23 أكتوبر 2024
رقعة سوتشي وعفرين.. البيدق سوري
ربما يبدو لعملية عفرين العسكرية التي تديرها تركيا، في شمال سورية، بمشاركة خجولة من فصائل تابعة للجيش السوري الحر، شكل الورطة، أكثر منها ورقة لجهة وجود إحدى الدول الضامنة في الملف السوري على الأرض مع حلفائها من المعارضة، ومن جهة أخرى للتخلص من الكيان الكردي السوري الموجود هناك، أحد خصوم تركيا، والذي استغنت عن دعمه روسيا ومن خلفها النظام السوري، إضافة إلى الولايات المتحدة التي صرّح المتحدث باسم التحالف الدولي فيها إن "عفرين خارج مناطق التحالف الدولي". كلام ربما تعتبره تركيا "علامة رضا" لإطلاق تلك العملية العسكرية في مدينة عفرين السورية الواقعة تحت سيطرة "وحدات حماية الشعب"، بينما يعبر الروس عن "قلقهم" بشأن هذا التحرك التركي، فيرد المتحدث باسم الحكومة التركية قائلاً: "سوف تضع عملية عفرين العسكرية نصب عينيها احترام وحدة
أراضي سورية وسيادتها ووحدتها السياسية، وسيجري الالتزام بهذه المبادئ طوال مدة العملية"، ثم كما حدث في مناطق "درع الفرات" سوف يقتسم العلم التركي كل الهيئات المحلية والسياسية والاجتماعية "المحرّرة" في عفرين كلها، تقديراً للتدخل التركي مع المعارضة السورية.
والسؤال هنا: لماذا تواجه عفرين هذه العزلة الدولية في مواجهة مصيرها، باعتبارها جزءا مستقلا جغرافياً وسياسياً خارج الثورة السورية؟ فالفصائل المعارضة تعتبر إدارتها "مليشيات انفصالية"، وتركيا تراها "منظمات إرهابية"، بينما دولياً ثمّة من اكتفى "بالقلق"! لمصيرها الحالي، وتحولت المدينة إلى ساحة تصفيةٍ بين تركيا والإدارة الذاتية للأكراد، بالتوازي مع انشغال موسكو بتحضيرات "مؤتمر سوتشي" إلى جانب قصفها الجوي المستمر مناطق سيطرة المعارضة في الغوطة الشرقية، وريف حماة الشمالي وريف إدلب الجنوبي. ولعل حدة المعارك في المنطقة الأخيرة أفضت لسيطرة النظام على مطار أبو الظهور العسكري، وبالتالي ضمان قاعدة جوية روسية جديدة لطرح سيناريوهات إدلب المقبلة.
من المرجّح أن موسكو تعلم بنوايا أنقرة، وما تهدف إليه من العملية التي ضخت لها تركيا إعلامياً تبريراتٍ متواصلة من نوع "ضرورات مكافحة الإرهاب"، وكان تجاوب الروس بسحب قواتهم العسكرية "منعاً لاستفزازات محتملة واستبعاد الخطر الذي قد يهدّد حياة الجنود الروس العاملين بفريق المصالحة هناك"، حسب ما صرحت وزارة الدفاع الروسية، ولكن ما يدور في الأروقة يختلف تماماً عن هذه الادعاءات، لأن الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، كان في زيارة لنظيره الروسي فلاديمير بوتين، على أرض سوتشي، وسبقتها زيارة لبشار الأسد بين 21 و22 نوفمبر/ تشرين الثاني الفائت، الأمر الذي يعكس مدى التنسيق والاتفاق على اقتسام المناطق بين الدول الضامنة – المحتلة للأراضي السورية، ناهيك عن خطابات تركيا المزعومة التي أُرسلت، عند بدء عملية اجتياح عفرين، ووجهت في حينها إلى عدة دول مؤثرة في الحرب السورية، أبرزها الولايات المتحدة وروسيا وإيران، إضافة إلى سفارة النظام في تركيا. لكن، من المستغرب أن هناك اتفاقاً على أخذ مناطق سورية جديدة إلى دوامة الصراع الدولي، وهو أمر لم يعد من خيارات السوريين، بل أصبح أمراً واقعاً تلعب عليه توازنات القوى المستفيدة من ديمومة القتل والدمار. وهنا نتوقف عند آخر تحرّك صدامي حدث لرتل عسكري تركي قرب مناطق "خفض التصعيد" في ريف حلب في بلدة العيس، حيث تم استهداف الرتل التركي من قوات النظام، استهداف يحمل رسائل روسية جديدة لتركيا والمعارضة السورية، أبرزها نهاية مؤتمر سوتشي. وبرأي موسكو أن الأتراك أفشلوه، وسوف يكون ردها على مناطق "خفض التصعيد"، بينما تستمر تركيا في عملياتها في عفرين. ولكن يحظر عليها الحديث مجدّداً عن أي اتفاق آخر من مزاعم "أستانة" لوقف إطلاق النار، إذ أصبحت رقعة المواجهات العسكرية على الأرض هي الحكم، وذلك ما تدركه تركيا تماماً.
