في العتمة ثمة نقطة ضوء دائماً، هي في تونس انتخاب قيس سعيّد رئيساً. لطالما كان للجزائريين شغف مشترك وعميق بالديمقراطية مع الأشقاء في تونس، ذاك الشغف هو جزء من قواسم مشتركة كثيرة بين شعبين وضعهما قدر الجغرافية على الخريطة وربطهم التاريخ بعرى اللغة والدين والرصيد النضالي المشترك المخطوط بالدم في ساقية سيدي يوسف.
مع هذا الشغف الذي يتقاسمه الشعبان من تلمسان إلى بنزرت، ومن تمنراست إلى رمادة، بل في كامل مغربنا العربي، من تطوان إلى أقصى بنغازي، ومن عين قزام إلى جربة، ثمة خيبة تؤلم الشعب في الجزائر أكثر من أي شعب عربي، ذلك أنه عندما كانت تونس تفتح باباً للدكتاتورية عام 1989 وما قبلها، كانت الجزائر تفتح باباً للديمقراطية في العام نفسه، لكنها كانت تجربة عاثرة ومتعثّرة افتقدت إلى أساساتها اللازمة، ولم تتح للجزائريين فرصة لإنجاز انتقال ديمقراطي سليم.
خاض الشعب الجزائري كما التونسي تجربة الدولة الوطنية بنجاحاتها وإخفاقاتها، لكنها انتهت إلى دولة شمولية، وإلى أنظمة ركّزت كل صور الحكم الفردي وصبّت في رصيد المؤسسات الأمنية والعسكرية مزيداً من الهيمنة على الخيارات والمسارات والمقدرات، وألغت الكثير من مساحات الحريات وأهدرت على الشعبين وقتاً وفرصاً كثيرة للإقلاع والعودة إلى مسارات التاريخ التي تدور ولا تنتظر.
الآن وقد حملك التونسيون إلى قصر قرطاج وتوجتك الصناديق رئيساً، بات الخصر الشرقي لبلدنا الجزائر آمناً، وقد كان يُخشى أن يؤتى منه على حين غرة قبلاً. غمرت السعادة الجزائريين وهم يسمعون منك احترامك الشديد لبلدهم وقد جمعتهم والشعب التونسي الشدائد معاً في أكثر من محطة، وأنت تعلن أن بلدنا الجزائر سيكون أول بلد تزوره، وترسم فلسطين خطاً أحمر، تملكّهم الفخر وهم يشاهدون شعباً شقيقاً وجاراً ينجز انتقاله الديمقراطي بسلاسة، ويكتب سطراً جديداً في تجربة الشعوب العربية المقهورة، ويعلن أن العقل السياسي العربي ليس مجبولاً على الإخفاق ويمكنه أن ينتج حالة ديمقراطية لا تقل عراقة عن تجارب باقي الشعوب التي يحترمها التاريخ.
لا يجوز الحسد بين الشعوب، لكنه يجوز هنا، في الديمقراطية وفي الرجال الذين ترفعهم شعوبهم باحترام وتقدير، وعبر الصناديق الشفافة إلى سدة الحكم لا على أي أمر آخر. في الجزائر حيث الشعب يخوض حراكه التاريخي الوحدوي، ويرافع لأجل حقه في الديمقراطية، ليس فيه أكثر من تطلّع وأمل بتحويل هذا الشغف الديمقراطي إلى حقيقة في الراهن الجزائري، وكل الجزائريين على قناعة أن الديمقراطية في تونس تحتاج أيضاً إلى جارٍ ديمقراطي قطعاً، وإلى مغرب ديمقراطي كبير تتحقق فيه طموحات المؤسسين المغاربيين الأوائل في مؤتمر طنجة.
هذا زمن الشعوب وقد دقت ساعة ثورة الصناديق هنا والشارع هناك، بعدما انكسرت الثورات المضادة التي تسللت من ثقوب الديمقراطيات الفتية والتجارب الناشئة. وإذا كان الزمن التونسي قد أعاد عقارب الساعة إلى موضعها، فإن الزمن الجزائري يتحرك ولا بد إلى الوضع نفسه وحتماً، ذلك أن من يقاوم حركة التاريخ إنما يخوض حربه الخاسرة مع الشعوب، ومثلما كانت الجزائر فجراً تحررياً، تكون تونس فجراً ديمقراطياً جديداً. هذا زمن الشعوب نعم، لكنه زمن الرجال أيضاً للحفاظ على الساعة الديمقراطية.
