01 فبراير 2019
رسائل خطاب العرش في المغرب
في خطاب الملك محمد السادس، يوم السبت الماضي، احتفظ المتن السياسي الملكي بالنبرة نفسها للجيل الجديد من الخطب: فقرات قصيرة مكتوبة بلغة جد بسيطة، ونفس نقدي قوي. في المضمون، ولأن المناسبة شرط، فخطاب ذكرى جلوس الملك على العرش لم يخرج عن العادة، باعتباره خطاباً للحصيلة في مجالات السياستين، الداخلية والخارجية.
خطب العرش، أخيراً، هي كذلك فرصة للتعرف على تمثل الملك صلاحياته، وسلطته الخاصة، على ضوء التوزيع الجديد للصلاحيات داخل السلطة التنفيذية، كما جاء به دستور 2011.
هنا، يريد الخطاب السياسي للمؤسسة الملكية أن ينخرط في سجل وظيفة الإشراف الاستراتيجي، وتقييم أداء باقي المؤسسات والفاعلين، وينشغل بتدبير الزمن "المستمر"، البعيد المدى والذي يتجاوز الزمن الانتخابي ومنطق الولايات الحكومية. لذلك، قدم الخطاب، بعد أن وضّح المسافة التي تفصل المؤسسة الملكية عن الأحزاب والرهانات الانتخابية، محاولةً لإعادة تأطير الصراع الانتخابي والسياسي، عبر نزع الطابع الدراماتيكي عنه، وإعادة تعريفه بعيداً عن وضعية حرب الجميع ضد الجميع، أو حالة "القيامة"، حيث "لا أحد يعرف الآخر، والجميع حكومة وأحزاباً، مرشحين وناخبين، يفقدون صوابهم، ويدخلون في فوضى وصراعات، لا علاقة لها بحرية الاختيار التي يمثلها الانتخاب".
هو إذن خطاب التهدئة الذي يعطي للاستحقاق الانتخابي التشريعي لأكتوبر/تشرين الأول المقبل، حجمه الطبيعي، ولا يحوله إلى لحظةٍ لنهاية العالم، لكنه كذلك خطاب التأطير، حيث يبدو الملك، يقوم بوظيفة ضبط الحقل السياسي والمشهد الحزبي، عبر تحديد أدوار الأحزاب في عملية الترشيح للانتخابات، وتأطير الأداء الانتخابي لأحزاب الأغلبية والمعارضة، والتذكير بوظائف الإدارة والحكومة والقضاء في الاستحقاقات الانتخابية، والتعبير العلني عن حالة الاستغراب من بعض الانزياحات الخطابية للفاعلين.
لم يبتعد الخطاب كذلك عن قاعدة " القرب" من حيث التقاط انشغالات الرأي العام. وهنا، لا يمكن قراءة الفقرات المتعلقة بالفساد بعيداً عن تداعيات ما عرف في الصحافة المغربية بفضيحة "خدام الدولة"، كنايةً عمّا أثير من تفويت أراضٍ شاسعة في الملكية الخاصة للدولة إلى بعض المحظوظين. وهنا، حدّد الملك مرجعية محاربة الفساد وإطارها، المرجعية المنطلقة من المفهوم الجديد للسلطة، ومن ربط المسؤولية بالمحاسبة، والإطار المتمثل في تطبيق القانون، مع التنبيه إلى بعض منزلقات تدبير قضايا الفساد، مثل تحولها إلى موضوع للمزايدات، أو معالجتها بعيداً عن منطق القانون، أو اعتبارها قضية فردٍ أو حزبٍ أو جهةٍ لوحدها.
ولعل أقوى لحظات الخطاب، في هذا الشق المرتبط بالفساد، تتعلق بما يُستفاد من الحديث عن "العصمة"، وهو ما يعني أن لا أحد محصنٌ من المسؤولية والمحاسبة. المثير في الخطاب الثلاثين من يوليو/ تموز الماضي، وهو يتعرّض للمسألة الأمنية، الإشارة الواضحة إلى التحذير من جعل أمن المغرب موضوعاً "لصراعاتٍ فارغة"، وذلك بعد التأكيد على ضرورة التنسيق بين المصالح الأمنية، الداخلية والخارجية، ومع القوات المسلحة الملكية، وبعد التعبير عن التقدير الملكي للجهود الدؤوبة والتضحيات الجسيمة لهذه المصالح، والإشادة بفعاليتها. وهنا، إذا كان التنسيق بين المصالح الأمنية قد شكّل إحدى عناصر العقيدة الأمنية لما بعد الضربة الإرهابية التي هزت الدار البيضاء يوم 16 مايو/أيار 2003، فإن وتيرة هذا التنسيق تسارعت، بشكل واضح، في السنوات الأخيرة، وهو ما يؤشر ربما، بوضوح، إلى نضج التفكير في تنصيب المجلس الأعلى للأمن، والذي ينص عليه الفصل 54 من الدستور، باعتباره هيئةً للتشاور بشأن استراتيجيات الأمنين، الداخلي والخارجي، للبلاد.
