رشيدة داتي لـ"العربي الجديد": رحيل الأسد ليس مسألة عاجلة

28 مايو 2016
داتي: فرنسا غائبة عن المشهد السياسي الدولي(ليونيل بونافونتور/فرانس برس)
+ الخط -
تؤكد رشيدة داتي، عضو البرلمان الأوروبي، وزيرة العدل الفرنسية سابقاً، والقيادية البارزة في حزب الجمهوريين الفرنسي، في مقابلة مع "العربي الجديد"، على هامش مشاركتها في منتدى الدوحة السادس عشر، على أولوية إنهاء المأساة الإنسانية الناجمة عن القضية السورية، فضلاً عن حديثها حول ضرورة التفاوض مع النظام السوري وانتقادها الأداء الفرنسي إزاء هذه الملف. أما في موضوع الإرهاب، فتعتبر داتي أن العرب ضحايا الإرهاب وعليهم تبنّي موقف موحد ضده. وفي الشأن الداخلي الفرنسي تشدد داتي على أن كل الاحتمالات واردة في الرئاسيات الفرنسية المقبلة، متعهدة بتغيير جوهري في السياسة الفرنسية إزاء العرب في حال عودة حزبها إلى قصر الإليزيه.

وفي ما يلي نص المقابلة:

* شاركت أخيراً في منتدى الدوحة السادس عشر. من وجهة نظرك، أين تكمن أهمية مثل هذه المنتديات؟

نظم هذا المنتدى في قلب منطقة استراتيجية، وليس في باريس أو بروكسل أو لندن. أعتقد أن من الأهمية بمكان المجيء إلى هنا للمشاركة في هذا المنتدى. ثم إن هذه "التظاهرة" تكتسب أهميتها أيضاً من راهنية القضية التي تبحثها، وهي الأمن. إذ لا أمن بدون استقرار وازدهار يستفيد منهما الجميع. كما أن جميع المتدخلين في هذا المنتدى من مستوى عال ومن مختلف الدول المنخرطة أو المعنية بقضايا الأمن. كان المنتدى فرصة لنا لتبادل الخبرات مع أشخاص لا تتاح لنا فرصة اللقاء بهم بانتظام، وبعضهم لم نكن نعرفهم أصلاً.
المنتدى، إذن، يتيح فرصة التحاور مع شخصيات رفيعة المستوى حول قضايا الساعة. إنه منتدى هام جداً من مستوى رفيع يعقد في منطقة استراتيجية.

* أين تكمن هذه الأهمية عملياً؟
تكمن هذه الأهمية في التباحث مع أطراف عدة قد تكون أحياناً معارضة لنا في الموقف، وليس في هذا تناقض أبداً، إذ لكل طرف انتماءاته السياسية ورؤيته المختلفة للأشياء ومقاربته الخاصة للأمور. ومن الأهمية بمكان الاطلاع على المقاربات والمواقف المتبناة من كل طرف للعمل على تنسيقها وتقريبها. على سبيل المثال، تحدث وزير الشؤون الخارجية الإسباني السابق ميغيل أنخيل موراتينوس عن ضرورة البحث عن السلام بدل الأمن بدعوى أنه لا أمن بدون سلام. لكنني شخصياً أعتبر أن لا سلام بدون أمن.

* كيف يمكن ترجمة هذه المقاربة عملياً؟
كنت وزيرة للعدل في بلد يواجه تحديات أمنية. لذلك، يغلب التوجه الأمني على موقفي من هذه القضية. يجب بحث أسباب اللاأمن، وهذا ما ذهب إليه جميع رؤساء الدول المشاركين في منتدى الدوحة. تتمثل هذه الأسباب في اللامساواة وسوء توزيع الثروة ومشاكل القضاء وغياب دولة القانون وغياب الديمقراطية في بعض الدول. هذه عوامل تغذي التطرف الذي يمكن أن يقود إلى الإرهاب.
قبل عشر سنوات، كان لكل دولة موقفها وتعريفها للتحديات الأمنية. ما كانت تعاني منه أفريقيا، مثلاً، لا علاقة له بما تشهد الدول العربية، وينطبق هذا الأمر أيضاً على أوروبا والولايات المتحدة الأميركية. أما الآن، فقد صار الجميع يواجه المشاكل نفسها.