مع هذا الشغف الذي يتقاسمه الشعبان من تلمسان إلى بنزرت، ومن تمنراست إلى رمادة، بل في كامل مغربنا العربي، من تطوان إلى أقصى بنغازي، ومن عين قزام إلى جربة، ثمة خيبة تؤلم الشعب في الجزائر أكثر من أي شعب عربي، ذلك أنه عندما كانت تونس تفتح باباً للدكتاتورية عام 1989 وما قبلها، كانت الجزائر تفتح باباً للديمقراطية في العام نفسه، لكنها كانت تجربة عاثرة ومتعثّرة افتقدت إلى أساساتها اللازمة، ولم تتح للجزائريين فرصة لإنجاز انتقال ديمقراطي سليم.
خاض الشعب الجزائري كما التونسي تجربة الدولة الوطنية بنجاحاتها وإخفاقاتها، لكنها انتهت إلى دولة شمولية، وإلى أنظمة ركّزت كل صور الحكم الفردي وصبّت في رصيد المؤسسات الأمنية والعسكرية مزيداً من الهيمنة على الخيارات والمسارات والمقدرات، وألغت الكثير من مساحات الحريات وأهدرت على الشعبين وقتاً وفرصاً كثيرة للإقلاع والعودة إلى مسارات التاريخ التي تدور ولا تنتظر.
الآن وقد حملك التونسيون إلى قصر قرطاج وتوجتك الصناديق رئيساً، بات الخصر الشرقي لبلدنا الجزائر آمناً، وقد كان يُخشى أن يؤتى منه على حين غرة قبلاً. غمرت السعادة الجزائريين وهم يسمعون منك احترامك الشديد لبلدهم وقد جمعتهم والشعب التونسي الشدائد معاً في أكثر من محطة، وأنت تعلن أن بلدنا الجزائر سيكون أول بلد تزوره، وترسم فلسطين خطاً أحمر، تملكّهم الفخر وهم يشاهدون شعباً شقيقاً وجاراً ينجز انتقاله الديمقراطي بسلاسة، ويكتب سطراً جديداً في تجربة الشعوب العربية المقهورة، ويعلن أن العقل السياسي العربي ليس مجبولاً على الإخفاق ويمكنه أن ينتج حالة ديمقراطية لا تقل عراقة عن تجارب باقي الشعوب التي يحترمها التاريخ.
لا يجوز الحسد بين الشعوب، لكنه يجوز هنا، في الديمقراطية وفي الرجال الذين ترفعهم شعوبهم باحترام وتقدير، وعبر الصناديق الشفافة إلى سدة الحكم لا على أي أمر آخر. في الجزائر حيث الشعب يخوض حراكه التاريخي الوحدوي، ويرافع لأجل حقه في الديمقراطية، ليس فيه أكثر من تطلّع وأمل بتحويل هذا الشغف الديمقراطي إلى حقيقة في الراهن الجزائري، وكل الجزائريين على قناعة أن الديمقراطية في تونس تحتاج أيضاً إلى جارٍ ديمقراطي قطعاً، وإلى مغرب ديمقراطي كبير تتحقق فيه طموحات المؤسسين المغاربيين الأوائل في مؤتمر طنجة.
هذا زمن الشعوب وقد دقت ساعة ثورة الصناديق هنا والشارع هناك، بعدما انكسرت الثورات المضادة التي تسللت من ثقوب الديمقراطيات الفتية والتجارب الناشئة. وإذا كان الزمن التونسي قد أعاد عقارب الساعة إلى موضعها، فإن الزمن الجزائري يتحرك ولا بد إلى الوضع نفسه وحتماً، ذلك أن من يقاوم حركة التاريخ إنما يخوض حربه الخاسرة مع الشعوب، ومثلما كانت الجزائر فجراً تحررياً، تكون تونس فجراً ديمقراطياً جديداً. هذا زمن الشعوب نعم، لكنه زمن الرجال أيضاً للحفاظ على الساعة الديمقراطية.