23 سبتمبر 2024
رسائل بوتين في إعلان انسحابٍ من سورية
أعلن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، بدء انسحاب قوات بلاده من سورية، وأن تدخّل بلاده العسكري حقق معظم أهدافه، بعد مضي قرابة ستة أشهر، أي ضعف المدة التي كانت موسكو قد حدّدتها لتدخلها. وجاء الإعلان مفاجئاً، ويكتنف تداعياته وخلفياته غموضٌ كثير، ففي وقتٍ ذهب بعضهم فيه إلى اعتباره خطوةً تجاه تسوية سياسية، اعتبره آخرون يعكس رغبةً روسيةً بعدم التورّط في المستنقع السوري إلى ما لا نهاية. وقد جاء إعلان بوتين الانسحاب، ولا تزال قبضة الأسد على سورية مهتزة، واقتصاد روسيا الذي تأثر بانخفاض أسعار النفط، يتوقع أن ينكمش بنسبة 1 في المئة، هذا العام، وأن يواجه ركوداً طويل المدى، ولا تزال العقوبات التي فرضها الاتحاد الأوروبي على روسيا بسبب عدوانها في أوكرانيا مستمرة أيضا.
كان الهدف من التدخل العسكري الروسي إنقاذ نظام الأسد من السقوط، وإضعاف أعدائه، فقد تمكنت روسيا من إضعاف فصائل الجيش الحر في مناطق شمال سورية. وعلى رغم من تمكين مليشيات كردية انفصالية من بسط سيطرتها ونفوذها على مناطق شاسعة لم تكن تحلم بها، تمتد من شرق سورية إلى غربها، إلا أنها فشلت في عزل تركيا عن كامل الشمال السوري. وإضافةً إلى إنقاذها الأسد في سورية، أرادت روسيا ضمان مصالحها، وعرض قواتها العسكرية، واختبارها، بالإضافة إلى استهداف التنظيمات المتطرفة، بسبب مشاركة المواطنين الروس في نشاطها، كما حاول بوتين ربط تحركاته في سورية بملفاتٍ أخرى، مثل نزاع أوكرانيا، والخلافات مع الاتحاد الأوروبي والعقوبات الغربية على روسيا.
عملت روسيا في تدخلها العسكري في سورية على تحقيق أهدافٍ جيوستراتيجية، وقد نجحت، إلى حد كبير، فيها، على الرغم من فشلها في تحقيق بعض تلك الأهداف، وجاء قرار إعلان الانسحاب، في ظل انخفاض أسعار النفط الذي ألحق ضرراً كبيراً بالاقتصاد الروسي، كما أن موسكو تدرك أنها تغوص، يوماً بعد يوم، أكثر فأكثر، في التفاصيل السورية التي تتحوّل إلى مستنقع، وقلق بوتين من أن أكثر من طرفٍ إقليمي ودولي يرغب في جعل التدخل الروسي في سورية يتحوّل، مع مرور الوقت، إلى استنزاف.
واللافت أن شعبية بوتين ارتفعت إلى ما يقارب 85%، بعد ما كانت 60%، بفضل سرعته في تنفيذ العملية، وإنجاز بعض أهدافها، بعيدًا عن تكبد الخسائر وهزّ هيبة روسيا، كما حدث في أفغانستان في ثمانينيات القرن الماضي.
كما أحدثت روسيا، على صعيد الجبهة الخارجية، صدى قوياً لنفسها، حيث حققت جزءاً كبيراً من أهدافها في سورية، وأنزلت كميات ضخمة من الصواريخ العابرة للقارات من بحر قزوين إلى البحر الأبيض المتوسط، وأضافت إلى قاعدة طرطوس العسكرية قاعدة حميميم، وحدّت، إلى حدٍّ كبير، نشاط أنقرة في الشمال السوري، الأمر الذي أعاق تحرّك تركيا في استهداف الامتداد السوري لحزب العمال الكردستاني، المصنف إرهابياً في تركيا وحلف الناتو، في مليشيات كردية انفصالية. وبالتالي، أسهمت في إضعاف قوات المعارضة المعتدلة على عدد من الجبهات، نتيجة انقطاع الدعم اللوجستي البري والجوي الذي كانت تقدمه تركيا، أو الأطراف الأخرى، من خلال الأراضي التركية إلى قوات المعارضة.
وقد تزامن إعلان بوتين مع استئناف محادثات جنيف، ويمكن أن يكون هذا التوقيت مهماً، حيث
يرى مراقبون إعلان روسيا الانسحاب، بالتزامن مع بدء مفاوضات جنيف، رسالة إلى الأطراف الإقليمية بالدرجة الأولى التي اعتبرت أن روسيا، بتدخلها العسكري، أبعدت الحل السياسي، وعقدت الوضع السوري المعقد أصلاً. كما أن إعلان الانسحاب جاء بعد اتهاماتٍ لروسيا، من منظمات دولية، بارتكاب جرائم ترتقي إلى جرائم حرب، فهي بإعلانها الانسحاب، ترفع يدها، ولو "إعلامياً" عما ستقوم به لاحقاً، وهي، بكل تأكيد، لن تتوقف عن شن الغارات الجوية، بل وستشارك بفعاليةٍ في أي معارك مقبلة، خصوصاً ضد تنظيم الدولة الإسلامية ورافضي التفاوض مع الأسد.
