تكشف رسائل المرشحة الحالية للرئاسة الأميركية، هيلاري كلينتون، التي بدأ موقع "ويكيليكس" نشرها، أن الوضع الليبي كان الموضوع الأكثر إثارة لقلق كلينتون خلال ولايتها في وزارة الخارجية، إضافة إلى التطورات في مصر بعد ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011. وبدأ موقع "ويكيليكس" الأميركي المتخصص في التسريبات السرية، نشر ما يزيد على خمسين ألف صفحة تتضمن أكثر من ثلاثين ألف رسالة صادرة من البريد الإلكتروني لكلينتون، أو واردة إليه، خلال السنوات التي كانت تتولى فيها منصب وزيرة الخارجية الأميركية وما بعد تلك الفترة، وعلى وجه التحديد من منتصف عام 2010 حتى أواخر صيف عام 2014.
وفي دلالة على أن الهجوم الإرهابي على المنشآت الدبلوماسية الأميركية في مدينة بنغازي الليبية في الحادي عشر من سبتمبر/أيلول عام 2012 كان على رأس المسائل التي تؤرق كلينتون في تلك الفترة، حازت ليبيا نصيب الأسد من حيث ورود ذكرها في تلك المراسلات. ولم تغب أية دولة عربية عن الورود في طياتها، لكن ليبيا تكرّر ذكرها 1620 مرة ولم تنافسها في كثافة اهتمام كلينتون بها سوى جارتها مصر التي ورد ذكرها 1461 مرة، ثم العراق 1099 مرة، وما عدا ذلك من الدول العربية فقد حازت أرقاما تقل عن الألف. ولم يصل عدد المرات التي ورد ذكر سورية في مراسلات كلينتون إلى الألف، لكنها تجاوزت عدد مرات ورود السعودية التي تكرر ذكرها 717 مرة.
ولأن فترة كتابة الرسائل تزامنت مع تطورات ثورات الربيع العربي، فقد تلقت كلينتون أو أرسلت، ما يقارب الخمسمائة رسالة تتعلق بتونس، وما يقارب هذا العدد حول اليمن، وهما دولتان من دول الربيع العربي. أما بقية الدول العربية الخارجة عن نطاق الربيع العربي التي حازت اهتمام كلينتون، فهي قطر والسودان ولبنان والأردن وفلسطين، في حين أن أقل الدول العربية وروداً في مراسلات كلينتون من بين هذه الدول، كانت جزر القمر وجيبوتي وموريتانيا. وحظيت البحرين ودولة الإمارات والصومال باهتمام متوسط، كما الكويت والمغرب والجزائر. أما سلطنة عمان فقد وردت في مراسلات كلينتون 76 مرة فقط، ولكن ذلك لا يدل على عدم الاهتمام بها من جانب الخارجية الأميركية، بقدر ما يؤشر على الوضع المستقر الذي لم يستدعِ أن يرسل مساعدو كلينتون تقاريرهم إليها عما يجري في سلطنة عمان.
وتستعرض "العربي الجديد" عيّنات من أبرز ما ورد في مراسلات كلينتون، التي لا يُستبعد أن يؤدي التحقيق الرسمي الذي فتحه مكتب التحقيقات الفيدرالي "إف بي آي" فيها، إلى إدانتها بالجرم أو الإهمال، لأنها لم تستخدم السيرفر المأمون التابع للخارجية الأميركية، بل كلّفت القسم التقني التابع للوزارة بإنشاء سيرفر خاص بها، وهو ما اعتبره الجمهوريون الذين يهمهم تصيّد أخطاء كلينتون، مخالفة قانونية توجب العقاب، كون هذه المخالفة أدت إلى تسريب معلومات حكومية لم يكن يجب أن يطلع عليها العامة، وإن لم يتم تصنيفها في خانة السرية.
هجوم بنغازي
قبل مقتل السفير الأميركي في ليبيا، كريس ستيفنز، مع ثلاثة أميركيين آخرين، اثنان منهم من رجال وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي أي)، لم يرد ذكر ليبيا سوى في عدد محدود من المرات، أما بعد الهجوم على بنغازي وحتى بعد مغادرة كلينتون لمنصبها بعدة شهور، فقد كان جلّ الرسائل الإلكترونية له علاقة بالجدل الدائر بشأن الهجوم بصورة أو بأخرى، بما في ذلك رصد بعض التحليلات الواردة في الصحافة العربية التي كان بعض المقربين من كلينتون يحرصون على إطلاعها عليها وينتقون منها ما يتعلق بالهجوم وتداعياته وخلفياته.
