روائيون يمنيون داخل حبكة كابوسية: شغفٌ مهدّد بشظية

18 سبتمبر 2015
في صنعاء (تصوير: محمد حويس)
+ الخط -

في غمار القصف والقتال اليوميّين، تعطّلت كافة أنشطة الحياة في اليمن، عدا تلك المظاهر الروتينية من الحياة اليومية. وفي أي فضاء، يتردّد السؤال؛ متى ستنتهي الحرب؟ متبوعاً بتوقّعات متباينة. "العربي الجديد" حاولت أن تستطلع آراء الروائيين اليمنيين وتكشف واقعهم.

يقول الروائي اليمني محمد الغربي عمران: "أجزم بأن اليمن قادم على سنوات من الكبت والركود الإبداعي، نتيجة بروز وسيطرة الجماعات المسلّحة المذهبية، وتلك السلالية". يشير صاحب "ظلمة يائيل" إلى طابع تلك الجماعات التي تحرّم الإبداع، وتسعى إلى القضاء على كل مختلف، باعتبارها التهديد الأكبر على الثقافة.

بالنسبة للناقد رياض الحمادي، فإنه "من الطبيعي أن ينعكس الوضع المأساوي الذي يمر به اليمن على الحياة الثقافية. نحن نعيش بلا كهرباء ولا ماء ولا مشتقّات نفطية منذ أشهر".

يضيف الحمادي "يتجلّى المشهد بمأساويته في ما سيتركه من أثر، في المستقبل، على جيل تنعدم أمامه فرص التعليم، خصوصاً إذا استمر النزاع زمناً أطول".

منذ اندلاع الحرب وغالبية المدن اليمنية من دون كهرباء. لذلك، فقد تعسّر على كثير من المثقّفين اليمنيين تلقي أسئلة الاستطلاعات أو استقبال دعوات من الخارج. تشير الروائية نادية الكوكباني أنها ستنتظر تركيب ألواح الطاقة الشمسية في منزلها، حتى تتمكّن من الرد على الرسائل الإلكترونية التي تصلها.

لكن كثيراً من الكتّاب يكشفون أن الوضع لم يوقفهم عن الكتابة، حيث تركوا الكمبيوتر جانباً وعادوا إلى الأقلام والأوراق، لكنهم يتذمّرون، خصوصاً، من حالة النزوح التي يجبرون عليها من وقت إلى آخر بسبب احتدام المعارك في الأحياء التي يسكنونها، ما يُجبرهم على التوقّف عن أعمال يستأنفونها بصعوبة في وقت لاحق، دون أن ننسى الصراع اليومي من أجل تأمين الغذاء لأسرهم.

إضافة إلى كل ذلك، يعيق الكاتبَ اليمني موروثٌ ثقافي لم يكن راعياً للكتابة الأدبية، إذ يمكن اعتبار الرواية في اليمن إلى اليوم فناً ناشئاً، بمعيار التراكم على الأقل.

كما ظلّت البلاد مفتقدة إلى ديناميكية نشر، وتظل الدول المحيطة بها غير قادرة على توفير بديل للكتّاب، حيث تعاني صناعة النشر عندها هي الأخرى من عوائق جمّة. هنا يجدر التذكير بأن دور النشر اليمنية المهتمة بنشر الأعمال الأدبية، توقّف نشاطها منذ فترة.

يقول الكاتب وجدي الأهدل، إن "الأحداث الجسام التي يمر بها اليمن لن تمنع مؤلّفاً من كتابة روايته". بالنسبة إليه، لم يمنعه انعدام الورق أو غياب الكهرباء من الكتابة، إذ إن "شغف الكتابة لا يتوقّف".

يضيف بشيء من الحماسة: "سيجد الروائيون الوسيلة لكتابة أعمالهم، ولو على جدران بيوتهم أو ملابسهم"، مشيراً إلى أن بعض أصدقائه لم يمنعهم الوضع من البحث عن ناشرين لجديدهم، والبعض الآخر يتناقشون حول تنقيحات أعمالهم، ما يدل على أنهم يشتغلون يومياً على الكتابة.

في هذا الإطار، يؤكد عمران أنه أنجز رواية جديدة أنهاها في منتصف آب/ أغسطس الماضي، وكان قد بدأها في تشرين الأول/ أكتوبر من العام الماضي، ومازال ينتظر الرد بعد مخاطبته عدداً من دور النشر العربية.

لجأ عمران إلى قريته الهادئة والبعيدة عن أجواء الحرب لكتابة العمل، لكنه يقول "هذا لا يعني أن أجواء الحرب لا تؤثّر على الكاتب، بل على العكس".