كما يمكن تفسير قرار بوتين بأنه عكس إرهاقاً متزايداً من الغوص المتواصل في الحرب، وقد ذهب مسؤولون كبار في إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما إلى القول إن تدخل موسكو كان يمكن أن تترتب عليه نتيجة غير مقصودة في جر روسيا إلى مستنقع الحرب واستعداء السنة على امتداد المنطقة، وهو ثمنٌ ربما لا يكون بوتين قادراً على دفعه.
بالإضافة إلى أن روسيا فشلت في إحداث أزمة لاجئين لبعض الدول الأوروبية، والتي تتصدّر فرض العقوبات على موسكو، لموقفها في أوكرانيا، بسبب الاتفاق التركي الألماني حول اللاجئين السوريين، وفشلها في جعل قوات الأسد تبسط سيطرتها الكاملة على مدينة حلب، والنجاح الكبير الذي حققته برياً، كان في ريف اللاذقية، أما في القلمون ودير الزور وريف حلب، بقيت الخارطة العسكرية متشابكة.
وصحيح أن روسيا جاءت إلى سورية بقواتها، لتعزيز سلطة الأسد، إلا أن الأشهر الستة الماضية عكست شيئاً آخر أيضا، وكان أخطر ما قامت به إضعاف الجيش الحر، وزرع بذرة مشروع تمزيق سورية في خريطة قصفها الجوي المكثف، حيث رسمت حدوداً جديدة، بدعمها مليشيات كردية، وجعلتها أمراً و اقعاً في سيطرتها على مناطق تقطنها أغلبية عربية مطلقة، لتحقيق التواصل الجغرافي الذي تفتقده المناطق التي سبق أن كانت تحت سيطرتها، فهي لم تكن تمتلك أي مقومات جغرافية، أو ديمغرافية لإقامة أي كيان فيدرالي أو انفصالي، إلا أن ذلك تغيّر جزئياً بعد التدخل الروسي. وبذلك، لا تضع موسكو فقط حدود تمزيق سورية، وإنما تقوّض سلطة الأسد على كامل سورية، والتي جاءت لتعزيزها، بالإضافة إلى أن قواعدها في اللاذقية وطرطوس استطاعت تأمين وجود مشروع مستقبلي لدويلةٍ علويةٍ، أو ما بات يطلق عليه سورية المفيدة.
الأكيد أن لا أحد، على وجه الدقة، يعلم حجم القوات التي أدخلتها روسيا إلى سورية. وبالتالي، من الصعب معرفة عن أي انسحاب تتكلم موسكو. ولمعرفة حقيقة إعلانها الانسحاب، لا بد من مراقبة سلوكها في الفترة القريبة المقبلة، لا سيما إعلان بوتين بقاء قوةٍ لحماية قاعدتيه العسكريتين في سورية، من دون تحديد حجمها، ما يعني أنه انسحب إعلامياً، ليبقى فعلياً.
تبقى الإشارة إلى رسالة مهمة أراد بوتين بإعلان الانسحاب من سورية توجيهها إلى الداخل الروسي، ولاسيما إلى جنرالات وزارة الدفاع، بأنه صاحب الكلمة العليا في روسيا، ولاسيما بعد ما تردّد عن إمكانية أن يكون حادث إسقاط الطائرة الروسية التي قالت تركيا إنها اخترقت أجواءها، كان نتيجة تنافس بين جنرالات البلدين، ولا يعكس حقيقة موقف القيادة السياسية في موسكو أو أنقرة. وتؤكد ذلك مؤشرات التهدئة مع الأتراك التي باتت تصدر من موسكو، بعد إعلان الانسحاب من سورية، وجديدها من ماريا زاخاروفا، المتحدثة الرسمية لوزارة لخارجية الروسية، أن الأزمة بين روسيا وتركيا عابرة.
كان الهدف من التدخل العسكري الروسي إنقاذ نظام الأسد من السقوط، وإضعاف أعدائه، فقد تمكنت روسيا من إضعاف فصائل الجيش الحر في مناطق شمال سورية. وعلى رغم من تمكين مليشيات كردية انفصالية من بسط سيطرتها ونفوذها على مناطق شاسعة لم تكن تحلم بها، تمتد من شرق سورية إلى غربها، إلا أنها فشلت في عزل تركيا عن كامل الشمال السوري. وإضافةً إلى إنقاذها الأسد في سورية، أرادت روسيا ضمان مصالحها، وعرض قواتها العسكرية، واختبارها، بالإضافة إلى استهداف التنظيمات المتطرفة، بسبب مشاركة المواطنين الروس في نشاطها، كما حاول بوتين ربط تحركاته في سورية بملفاتٍ أخرى، مثل نزاع أوكرانيا، والخلافات مع الاتحاد الأوروبي والعقوبات الغربية على روسيا.
