رقصة بولشوي في بيروت

10 فبراير 2018
+ الخط -
في السنوات الأخيرة، تحديداً التي تلت التدخل العسكري الروسي في سورية، بدءاً من 30 سبتمبر/ أيلول 2015، شكّل لبنان قاعدة خلفية، أو قاعدة إسناد ومراقبة لجيوش عدة، منها الأميركي الذي وجد على شكل مستشارين ومدربين في قاعدة رياق الجوية العسكرية اللبنانية (في منطقة البقاع)، ومنها البريطاني الذي انهمك بتشييد الأبراج على معظم مواقع الحدود بين لبنان وسورية، ومنها الروسي الذي حلّق مراراً فوق منطقة عكار الشمالية، حتى أنه تدخّل في تنفيذ غارات محدّدة على جرود عرسال اللبنانية أيام وجود عناصر "داعش" فيها. ولم يلغِ ذلك كله وجود ثلاثة "جيوش" أخرى: الجيش اللبناني، وحزب الله، وقوات الطوارئ الدولية (يونيفيل) في جنوب لبنان وفي البحر اللبناني.
لكن ذلك لم يكفِ، فقد أعلن، منتصف الأسبوع الحالي، رئيس الحكومة الروسية، ديمتري ميدفيديف، عن توقيع اتفاق تعاون عسكري بين لبنان وروسيا قريباً، على أن يتضمّن "إجراء تبادل وجهات النظر والمعلومات حول قضايا الدفاع، وتعزيز الثقة المتبادلة والأمن الدوليين وتعزيز مكافحة الإرهاب. وتطوير العلاقات في مجالات التدريب المشترك والدعم الهندسي والمعلوماتي والتعليم الطبي والعسكري، والتاريخ العسكري والطوبوغرافيا والهيدروغرافيا العسكرية، والرياضة، والثقافة". كما يقترح القرار أن "يتبادل الجيشان، الروسي واللبناني، زيارات بين الوفود، والمشاركة في المناورات العسكرية، أو الحضور بصفة مراقب، كما وعقد اجتماعات عمل للخبراء، وتدريب وتجهيز الأفراد العسكريين". بالإضافة إلى ذلك، وهو الجزء الأهم، ينص الاتفاق أيضاً على "فتح الموانئ اللبنانية أمام السفن والأساطيل العسكرية الروسية، وجعل المطارات اللبنانية محطة عبور للطائرات والمقاتلات الروسية، فضلاً عن إرسال خبراء عسكريين روس لتدريب وتعزيز قدرات أفراد الجيش اللبناني".
بدا من قرار ميدفيديف، وكأن "الأمر صدر" بضرورة الوجود العسكري الروسي في لبنان، كثاني موطئ قدم للروس في المياه الدافئة، أي البحر الأبيض المتوسط، بعد سورية. لبنان الذي اتُهم الإيرانيون بأنهم يسعون للوصل عبره إلى المتوسط. حدّد الروس ما يريدون: مطار القليعات في عكار، ومرفأ طرابلس الشمالي، ومرفأ بيروت ومطارها، مع دعم القاعدة البحرية العائدة للجيش اللبناني في العاصمة.
ومن شأن الوجود الروسي أن يطرح تساؤلاتٍ عدة، حول الدور الأميركي المستقبلي في ظلّ استمرار بناء أكبر سفارة أميركية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، في منطقة عوكر (شرقي بيروت)، وحول الدور الفرنسي الذي زُخّم عقب قضية رئيس الحكومة اللبناني، سعد الحريري، الذي أُجبر على الإقامة في السعودية في نوفمبر /تشرين الثاني الماضي، وحول دور حزب الله في كيفية التعاطي مع الروسي في لبنان، بعد سنوات من التواصل المباشر في سورية والعراق. الروس على علاقة متوازنة مع الجميع في الشرق الأوسط، ولا يملكون علاقاتٍ عدائية مع أي من دول الشرق الأوسط. وفي ذلك سيف ذو حدين، لأن من يمتلك هذه الميزة، بالإضافة إلى السلاح، لن يصبح حكماً، بقدر ما يكون "قائد أزمة" مستفيدٌ منها. وروسيا ـ فلاديمير بوتين قامت على "إدارة الأزمات"، من دون الانزلاق إلى مستنقع أي منها. هذا ما أظهرته اجتياح جورجيا (2008) وضمّ القرم الأوكرانية (2014) وسورية (2015 وحتى الآن).
ومن شأن الوجود الروسي في لبنان، أو بدء العمل عليه، في ظرفٍ دقيقٍ على الحدود الجنوبية للبنان مع فلسطين المحتلة، براً وبحراً، على خلفية البلوك رقم 9 النفطي اللبناني، والذي يزعم الاحتلال الإسرائيلي أن بعضه عائد إليه، أن يؤدي إلى تشابكٍ عسكريٍّ ما، يفضي إلى تكريس وقائع جديدة. يريد الروسي أن يكون هنا في أي منظومةٍ جديدة قد يفرزها الصراع بين لبنان والاحتلال الإسرائيلي. ومن الطبيعي أن هذا الوجود سيكون على حساب قوى أخرى، الإيراني والأميركي تحديداً. فعلياً عمل الروس على توسيع جبهتهم مع الغرب، من سان بطرسبرغ إلى قناة السويس. إنها رقصة بولشوي روسية في بيروت.
6F7A33BD-9207-4660-8AF7-0EF5E3A4CD6C
بيار عقيقي
صحافي لبناني، عمل في صحف ومجلات ودوريات ومواقع لبنانية وعربية عدّة. من فريق عمل قسم السياسة في الصحيفة الورقية لـ"العربي الجديد".