رهانات تسويق المواقع الإلكترونية

08 مارس 2017
(Getty)
+ الخط -
أفرزت تكنولوجيا المعلومات والاتصال تحولات كبيرة في السلوك البشري يتماشى مع التغييرات الكبرى في النسق العام للحياة؛ فعولمة الاقتصاد، والتنافسية بين المؤسسات والدول، وكثرة وتضخم المعلومات المتوفرة، وانتشار الابتكارات، ورقمنة المعارف، كلها عوامل رئيسية في إرساء المجال الافتراضي الذي ما فتئ يحظى باهتمامات المؤسسات والأفراد على حد سواء.

وفي هذا الصدد، شكلت المواقع الإلكترونية موجة هائلة في الثورة التكنولوجية، فقد تزامنت مع الانتشار الواسع للشبكة العنكبوتية، الأمر الذي ساهم في وصولها إلى ثلاثين ترليون موقع، مقيمة بذلك فضاء شاسعًا للتنافس بين المواقع لجلب الزائرين وتقديم مواد ترضيهم، وتجعلهم من المتابعين للموقع ومن العاكفين على قضاء وقت كبير به.


وأصبح ذلك تحديًا حقيقيًا أمام المواقع، الأمر الذي أدى إلى تطورها شكلًا ومضمونًا فصار الإنترنت غنيًا بالمواقع العامة والمتخصصة في مجالات متعددة كالإعلام، والتثقيف عبر المكتبات، والموسوعات المرئية، والتعليم، والسياسة، والاقتصاد، والصحة، والرياضة، إضافة إلى المواقع الرسمية المعبرة عن الوزارات والإدارات الحكومية، وكذلك تلك المفتوحة للتعبير عن الآراء كمواقع التواصل الاجتماعي والمدونات الشخصية. وعلى ذات المنوال، أصبح ترتيب المواقع الإلكترونية يشغل بال مؤسسيها من أجل الارتقاء بمضمونها وتحقيق مكاسب تنافسية مقارنة بباقي المواقع، وكذلك ضمان استمراريتها وتطورها.

وبناءً على ما تقدم، تصدر مؤسسة أليكسا Alexa التابعة لمجموعة أمازون الشهيرة تقريرًا سنويا بمثابة "بارومتر" قياسي لترتيب المواقع الإلكترونية على مستوى العالم أجمع، محددةً المواقع ذات الصيت والمتابعة من طرف الناس، مع توضيح خصائص عديدة كعدد زائري الموقع الإلكتروني حسب كل دولة، وتصنيف المواقع حسب التخصصات، كما تشير إلى مدى اهتمام الشعوب بالمواقع، راسمةً بذلك توصيفا علميا لرأيها العام، عبر ترتيب المواقع الإلكترونية الذي يتم من خلال معرفة عدد زيارات الموقع، وعدد الصفحات التي تتم مشاهدتها ومدة زيارة الموقع.

وفي تقريرها الصادر سنة 2017، مازال غوغل محافظا على الريادة بعدما نجح في استراتيجيته التوسعية، فمحرك البحث المعروف اتجه نحو تقديم خدمات أخرى زاخرة وهامة تعنى بالإدارة، والتعليم، والاقتصاد، والمالية، والتخطيط وإدارة الوقت، والتواصل الاجتماعي، والتموقع الجغرافي، والترفيه، بينما حل يوتيوب في المرتبة الثانية بعدما حقق قفزات كبيرة خلال السنوات الأخيرة في عدد القنوات، والمشاهدات والاشتراكات، فيما احتل موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك المرتبة الثالثة، خاصة بعد توجهه نحو مجال المال والأعمال من خلال إطلاق تطبيق "فيسبوك في العمل"، و هي عبارة عن خدمة إلكترونية توفرها الأجهزة الذكية المعتمدة على نظامي أندرويد و آي أو أس، لتشكل بذلك شبكات تعاونية بين موظفين منتمين إلى مؤسسات مختلفة بهدف تبادل المعارف والخبرات، ومناقشة الموضوعات المهنية، وتواصل المهنيين المحترفين الساعين للارتقاء الوظيفي.

وعربيًا، يحتل الصدارة غوغل، ومواقع التواصل الاجتماعي والمواقع الإخبارية الإلكترونية والصحف الرقمية، بينما تغيب مواقع التجارة الإلكترونية ومواقع الإدارات الحكومية عن جل الدول العربية باستثناء دول الخليج، فيما تسجل أقل الزيارات العربية في الموسوعات الإلكترونية والمكتبات الرقمية على العكس من دول شمال أوروبا وشرق آسيا.

وعلى هذا الأساس، يعتبر التسويق ركيزة حقيقية وعماداً لنجاح المواقع الإلكترونية، حيث يستوجب على مؤسسي الموقع الإلكتروني الوصول إلى حاجيات المستخدمين من خلال ملامسة المعايير المحددة لهذه الفئة سواء الرقعة الجغرافية والسن والمستوى التعليمي، أو الطبقة الاجتماعية. ويتم ذلك عبر تجزئة لسوق المواقع الإلكترونية من خلال مجموعات منسجمة كسوق المواقع الإخبارية، وسوق المواقع التجارية، أو سوق المواقع الترفيهية، ثم استهدافًا لفئة من الزوار معتمدًا في ذلك على عدد الزوار ونوعيتهم والمردودية المحتملة، ثم مدى اهتمام المعلنين بتلك الفئة من المواقع.

بالإضافة إلى ما سبق، يرتكز التسويق على التموضع الاستراتيجي عبر توفير عرض مناسب يهتم بالجودة والتكلفة ويقدم صورة رمزية ذات دلالات تدافع عن قيم الموقع، علاوة على ضرورة ترويج الموقع من خلال التعريف به وتوضيح أهدافه وإسهاماته.

وإجمالًا، فالتسويق يبنى على تحليل علمي دقيق تتجلى مكوناته في دراسة السوق من خلال منهج منظم لجمع المعلومات الكافية لإنشاء موقع إلكتروني والتي تتعلق بطبيعة وحجم الطلب ومميزات وأعطاب المنافسين، وكذلك فرص وعوائق التواجد بالسوق، ثم الشروط السياسية والقانونية والمالية المطلوبة لتصميم موقع إلكتروني. إن نجاح الموقع الإلكتروني رهين بوجود إدارة تسويقية ذات كفاءة عالية تهتم بالمستوى والمحتوى، من خلال تصميم الموقع، وجوانبه الفنية، ووضوح الأقسام، ووجود روابط مختصرة، وسرعة التحميل، ومراعاة أحجام الشاشات، والاعتناء بالكلمات المفتاحية، والحضور الدائم والفاعل في مواقع التواصل الاجتماعي، وتعزيز انتماء الزوار للموقع، عبر إشراكهم في تطويره عبر استبيانات للتطور المستمر.
المساهمون