وسط الاستخدام المكثف للدولار كأداة سياسية من قبل الرئيس الأميركي دونالد ترامب في الحظر الاقتصادي والمالي ضد الدول التي تخالفه الرأي، تقلّصت حصة الدولار في احتياطات البنوك المركزية العالمية.
وحسب تقرير صندوق النقد الدولي الخاص بالاحتياطات الرسمية للنقد بالبنوك المركزية العالمية في الربع الأخير من العام الماضي 2018، فإن حصة الدولار انخفضت إلى أقل مستوى لها منذ عام 2013.
ويقول التقرير الصادر مساء الجمعة، إن حصة الدولار في الربع الأخير من 2018 تقلصت بمعدل متواصل للمرة العاشرة، بينما ارتفعت حصة اليوان الصيني لتعكس التمدد التجاري والنقدي للتنين الآسيوي وقلق موسكو من مستقبل الحظر المتواصل على شركاتها وأرصدتها الخارجية.
وحسب تقرير الصندوق، بلغت حصة الدولار في احتياطات البنوك المركزية العالمية في الربع الأخير نسبة 61.7%، مقارنة بنسبة 61.9% في الربع الثالث. ووفقاً لحسابات مصرف غولدمان ساكس، فإن هذا الانخفاض في حصة الدولار يقدر بنحو 50 مليار دولار.
وحسب تقرير للمصرف الأميركي فإن الدولار بهذا التراجع يكون قد خسر حصة 3.7% منذ نهاية عام 2016، كما خسر نسبة 1% خلال العام الماضي وحده. ولاحظ مصرف الاستثمار أن كلاً من اليورو والين الياباني واليوان استفادت من تقلص حصة الدولار، حيث ارتفعت نسبتها في الاحتياطات العالمية لدى البنوك المركزية. لكن الارتفاع الإجمالي لها كان بنسبة متواضعة لم تتعد حصة 1.9%. لكن حصة اليوان تضاعفت خلال الربع الأخير من العام الماضي مقارنة بما كانت عليه قبل عامين.
يذكر أن ترامب، استخدم الدولار خلال العامين الماضيين بكثافة في تمرير أجندته السياسية، عبر الحظر التجاري والمالي والتهديد بتدمير اقتصادات بعض الدول التي تخالفه الرأي.
وهذه السياسات أضرت بحصة العملة الأميركية. كما أن ارتفاع سعر صرف الدولار خلال عام 2017 وبقوة، جعل العديد من دول الاقتصادات الناشئة تلجأ إلى اتخاذ تدابير قللت بموجبها استخدام الدولار في التجارة، خاصة في دول مثل تركيا وإندونيسيا والهند.
لكن في مقابل هذا الرأي، يرى خبير أسواق الصرف بمصرف "دويتشه بانك" الألماني، آلن ريسكن، أن التحول من الدولار ليس كبيراً ولا يشكل خطراً على موقف الورقة الخضراء.
ويقول مصرف "غولدمان ساكس" في تعليقه على تقرير الصندوق، إن مديري الاحتياطات بالمصارف المركزية العالمية رفعوا حصة مشترياتهم من العملة الأوروبية "اليورو"، على الرغم من الاضطرابات والمصاعب الاقتصادية في دول الاتحاد الأوروبي وتباطؤ الاقتصاد الألماني.
يذكر أن منطقة اليورو تعاني من اضطرابات سياسية عديدة، ففي فرنسا تتواصل احتجاجات "السترات الصفراء" وبعنف، كما ترفض ايطاليا التقيد بقوانين العجز في الميزانية الذي أقرته المفوضية الأوروبية وهناك مخاوف من سيطرة الأحزاب اليمينية المتطرفة والحركات الشعبوية على انتخابات البرلمان الأوروبي التي ستجرى في مايو/ أيار المقبل. ولكن على الرغم من ذلك ارتفعت حصة اليورو في الاحتياطات العالمية، لتعكس حجم القلق من الدولار.
وأدت هذه الضغوط، حسب مصرف "غولدمان ساكس"، إلى توجه البنوك المركزية في آسيا إلى شراء أدوات المال اليابانية من أسهم وسندات، إذ نظرت لليوان كـ"ملاذ آمن"، كما أن انخفاض سعر صرف اليوان مقابل الدولار خلال العام الماضي، أغرى البنوك المركزية بتحقيق أرباح من الاستثمار فيه وفي أدواته.
وعلى صعيد حصة اليوان التي تضاعفت منذ عام 2016، يرى مصرف غولدمان ساكس أن تحول روسيا من الدولار خلال العامين الماضيين، هو السبب الرئيسي في ارتفاع حصة اليوان. ولكن محللين آخرين يرون أن التمدد التجاري الصيني، خاصة عبر صفقات مبادرة "الحزام والطريق" وإنشاء بورصة للذهب في شنغهاي وبورصة نفط تجرى فيها العقود الآجلة باليوان المدعوم بالذهب، كانت من أهم العوامل التي رفعت حصة اليوان في احتياطات المصارف المركزية العالمية.
وفي هذا الصدد ذكرت صحيفة "وول ستريت جورنال" أن نسبة حسابات الأفراد والشركات بالعملات الأجنبية في البنوك الروسية انخفضت في سبتمبر/ أيلول إلى 26%.
وبالإضافة إلى أن نسبة حصة عائدات التصدير بالدولار انخفضت أيضاً إلى 68% بالمقارنة مع 80% في عام 2013. كما تظهر التجارة المتنامية بسرعة بين روسيا والصين انخفاض الاعتماد على الدولار، وزادت التجارة الثنائية بالروبل واليوان خلال السنوات الأربع الماضية أربعة أضعاف تقريبا.