*بما في ذلك فرنسا؟

طبعاً. هناك الأمن البيئي والتغير المناخي والأزمات الصحية كالأوبية مثل "إيبولا" و"زيكا". العالم برمته معني بهذه القضايا.
في السابق، بقينا فترة طويلة منهمكين في إيجاد حل للصراع الفلسطيني الإسرائيلي. والآن لم نعد نتحدث عنه. صرنا مستنزفين بالإرهاب الذي انتشر في كل بقاع العالم.


*لكن ما يتعرض له الفلسطينيون إرهاب أيضاً؟

الصراع لا يزال مستمراً. لكن ما حصل أننا نمر من نزاع إلى آخر، معتقدين أن الشيء الذي يخبو الحديث عنه لم يعد موجوداً. وهذا غير صحيح.


*بالنسبة إليك، ما هي المقاربة المثالية لمواجهة الإرهاب؟

قلت في خطابي في منتدى الدوحة إنه لا توجد وصفة سحرية للقضاء على الإرهاب. شيء واحد أؤمن به وهو الإرادة السياسية. مثلاً، أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني مهتم جداً بالصراع في اليمن، وهذا يبين أنه عندما تتوفر الإرادة السياسية تكون أقوى من كل القوانين التي يمكن سنّها. إصدار القوانين لا يعني أنها ستطبق بالضرورة. الإرادة السياسية أهم ميزة لأي رجل دولة.

*ما مدى توفر هذه الإرادة السياسية عالمياً؟
حقيقة، توجد حالياً رؤى مختلفة وتراجعات كثيرة، بعضها لأسباب أنانية وبعضها الآخر عن جهل. أعتقد أنه لم يعد لنا خيار باستثناء تقوية التعاون والجلوس إلى طاولة الحوار للتصدي للتحديات التي تواجه العالم. أتذكر أن لوران فابيوس، وزير الشؤون الخارجية الفرنسية، صرّح، عندما بدأت الأزمة السورية، بأن الأسد سيرحل في غضون أسابيع. لكن مرت 5 سنوات ولم يحدث هذا. لا بد من توخي الدقة في بلورة مقاربة فعالة لمواجهة الإرهاب. مقاربة تبتعد عن إعطاء الدروس أو الازدراء أو متابعة الأحداث من بعيد. المطلوب الانخراط عملياً في أي مقاربة لمواجهة هذه التحديات.

*كيف يمكن الوصول إلى هذا المستوى من التنسيق ضد الإرهاب؟
يجب أن تجلس جميع الدول إلى طاولة الحوار لبلورة مقاربة موحدة. يلزم أيضاً أن نقبل بالمجيء إلى هذه الدول. صحيح أن انتقادات توجه إلى دول الخليج، لكن هذه الانتقادات تصدر عن شخصيات تجهل حقيقة هذه الدول. شخصياً، زرت العراق وسورية وليبيا وأفغانستان، وأعرف هذه المنطقة جيداً.


*تحدثت عن أسباب الإرهاب. هل تفسر تلك الأسباب ما يحدث في فرنسا؟

أسباب الإرهاب كثيرة، وهذا ينطبق على فرنسا أيضاً. مثلاً، الأشخاص الذين نفذوا عمليات إرهابية في فرنسا أو اعتقلوا بتهمة الإرهاب ينتمون إلى شتى فئات المجتمع. بعضهم لم يكن معلوماً لدى أجهزة الاستخبارات. وبعض من اعتقلوا على ذمة الإرهاب سبق أن أدينوا بارتكاب جرائم مدنية ترقى إلى جنايات. لا يمكن رسم "بروفايل" واحد ووحيد للإرهابي. لكن علينا العمل على تشخيص المشاكل التي تغذي الإرهاب وحلحلتها.


* لكن بعد كل اعتداءات أو تفجيرات إرهابية في فرنسا، ولا سيما في تفجيرات 13 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، توجه أصابع الاتهام إلى المسلمين؟

ولا يزال هذا حال فرنسا حتى الساعة. لكن يجب عدم الوقوع في هذا الفخ الذي يريد الإرهابيون أن يوقعوا فيه المسلمين والمجتمع الدولي. لماذا؟ لأنهم يريدون أن يقولوا للمسلمين: انظروا، إنكم منبوذون، فتعالوا معنا نهاجم الغرب.