من جهتها، ترى الكاتبة ندى شعلان، أن تأثيرات الحرب ستكون نسبية على الكاتب. تكشف أنها تتّخذ من الكتابة الكوميدية عزاءً لها في هذه الفترة، وهو نمط مختلف عما اعتادت نشره، مشيرة إلى أنه ينبغي اليوم تحاشي إعادة إنتاج الواقع ومحاكاته، أو انكفاء الكاتب على نفسه.

ثمّة سؤال بدأت تطرحه الساحة الثقافية العربية: "هل ستدفع الحرب بالكتّاب إلى الرحيل، واختيار منفى يلائمهم للكتابة؟". على سبيل المثال غادر علي المقري اليمن، عبر جيبوتي، وانتظر هناك أسابيع طويلة، حتى أمكنه الذهاب إلى مصر، لتكون محطة استقرار مؤقّتة، إلى أن تنتهي الحرب، ولكن السؤال الأكثر إحراجاً هو "ماذا لو استمرت زمناً أطول؟".

عن تأثير الحرب في الأدب اليمني، يرى الأهدل أن حدثاً كبيراً كالحرب سيكون له تأثيراته على نمط الكتابة وموضوعاتها، رغم أنه ينبّه إلى أن مسافة زمنية ينبغي أن تفصل الأعمال الإبداعية عنها حتى يتم استيعابها.

يتفق الأهدل في ذلك مع عمران، الذي يؤكّد أنه في المستقبل "سنجد أعمالاً كثيرة تعالج أحداث الحرب" معقّباً "الرواية ليست شاهداً مستعدّاً للإدلاء برأيه على حدث جارٍ، إنما تتشكّل كرؤية هاجسها عالم مكثّف تطوّعه لإرادتها الفنية، أو تفلتره عبر مصفاتها".

وفي ما يتعلق بما حقّقته الرواية في اليمن وقدرتها على التعبير عن الواقع، يقول الأهدل "إن الرواية اليمنية قطعت أشواطاً، سواءً من حيث الكم أو الكيف".

يضيف صاحب "قوارب جبلية" إن أي متابِع منصف تُتاح له قراءة رواية "ستيمر بوينت" لأحمد زين أو "بخور عدني" لعلي المقري وغيرها من الروايات اليمنية الصادرة خلال السنوات الخمس الأخيرة، سيدرك أن روائيّي اليمن يحقّقون إنجازات فنية متقدّمة في كتابة الرواية.

يوافق عمران هذا الرأي، مؤكّداً أن حال الرواية اليمنية بات أفضل ممّا كان عليه، وأن ثمّ كتّاباً كثراً "يُمكن الفخر بنتاجهم"، على عكس الماضي، حين كانت أسماؤهم لا تتعدّى أصابع اليد، مضيفاً "الرواية في اليمن لا تقل جودة عن نظيراتها العربية".

هذه النظرة المتفائلة لا نجدها عند الحمادي، حيث تذكّره الرواية في اليمن بمقولة برنارد شو "وفرة في الإنتاج وسوء في التوزيع"، مضيفاً إليها أن الكثير من الأعمال هزيلة من حيث المحتوى. يعتقد أن "كثيرين يكتبون الرواية دون إلمام بماهيتها، وأن ثمّة خلطاً بين الرواية والقصة الطويلة والنوفيلا، بل إن بعضهم يشاهد فيلماً ثم يحوله إلى رواية".

ومن بين الأعمال الروائية التي يتردّد أنها أنجزت، ولم تجد بعد طريقها إلى النشر الورقي، يكشف لنا الكاتب وليد أحمد دماج أنه أنهى مؤخّراً كتابة رواية هي ثاني أعماله بعد "ظلال الجفر" (2013).

تدور أحداث الرواية الجديدة في القرون الوسطى، حول فرقة فكرية وسياسية ازدهرت خلال القرن الثاني عشر في صنعاء وتعرّضت إلى التنكيل من قبل الأئمة، حدّ إبادتها واجتثاثها.

هذه الفكرة التي تهيمن على مخيلة الروائي تشير إلى نشوء أنماط سردية تستخدم التاريخ القروسطي في اليمن ومفردات الحرب الدائرة حالياً. ولعل فكرة الاجتثات التي تبرز من الرواية تستعيد الواقع الراهن بالأساس، والذي تلعب فيه جماعات التطرّف المسلحة دوراً تدميرياً، يجعل كل ما تحقق عرضة للهدم.

المساهمون