أنّه قلّص كثيراً نفقات أسرته، موضحاً "لم نعد نشتري اللحوم والفاكهة بشكل مستمر. وقد قللنا شراء الخضار كذلك، فيما لم تعد وجبة طعامنا متعدّدة الأصناف". وليس الطعام فقط ما قللت أسرة عبد الله الإنفاق عليه، بل ثمّة حاجيات منزلية أخرى. ويؤكد أنّ "كلّ ما نشتريه اليوم هو للضرورة الملحة، وقد قررنا أن نعتمد على المتوفّر قدر الإمكان. ليس في اليد حيلة، إذ لا شيء يضمن المستقبل. ربّما تُقتطع رواتبنا وربّما تُقلّص، ومن الممكن كذلك ألا يقع أيّ شيء من هذا القبيل لكن علينا أن نأخذ كلّ الاحتياطات". ويتابع عبد الله مستغرباً "كيف لا نأخذ احتياطاتنا وقد أرعبنا مسؤولون وخبراء اقتصاديون مشيرين إلى أنّ الوضع غير مطمئن وأنّ الخزينة العراقية فارغة ولا تستطيع تأمين الرواتب".
أما زهور سعيد، وهي متقاعدة، فقد عبّرت عن استغرابها ممّا وصفته بـ"سوء تخطيط الحكومة". وتشير لـ"العربي الجديد" إلى أنّها حين علمت بأنّ راتبها التقاعدي مهدّد بالاقتطاع، لجأت إلى تقليل النفقات. وتسأل عن "عدم اتّخاذ وزارات ومسؤولين ومستشارين ومخططين التدابير اللازمة، وكيف لم تكن ثمّة رؤية لحماية البلد والسكان من مثل هذه الأزمات". تضيف سعيد أنّ "كثيرين من الذين أعرفهم بدأوا يقللون النفقات"، مشددة على أنّ "ثمّة أزمة وعلينا اجتيازها بأقلّ الخسائر".