وتتضمن الرسائل الصادرة من كلينتون إلى مساعديها، ما يؤكد أنها قامت بدور كبير في تأليب الرأي العام الدولي على العقيد الليبي معمر القذافي وأقاربه وأعوانه، وكانت تخطط لإحالته وإياهم إلى محاكمة دولية، لولا أنه لقي مصرعه فلم يعد هناك حاجة لاستكمال الخطط.
اقرأ أيضاً: "إف بي آي" يقترب من التحقيق مع هيلاري كلينتون
لقاءات سرية مع "الإخوان"
في ما يتعلق بمصر، كانت وزيرة الخارجية الأميركية السابقة تتلقى تقارير شبه يومية وشبه سرية عن الوضع الداخلي في مصر خلال الشهور التي تلت ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011 وما بعدها. ففي رسالة سرية تلقتها كلينتون، في 14 يوليو/تموز 2012، تم إبلاغها بمعلومات مهمة من مصادر حساسة للغاية، حسب وصف الرسالة، جاء فيها أن لقاءات سرية تمت في وقت مبكر من شهر يوليو/تموز من ذلك العام بين ضباط كبار في المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وبين مكتب المرشد لجماعة "الإخوان المسلمين" بعد فوز حزب "الحرية والعدالة" بالانتخابات واختيار محمد مرسي رئيساً لمصر. وتركزت اللقاءات حول اختيار لجنة لصياغة دستور يحدد أدوار مختلف الأطراف الفاعلة. ويؤكد ضباط المجلس العسكري أن قائدهم، المشير محمد حسين طنطاوي لا يطمح إلى حكم مصر، لكنه يطالب بتأكيدات أن وضع كبار الضباط في المجتمع المصري سوف يحترم، وأن المزايا المالية التي يحصلون عليها لن يتم إنقاصها أو فرض السيطرة عليها. ويقول التقرير أن دعوة مرسي لإعادة الحياة البرلمانية كانت بمثابة مفاجأة للمجلس العسكري.
وجاء في التقرير أن ضباط المجلس العسكري يراقبون الوضع من خلال مصادر سرية، ويتوقعون أن يكون الصراع ساخناً في ما بعد. ويؤكد أحد المصادر، أن مرسي لديه إشكالية مع قادة السعودية، الذين تربطهم علاقة مناصرة للسلفيين في حزب "النور"، وأن السعودية قدّمت قروضاً عاجلة للمجلس العسكري المؤقت، ولكن هذا قد ينتهي إذا بدأ مرسي يعادي السلفيين. وخلاصة التقرير أن "الإخوان" يعتقدون أن الجيش في نهاية المطاف ملك للشعب وليس لضباط المجلس العسكري، ويخشى الضباط أن يطالب "الإخوان" بالإشراف على الجيش، وعند هذه النقطة سوف يتطور الصراع الخفي بين "الإخوان" والمجلس العسكري، حسب قول المصدر الذي يشغل موقعاً حساساً للغاية، وفق الرسالة.
كما تكشف رسائل أخرى عن الأوضاع في مصر، الظروف التي دفعت ضباط المجلس العسكري إلى مخالفة توجّهات طنطاوي والعودة للاستيلاء على الحكم بالقوة. إضافة إلى رسائل متعلقة ببقية دول الربيع العربي انطلاقاً من تونس وانتهاء بسورية واليمن، ولماذا ورد ذكر الناشطة اليمنية توكل كرمان في رسائل كلينتون أكثر مما ورد اسم الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح، وما هي العوامل التي شجّعت كلينتون على استقبال كرمان في مكتبها بالخارجية الأميركية، وهو ما فتح باب البيت الأبيض أمامها عام 2012.
اقرأ أيضاً: "واشنطن بوست": ليبيا قصة فشل أميركي ستلاحق الرئيس المقبل