خطب العرش، أخيراً، هي كذلك فرصة للتعرف على تمثل الملك صلاحياته، وسلطته الخاصة، على ضوء التوزيع الجديد للصلاحيات داخل السلطة التنفيذية، كما جاء به دستور 2011.
هنا، يريد الخطاب السياسي للمؤسسة الملكية أن ينخرط في سجل وظيفة الإشراف الاستراتيجي، وتقييم أداء باقي المؤسسات والفاعلين، وينشغل بتدبير الزمن "المستمر"، البعيد المدى والذي يتجاوز الزمن الانتخابي ومنطق الولايات الحكومية. لذلك، قدم الخطاب، بعد أن وضّح المسافة التي تفصل المؤسسة الملكية عن الأحزاب والرهانات الانتخابية، محاولةً لإعادة تأطير الصراع الانتخابي والسياسي، عبر نزع الطابع الدراماتيكي عنه، وإعادة تعريفه بعيداً عن وضعية حرب الجميع ضد الجميع، أو حالة "القيامة"، حيث "لا أحد يعرف الآخر، والجميع حكومة وأحزاباً، مرشحين وناخبين، يفقدون صوابهم، ويدخلون في فوضى وصراعات، لا علاقة لها بحرية الاختيار التي يمثلها الانتخاب".
هو إذن خطاب التهدئة الذي يعطي للاستحقاق الانتخابي التشريعي لأكتوبر/تشرين الأول المقبل، حجمه الطبيعي، ولا يحوله إلى لحظةٍ لنهاية العالم، لكنه كذلك خطاب التأطير، حيث يبدو الملك، يقوم بوظيفة ضبط الحقل السياسي والمشهد الحزبي، عبر تحديد أدوار الأحزاب في عملية الترشيح للانتخابات، وتأطير الأداء الانتخابي لأحزاب الأغلبية والمعارضة، والتذكير بوظائف الإدارة والحكومة والقضاء في الاستحقاقات الانتخابية، والتعبير العلني عن حالة الاستغراب من بعض الانزياحات الخطابية للفاعلين.
لم يبتعد الخطاب كذلك عن قاعدة " القرب" من حيث التقاط انشغالات الرأي العام. وهنا، لا يمكن قراءة الفقرات المتعلقة بالفساد بعيداً عن تداعيات ما عرف في الصحافة المغربية بفضيحة "خدام الدولة"، كنايةً عمّا أثير من تفويت أراضٍ شاسعة في الملكية الخاصة للدولة إلى بعض المحظوظين. وهنا، حدّد الملك مرجعية محاربة الفساد وإطارها، المرجعية المنطلقة من المفهوم الجديد للسلطة، ومن ربط المسؤولية بالمحاسبة، والإطار المتمثل في تطبيق القانون، مع التنبيه إلى بعض منزلقات تدبير قضايا الفساد، مثل تحولها إلى موضوع للمزايدات، أو معالجتها بعيداً عن منطق القانون، أو اعتبارها قضية فردٍ أو حزبٍ أو جهةٍ لوحدها.
ولعل أقوى لحظات الخطاب، في هذا الشق المرتبط بالفساد، تتعلق بما يُستفاد من الحديث عن "العصمة"، وهو ما يعني أن لا أحد محصنٌ من المسؤولية والمحاسبة. المثير في الخطاب الثلاثين من يوليو/ تموز الماضي، وهو يتعرّض للمسألة الأمنية، الإشارة الواضحة إلى التحذير من جعل أمن المغرب موضوعاً "لصراعاتٍ فارغة"، وذلك بعد التأكيد على ضرورة التنسيق بين المصالح الأمنية، الداخلية والخارجية، ومع القوات المسلحة الملكية، وبعد التعبير عن التقدير الملكي للجهود الدؤوبة والتضحيات الجسيمة لهذه المصالح، والإشادة بفعاليتها. وهنا، إذا كان التنسيق بين المصالح الأمنية قد شكّل إحدى عناصر العقيدة الأمنية لما بعد الضربة الإرهابية التي هزت الدار البيضاء يوم 16 مايو/أيار 2003، فإن وتيرة هذا التنسيق تسارعت، بشكل واضح، في السنوات الأخيرة، وهو ما يؤشر ربما، بوضوح، إلى نضج التفكير في تنصيب المجلس الأعلى للأمن، والذي ينص عليه الفصل 54 من الدستور، باعتباره هيئةً للتشاور بشأن استراتيجيات الأمنين، الداخلي والخارجي، للبلاد.