*هل وقعت الحكومة الفرنسية في هذا الفخ، خصوصاً عندما اقترح الرئيس فرانسوا هولاند مشروع قانون ينزع الجنسية عمن يتورط في أعمال إرهابية؟

شخصياً، كنت ضد ذلك القانون. كان خطأ فادحاً، ولذلك آل إلى الفشل بعدما تشكل وعي جماعي بأنه ليس الحل الأمثل لردع الإرهاب. في المقابل، يزعزع الأبرياء غير المعنيين بالإرهاب.


*فرنسا تعاني أيضاً من مشكل كبير في الضواحي التي يقطنها عرب وأفارقة. الضواحي تشهد فوارق اجتماعية كبيرة وتوجه إليها أيضاً أصابع الاتهام.

فرنسا تعاني، على غرار جميع الدول الأوروبية، من مشاكل لإدماج الجاليات في المجتمع المحلي وغياب المساواة. يجب أن يواجه ضعف المساواة بمحاربة التمييز وإقرار المساواة أمام القضاء بمحاكمتهم وفق القوانين المعمول بها وليس بأحكام مسبقة. هذا ما نحاول القيام به منذ سنوات، وقد ركزت عليه عندما كنت وزيرة للعدل. وأتمنى أن يعود اليمين إلى السلطة لمواصلة تنفيذ هذه البرامج.

*بتقديرك، ما هي الوضعية الحالية للضواحي؟
تفاقمت الأوضاع في الضواحي. اللامساواة تعمقت والتمييز زاد وارتفعت نسبة الفقر. لا بد من وضع حد لهذا.

*ما هي خطتك للنهوض بهذه الضواحي؟
يجب أن نبدأ بالمدرسة عبر تمكين جميع الأطفال من الدخول إلى المدرسة ومحاربة الهدر المدرسي وضعف التدريب. لا بد من برامج تدعم المساواة.

*معظم اللاجئين سيسكنون على الأرجح الضواحي. هل سيعمق توافدهم على أوروبا الأوضاع في هذه المناطق المهمشة؟
الجميع يتساءل: هل نستقبل اللاجئين أم يعودون أدراجهم من حيث أتوا؟ المشكل لا يكمن في اللاجئين. سيتوافد منهم المزيد طالما لم تحل الأزمة السورية. وليس سورية وحدها، هناك أيضا ليبيا والعراق. لا حل لأزمة اللاجئين بدون إنهاء هذه الأزمات.

*الاتحاد الأوروبي أبرم أخيراً اتفاقاً مع تركيا بخصوص اللاجئين

أعتبر أن هذا الاتفاق لن يعالج أي شيء، لأنه يفوض لتركيا تراجيدياً. أما الحل فيكمن في إنهاء السبب الحقيقي لهذه المأساة، وأعني بذلك ما يحدث في سورية والعراق وأفغانستان التي تشهد تنامياً للأنشطة الإرهابية. يجب معالجة هذه المشاكل في منبعها، وإلا تواصل توافد اللاجئين بأعداد غفيرة على أوروبا، وهو ما تنجم عنه مآس إنسانية، وازدهار شباك تهريب البشر التي تجني أموالاً طائلة على حساب الأبرياء، وتنامي تزوير الوثائق الرسمية وتسلل عناصر إرهابية إلى أوروبا. كل هذه العوامل تزيد، على الجانب الآخر، الشعبوية والعنصرية والخوف. ولمواجهة كل هذه المخاطر، يلزم إنهاء السبب الأصلي لهذه المأساة.


*كيف يتأتى ذلك؟ 
لا بد من التفاوض مع النظام السوري. حالياً، لا حوار مع بوتين على الرغم من أنه في قلب ما يحصل في سورية.

*بدون رحيل الأسد؟

رحيل الأسد ليس حاجة مستعجلة. في كل الأحوال، سيرحل في نهاية المطاف. إذا لم يرحل بإرادة المجتمع الدولي، فسيأتي يوم يحاسب فيه بموجب محاكمة دولية. الأولوية حالياً لإنهاء هذه المأساة الإنسانية.

*بخصوص سورية، كيف تقومين سياسة فرنسا، بقيادة الاشتراكيين، إزاء سورية؟
لا سياسة فرنسية إزاء سورية حالياً.

 

 

*ما تقويمك لأداء فرانسوا هولاند على بعد نحو سنة من نهاية ولايته؟
لدينا مستويات قياسية من البطالة واحتجاجات اجتماعية يومية تقريباً تصاحبها أحياناً أعمال عنف وارتفاع في التمييز والفقر.

