رعاعية جديدة

06 اغسطس 2015
سبهان آدم / سورية
+ الخط -

في الأفلام التي صَوَّرت "العصور الوسطى" الأوروبية، يتوازى حضور "محكمة التفتيش" مع المشاهد الرعاعية، كأن سطوة الخرافة والقمع، باسم مقدّسٍ ما، لا تتحقق بدون وجود رعاع.

كنا نظن أن كلمة رعاع، تعبير أفرزته الأخلاق السلطوية لقمع شريحة في أدنى هرم الطبقات. اليوم، وإذ لا مفر من الاعتراف بالظاهرة الرعاعية -بفضل تويتر وفيسبوك وأنستجرام؛ لا بد من التأكيد أنها لا تختص بطبقة بل تتمدّد على جميع الطبقات تقريباً. رعاع الطبقة الوسطى هم الأكثر انتفاخاً إلى جانب رعاع البرجوازية، بل إن هناك رعاعاً بنزعات أرستقراطية.

وفي حين تُظهر السينما رعاعية العصور الوسطى على هيئة حشود ملفّعة بالأسمال تتقاتل على سمكة فاسدة في أرض موحلة، فإن السمكة اليوم هي أي موضوع يتشاتم عليه جمهور "الإعلام الاجتماعي".

قبل قرابة ألف سنة، هال المتنبي مشهدٌ رعاعيّ لرجلين قتلا جرذاً، وقلباه على ظهره لتتجمع حشود حولهما معجبة بضخامة الجرذ القتيل. ولم يفت الشاعر أن يلحظ فخر "الكنانيّ والعامريّ" بمنجزهما.

وقتها، ترك أربعة أبيات ظاهرها تهكّم كاريكاتيري وباطنها تلمس حالة انحطاط حضاري:

"لقَدْ أصبحَ الجُرذُ المُسْتَغيرُ/ أسيرَ المنَايا صَريعَ العَطَبْ
رَمَاهُ الكنانيُّ وَالعَامِرِيُّ/ وَتَلاّهُ للوَجْهِ فِعل العَرَبْ
كِلا الرّجُلَينِ اتّلى قَتْلَهُ/ فَأيُّكُمَا غَلَّ حُرَّ السَّلَبْ
وَأيُّكُما كانَ مِنْ خَلْفِهِ/ فإنَّ بهِ عَضَّةً في الذّنَبْ"

جرذ وسمكة، بهما يُختصر مشهد الرعاعية الجديدة في "الفضاء" الافتراضي العربي.

المساهمون