بين حين وآخر، يطل أردوغان، ليؤكد أن بلاده تعمل إلى جانب "الجيش الحر"، وهذا أمر يدفعها بالتأكيد إلى رفع العلم التركي إلى جانب علم "الحر" في مناطق سورية، كانت تحت إدارة الحكم الذاتي الكردي بتنسيق روسي، وهذا ما لم يغفره حلفاء تركيا من الفصائل المعارضة، فتحرّك هؤلاء بات أقرب إلى المصالح التركية منذ "درع الفرات" حتى نهاية معارك عفرين التي ستحمل تأكيداتٍ كثيرة على أن الضحية الوحيدة في ذلك هي اقتسام المناطق حسب التوافقات الدولية، بغض النظر عن "المراهقة" السياسية التي دفعت الأكراد في عفرين إلى محرقة القومية في التلوث بصراع دولي، لن يتوقف عند الحجر والبشر، فالميدان هو البوصلة الدموية والبيدق على الرقعة التفاوضية يأخذ شكل السوري على ما يبدو..!
(كاتب سوري)
والسؤال هنا: لماذا تواجه عفرين هذه العزلة الدولية في مواجهة مصيرها، باعتبارها جزءا مستقلا جغرافياً وسياسياً خارج الثورة السورية؟ فالفصائل المعارضة تعتبر إدارتها "مليشيات انفصالية"، وتركيا تراها "منظمات إرهابية"، بينما دولياً ثمّة من اكتفى "بالقلق"! لمصيرها الحالي، وتحولت المدينة إلى ساحة تصفيةٍ بين تركيا والإدارة الذاتية للأكراد، بالتوازي مع انشغال موسكو بتحضيرات "مؤتمر سوتشي" إلى جانب قصفها الجوي المستمر مناطق سيطرة المعارضة في الغوطة الشرقية، وريف حماة الشمالي وريف إدلب الجنوبي. ولعل حدة المعارك في المنطقة الأخيرة أفضت لسيطرة النظام على مطار أبو الظهور العسكري، وبالتالي ضمان قاعدة جوية روسية جديدة لطرح سيناريوهات إدلب المقبلة.
من المرجّح أن موسكو تعلم بنوايا أنقرة، وما تهدف إليه من العملية التي ضخت لها تركيا إعلامياً تبريراتٍ متواصلة من نوع "ضرورات مكافحة الإرهاب"، وكان تجاوب الروس بسحب قواتهم العسكرية "منعاً لاستفزازات محتملة واستبعاد الخطر الذي قد يهدّد حياة الجنود الروس العاملين بفريق المصالحة هناك"، حسب ما صرحت وزارة الدفاع الروسية، ولكن ما يدور في الأروقة يختلف تماماً عن هذه الادعاءات، لأن الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، كان في زيارة لنظيره الروسي فلاديمير بوتين، على أرض سوتشي، وسبقتها زيارة لبشار الأسد بين 21 و22 نوفمبر/ تشرين الثاني الفائت، الأمر الذي يعكس مدى التنسيق والاتفاق على اقتسام المناطق بين الدول الضامنة – المحتلة للأراضي السورية، ناهيك عن خطابات تركيا المزعومة التي أُرسلت، عند بدء عملية اجتياح عفرين، ووجهت في حينها إلى عدة دول مؤثرة في الحرب السورية، أبرزها الولايات المتحدة وروسيا وإيران، إضافة إلى سفارة النظام في تركيا. لكن، من المستغرب أن هناك اتفاقاً على أخذ مناطق سورية جديدة إلى دوامة الصراع الدولي، وهو أمر لم يعد من خيارات السوريين، بل أصبح أمراً واقعاً تلعب عليه توازنات القوى المستفيدة من ديمومة القتل والدمار. وهنا نتوقف عند آخر تحرّك صدامي حدث لرتل عسكري تركي قرب مناطق "خفض التصعيد" في ريف حلب في بلدة العيس، حيث تم استهداف الرتل التركي من قوات النظام، استهداف يحمل رسائل روسية جديدة لتركيا والمعارضة السورية، أبرزها نهاية مؤتمر سوتشي. وبرأي موسكو أن الأتراك أفشلوه، وسوف يكون ردها على مناطق "خفض التصعيد"، بينما تستمر تركيا في عملياتها في عفرين. ولكن يحظر عليها الحديث مجدّداً عن أي اتفاق آخر من مزاعم "أستانة" لوقف إطلاق النار، إذ أصبحت رقعة المواجهات العسكرية على الأرض هي الحكم، وذلك ما تدركه تركيا تماماً.
بين حين وآخر، يطل أردوغان، ليؤكد أن بلاده تعمل إلى جانب "الجيش الحر"، وهذا أمر يدفعها بالتأكيد إلى رفع العلم التركي إلى جانب علم "الحر" في مناطق سورية، كانت تحت إدارة الحكم الذاتي الكردي بتنسيق روسي، وهذا ما لم يغفره حلفاء تركيا من الفصائل المعارضة، فتحرّك هؤلاء بات أقرب إلى المصالح التركية منذ "درع الفرات" حتى نهاية معارك عفرين التي ستحمل تأكيداتٍ كثيرة على أن الضحية الوحيدة في ذلك هي اقتسام المناطق حسب التوافقات الدولية، بغض النظر عن "المراهقة" السياسية التي دفعت الأكراد في عفرين إلى محرقة القومية في التلوث بصراع دولي، لن يتوقف عند الحجر والبشر، فالميدان هو البوصلة الدموية والبيدق على الرقعة التفاوضية يأخذ شكل السوري على ما يبدو..!
(كاتب سوري)