*مشروع القانون الجديد للعمل من أهم أسباب ما تشهده فرنسا من احتجاجات. ما توقعاتك بشأن مصير هذا المشروع؟
شابت خروق كثيرة هذا المشروع منذ الوهلة الأولى، لم تفاوض الحكومة أحداً بشأنه، ولذلك لن يقبل أي طرف. إنه مشروع فارغ. وأعتقد أن الحكومة ستتراجع عنه. الواقع أنه يلزم إصلاح عميق لسوق العمل مع إعادة النظر في النظام التعليمي الذي لا يرسخ المساواة. نعاني أيضاً في فرنسا من مشكل في السجون، إذ يتعين بناء سجون جديدة لتحسين ظروف الاعتقال. سياسياً، يجب أن تسترجع فرنسا مكانتها اللائقة بها عالمياً.

*ماذا ستغيرون (كحزب) في السياسة الخارجية الفرنسية في حال عدتم إلى قصر الإليزيه؟
ستطاول التغييرات كل شيء. فرنسا غائبة حالياً عن المشهد السياسي الأوروبي والدولي.


*أين ستتجلى هذه التغيرات إزاء الأزمة السورية مثلاً؟

يجب تقديم مقترح، يجلس الأطراف إلى طاولة المفاوضات، مع التفاوض مع بوتين واستعادة الدور الريادي لفرنسا أوروبياً.

*هل انتزعت برلين هذا الدور من باريس؟
لا، لأن ألمانيا أضعفت أيضاً بسبب سوء تدبير أزمة اللاجئين.


*بخصوص الرئاسيات المقبلة. هل ستدعمين نيكولا ساركوزي في الانتخابات التمهيدية لحزب الجمهوريين المقرر إجراؤها في أكتوبر/تشرين الأول المقبل؟

لم يقدم نيكولا ساركوزي ترشيحه بعد. سننتظر شهر أكتوبر لمعرفة المرشحين للانتخابات التمهيدية للرئاسيات عن حزب الجمهوريين.


*هل يمكن أن تترشحي لرئاسة فرنسا؟

أتمنى أن يأتي يوم تمثل فيه فرنسا بمن تستحق على أعلى المستويات. ثمة أقلية في فرنسا لم تستوعب بعد أن البلاد تغيرت كثيراً، ويرفضون الإقرار بذلك. من كان يتصور، قبل فترة قصيرة، أن تترشح سيدة للرئاسة. في فرنسا، ترشحت سيغولين روايال من قبل، والآن هيلاري كلينتون في الولايات المتحدة، كما أن أنجيلا ميركل مستشارة في ألمانيا. وتذكّروا من انتخب أخيراً عمدة للندن (صادق خان). هذه تحولات استثنائية.

*هل تتوقعين مفاجأة من الجبهة الوطنية خلال الرئاسيات المقبلة؟
كل الاحتمالات واردة. فقد علمتني السياسة أن كل شيء ممكن حتى آخر لحظة. ولذلك، لا أستبعد أي سيناريو.

*ما الذي يدعم الجبهة الوطنية ويمنحها هذا الحضور القوي؟
عندما لا يفي السياسيون بوعودهم، يخيب أمل المواطنين. وعندما يجربون جميع الأحزاب دون جدوى، يعاقبونها بالتصويت للمتطرفين. هل تعتقدون أن الذين يصوتون للجبهة الوطنية يصوتون على برنامج؟ لا، إنهم يصوتون، في معظم الأحيان، غضباً وسخطاً على الأحزاب الأخرى.

*في حال انتصار حزبكم في الانتخابات الرئاسية المقبلة، ما الذي سيتغير في السياسة الفرنسية إزاء العرب؟
كل شيء. العالم تغير. من كان يتصور أن تعود إيران إلى الساحة الدولية. ومن كان يجرؤ على التنبؤ بأن العراق سيقسم. ومن كان يتوقع نشأة داعش؟
كل شيء إذن قابل للتغيير. الدول العربية جميعها هي ضحية الإرهاب حالياً. لكنها مقسّمة. وبدل العمل على معالجة قضايا الإرهاب، سيتواجه العرب فيما بينهم. سيكون مفيداً تبني الدول العربية موقفاً موحداً إزاء هذه القضية.

المساهمون