رمضان مصر... شوارع بلا زينة ومساجد بلا طقوس

23 ابريل 2020
محاولة لإضفاء بعض البهجة (خالد دسوقي/ فرانس برس)
+ الخط -

في السنوات الماضية، كانت فاطمة وصديقاتها يحرصنَ على أداء صلاة التراويح في ليالي رمضان بمعظمها، في مسجد السلطان حسن بوسط القاهرة. هناك اعتدنَ الشعور بأجواء شهر رمضان في ساحات المسجد الأثري، لا سيّما الراحة والسكينة فيما يأتي صوت الإمام محبّباً. وكانت الصديقات القاطنات في مدينة نصر ومصر الجديدة يترافقنَ إلى المسجد، وينسّقنَ ذلك من خلال مجموعة محادثة تجمعهنّ على تطبيق "واتساب" تحت اسم "صحبة خير". بالنسبة إلى هؤلاء النسوة، فإنّ المحادثات على مجموعة "صحبة خير" ستفتقد الكثير في هذا الشهر، بالتالي ستكون الذكريات هي سيّدة الموقف وسط كورونا

هناك، في ساحات مسجد السلطان حسن، كان المصلون يتجمّعون بعد أذان المغرب بقليل، بعضهم يحمل معه صناديق صغيرة من التمر والحلوى وعبوات مياه، فيما تحرص شابات على توزيع العصير بأكواب بلاستيكية على المصلين في فترات الراحة بين الركعات المتتالية. لكنّ الأمر لن يكون على حاله هذا العام. هؤلاء المصلّون كما فاطمة وصديقاتها لن يتمكّنوا من دخول ساحات السلطان حسن في ليالي رمضان، نظراً إلى قرارات الحكومة المصرية بمنع إقامة صلاتي التراويح والتهجد في المساجد وحتى الزوايا في الحارات والشوارع الضيقة، وذلك كإجراء احترازي لمنع انتشار فيروس كورونا الجديد.

ويأتي قرار المنع من ضمن حزمة قرارات أخرى صدرت الشهر الماضي، من بينها تعليق حركة الطيران من وإلى البلاد وفرض حظر تجوّل ليلي وتعليق العمل بالمدارس والجامعات والمصالح الحكومية غير الحيوية، بالإضافة إلى الحدّ من السحب النقدي من المصارف والصرّافات الآلية لتقليل التعامل بالأوراق النقدية، وسطة دعوات للمواطنين إلى العمل من المنازل وملازمتها قدر الإمكان والتقليل من الحركة بهدف تقليص احتمالات انتشار العدوى. ومن المتوقع أن يستمرّ ذلك طوال شهر رمضان وقد تُشدّد الإجراءات أكثر.



ولا يُحصر الأمر بمسجد السلطان حسن وحده، فالطقوس الرمضانية المميّزة في مساجد الأزهر والحسين والسيدة عائشة والسيدة نفيسة والسيدة زينب ومساجد آل البيت والمساجد الأثرية ستختفي هذا العام. كذلك فإنّ المطاعم والمقاهي التي تبقى ساهرة حتى وقت السحور في الخيامية والحسين والأزهر، لن تحتفل برمضان على خلفية تفشّي كورونا. وهذا الفيروس لم يحكم على المساجد بالإغلاق في وجه المصلين فقط، وكذلك على المطاعم والمقاهي، بل حكم كذلك على موائد الرحمن بالمنع وأطفأ أنوار الفوانيس المعلقة في الشوارع وعلى مداخل البيوت والمباني. فاختفت مظاهر الاحتفال في معظم أحياء القاهرة والجيزة.

وفي الأحياء التي يحرص أطفالها على تعليق زينة رمضان بين شرفاتها، رفرفت تلك بلا هتافات أغاني رمضان الشهيرة "رمضان جانا" و"مرحب شهر الصوم"، ومن دون تبادل الودّ والتهاني بين سكانها. فرمضان يحلّ بصمت هذا العام. واختفت نقاط بيع فوانيس رمضان من معظم شوارع وأحياء القاهرة والجيزة، كذلك الأمر بالنسبة إلى الباعة الجوالين بفوانيسهم الصغيرة والزينة الرمضانية. واقتصر بيع الفوانيس المحلية الصنع في بعض النقاط في أحياء السيدة زينب والخيامية والحسين، حيث تشتهر تلك الصناعة في ورش النحاس. يُذكر أنّ الفوانيس الصينية البلاستيكية لم تعد متوفّرة في الأسواق بفعل قرار وزاري يقضي بمنع استيراد أيّ سلع مشابهة من الخارج توفيراً للعملة الصعبة. وقد توقّع مراقبون في شعبة لعب الأطفال بغرفة القاهرة التجارية أن تتدنّى مبيعات الفوانيس هذا العام إلى أقلّ من نصف مثيلتها في المواسم السابقة.

وفي سياق متصل، ستفتقد الموائد الرمضانية هذا العام اللقاءات العائلية، تطبيقاً لقرارات التباعد الاجتماعي ومنع التجمّعات. وسيسود الصمت شوارع القاهرة الساهرة بعد أذان المغرب، فلا محال تجارية مفتوحة ولا مطاعم تستقبل الزبائن ولا مقاهي يسهر فيها الشباب حتى مطلع الفجر. وكان مجلس الوزراء المصري قد استبق حلول رمضان بإصدار حزمة تنبيهات خاصة به، نقلاً عن وزارة الأوقاف المصرية، من بينها أنّ "لا مجال على الإطلاق لرفع تعليق إقامة الجمع والجماعات، بما في ذلك صلاة التراويح خلال شهر رمضان، وأنّه لا مجال لفتح المساجد خلال الشهر الكريم مراعاة للمصلحة الشرعية المعتبرة التي تجعل من الحفاظ على النفس البشرية منطلقاً أصيلاً في كلّ ما تتخذه الوزارة من قرارات"، مع التأكيد أنّ "الخطر يكمن في التجمعات".



وقبل ساعات من حلول شهر رمضان، وجّهت الحكومة المصرية تعليماتها المشدّدة إلى كلّ المحافظين، بضرورة منع إقامة موائد الرحمن نهائياً والتي كان تُعَدّ سنوياً للفقراء والمحتاجين، وتكليف رؤساء الأحياء والقرى في كلّ المحافظات بمتابعة التعليمات وإحالة المخالفين إلى النيابة العامة للتحقيق معهم تحت طائلة الحبس. وقد عمد رؤساء أحياء إلى التنبيه شفوياً على عدد من الأشخاص المشهورين بإقامة موائد الرحمن بعدم فعل ذلك هذا العام. تجدر الإشارة إلى أنّ الهدف من تلك الموائد بحسب القائمين عليها هو توفير الإفطار لأكبر عدد ممكن من عابري السبيل قبل وصولهم إلى منازلهم، وكذلك للفقراء الذين لا يجدون قوت يومهم، فيما يُقام بعضها أمام المستشفيات. في هذا الإطار، يؤكد الحاج شعبان زكي لـ"العربي الجديد" أنّه ملتزم بقرار منع إقامة موائد الرحمن، على الرغم من أنّها بالنسبة إليه "أجدى بكثير من توزيع الشنط للفقراء بعدد من المناطق. فثمّة أشخاص كثيرون معوزون ولا يعلم أحد بهم. وهؤلاء يعرفون جيداً موائد الرحمن ويقصدونها. كذلك فإنّ ثمّة مئات من عابري السبيل على الطرقات يومياً، ليس أمامهم سوى موائد الرحمن لتناول الإفطار بسبب إغلاق المحال كلها مع أذان المغرب عادة".