رشيد طه: لن نقول وداعاً

12 سبتمبر 2018
(جوردي فيدال/Getty)
+ الخط -
لو كان مُتاحاً إطلاق تسمية أُخرى على المطرب الجزائري رشيد طه (1958 - 2018)، فستكون: المُبهج. ذلك بفضل نوعية الموسيقى التي يقدّمها وتُجبر سامعها على الرقص، حتى ولو كانت حزينة. من حركته على المسرح، من تلك العلاقة الإنسانية التي ربطته بمن حوله وإليهم ذلك الجمهور الذي يلقاه مُصادفة في الشارع أو في أي مكان.

كتبت الممثلة المصرية دنيا ماهر فور علمها بخبر وفاة رشيد طه على فيسبوك: "قابلت رشيد طه مرة في فرنسا، كان نازل في نفس الأوتيل. الدنيا كانت تلج وهو واقف بيدخن قدام الفندق. طلعت راسي برة الباب وقلتله بحبك يا رشيد بَصّلّي بكل برنسة وقالي وأنا كذلك". أضافت بطلة مسلسل "واحة الغروب" أنها منذ ذلك الوقت "غلاوته زادت في قلبي الله يرحمه".

هذه التلقائية في الرد على عبارة مُربكة إنما تعكس، في الأساس، تلك الروح البسيطة التي كان يملكها. وفي مسافة أُخرى، يمكن الحديث عن الناس العاديين، في اليمن مثلاً، وكانوا يرقصون مع أغنيات طه وهم حتّى لا يفهمون غالبية كلماتها.


في ذلك الزمان الماضي في "اليمن السعيد" وفي صنعاء على وجه الخصوص، كان المركز الثقافي الفرنسي يُقيم حفلات غنائية على نحو اعتيادي، كان أهل المركز يقتنصون مناسبة ليقيموا حفلات موسيقية: أعياد الثورة الفرنسية أو عيد الموسيقى أو لمناسبة حضور فنان فرنسي إلى صنعاء. لكن اللافت أن البهجة لم تكن تحضر إلا بمجيء صوت رشيد طه ولو عبر سمّاعات صوت ضخمة تُعيد إحياء حضوره في المكان وكأنه موجود. كل هذا على الرغم من كون معظمهم لا يفهمون الكلمات التي يُغنّيها طه. هي تلك البهجة النابعة من داخل صوته وتلك "البحّة" الطالعة من داخله وتجذب الناس العاديين.

لكن مع ذلك لا يمكن إغفال السبب الأول لانتشار رشيد طه في المنطقة العربية، بأنه حصل عبر أُغنية مفهومة المفردات إلى حد بعيد، وهي "يا رايح وين مسافر"، والتي تمّت فيها إعادة تقديم أغنية الراحل الجزائري دحمان الحراشي. كلماتها مفهومة، أو لنقل إنها مكتوبة بلهجة بيضاء يمكن لأي مُستمع أن يُدرك معناها على نحو واسع. وكذلك عبر أُغنية "عبد القادر"، وقد حصل هذا في حفلة أسطورية حصلت في فرنسا بين الشاب خالد وفضيل ورشيد طه. وهي الحفلة نفسها التي حققت أرقاماً قياسية في الانتشار (1998) عبر الأسطوانات التي بيعت وحملت عنوان "1، 2، 3 شموس".

وقبل كل هذا، عند الحديث عن رحيل هذا "المُبهج"، لا يمكن تناسي رحلة التعب التي خاضها في حياته. في فرنسا بعدما هاجر مع عائلته إلى بلد فولتير، لمس الأسى والأذيّة وتجاوزهما. لم يكن غريباً والحال هذه أن يكون فاعلاً في تأسيس فرقة غنائية سمّاها "بطاقة إقامة"/ Carte de Séjour.

وبعد ذلك قام بتأسيس نفسه على نحو منفرد. لكنه رغم كل العذاب الذي مرّ به لم يُطلق على نفسه صفة "الناشط الحقوقي" أو "السياسي". لقد كان مطرباً فقط. بصوته كان يعيد، ولو على نحو متخيّل، الحق لأصحابه وله شخصيا. لا ننسى تحفته "Algerian Tango".

في عمل له صدر في 2013 سمّاه "زووم"، فيه أُغنية مُفتتِحة للألبوم سماها "وش نعمُول"، أي ماذا أفعل؟ يحكي فيها عن امرأة تركته (مجازياً) لكن الإسقاط سيبدو واضحاً في الكلمات التالية: "كل الليالي أنتظر الليالي، كل صباح أطرح السؤال، كيف يسير العالم؟ إيش نعمُول! الدنيا مشت وخلّتني. من أنا! هل أنا قبيح، هل أنا عربي، هل أنا أوروبي، هل أنا أسود! قلبي دائماً صافي..."، ويُغنّي: "هذا يوم أسود في حياتي"، وُيكمل "اليوم إضراب، نسافر للنجوم مع حبيبي".

رشيد طه.. لن نقول وداعاً.

دلالات
المساهمون