عملت روسيا في تدخلها العسكري في سورية على تحقيق أهدافٍ جيوستراتيجية، وقد نجحت، إلى حد كبير، فيها، على الرغم من فشلها في تحقيق بعض تلك الأهداف، وجاء قرار إعلان الانسحاب، في ظل انخفاض أسعار النفط الذي ألحق ضرراً كبيراً بالاقتصاد الروسي، كما أن موسكو تدرك أنها تغوص، يوماً بعد يوم، أكثر فأكثر، في التفاصيل السورية التي تتحوّل إلى مستنقع، وقلق بوتين من أن أكثر من طرفٍ إقليمي ودولي يرغب في جعل التدخل الروسي في سورية يتحوّل، مع مرور الوقت، إلى استنزاف.
واللافت أن شعبية بوتين ارتفعت إلى ما يقارب 85%، بعد ما كانت 60%، بفضل سرعته في تنفيذ العملية، وإنجاز بعض أهدافها، بعيدًا عن تكبد الخسائر وهزّ هيبة روسيا، كما حدث في أفغانستان في ثمانينيات القرن الماضي.
كما أحدثت روسيا، على صعيد الجبهة الخارجية، صدى قوياً لنفسها، حيث حققت جزءاً كبيراً من أهدافها في سورية، وأنزلت كميات ضخمة من الصواريخ العابرة للقارات من بحر قزوين إلى البحر الأبيض المتوسط، وأضافت إلى قاعدة طرطوس العسكرية قاعدة حميميم، وحدّت، إلى حدٍّ كبير، نشاط أنقرة في الشمال السوري، الأمر الذي أعاق تحرّك تركيا في استهداف الامتداد السوري لحزب العمال الكردستاني، المصنف إرهابياً في تركيا وحلف الناتو، في مليشيات كردية انفصالية. وبالتالي، أسهمت في إضعاف قوات المعارضة المعتدلة على عدد من الجبهات، نتيجة انقطاع الدعم اللوجستي البري والجوي الذي كانت تقدمه تركيا، أو الأطراف الأخرى، من خلال الأراضي التركية إلى قوات المعارضة.
وقد تزامن إعلان بوتين مع استئناف محادثات جنيف، ويمكن أن يكون هذا التوقيت مهماً، حيث
كما يمكن تفسير قرار بوتين بأنه عكس إرهاقاً متزايداً من الغوص المتواصل في الحرب، وقد ذهب مسؤولون كبار في إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما إلى القول إن تدخل موسكو كان يمكن أن تترتب عليه نتيجة غير مقصودة في جر روسيا إلى مستنقع الحرب واستعداء السنة على امتداد المنطقة، وهو ثمنٌ ربما لا يكون بوتين قادراً على دفعه.
بالإضافة إلى أن روسيا فشلت في إحداث أزمة لاجئين لبعض الدول الأوروبية، والتي تتصدّر فرض العقوبات على موسكو، لموقفها في أوكرانيا، بسبب الاتفاق التركي الألماني حول اللاجئين السوريين، وفشلها في جعل قوات الأسد تبسط سيطرتها الكاملة على مدينة حلب، والنجاح الكبير الذي حققته برياً، كان في ريف اللاذقية، أما في القلمون ودير الزور وريف حلب، بقيت الخارطة العسكرية متشابكة.
وصحيح أن روسيا جاءت إلى سورية بقواتها، لتعزيز سلطة الأسد، إلا أن الأشهر الستة الماضية عكست شيئاً آخر أيضا، وكان أخطر ما قامت به إضعاف الجيش الحر، وزرع بذرة مشروع تمزيق سورية في خريطة قصفها الجوي المكثف، حيث رسمت حدوداً جديدة، بدعمها مليشيات كردية، وجعلتها أمراً و اقعاً في سيطرتها على مناطق تقطنها أغلبية عربية مطلقة، لتحقيق التواصل الجغرافي الذي تفتقده المناطق التي سبق أن كانت تحت سيطرتها، فهي لم تكن تمتلك أي مقومات جغرافية، أو ديمغرافية لإقامة أي كيان فيدرالي أو انفصالي، إلا أن ذلك تغيّر جزئياً بعد التدخل الروسي. وبذلك، لا تضع موسكو فقط حدود تمزيق سورية، وإنما تقوّض سلطة الأسد على كامل سورية، والتي جاءت لتعزيزها، بالإضافة إلى أن قواعدها في اللاذقية وطرطوس استطاعت تأمين وجود مشروع مستقبلي لدويلةٍ علويةٍ، أو ما بات يطلق عليه سورية المفيدة.
الأكيد أن لا أحد، على وجه الدقة، يعلم حجم القوات التي أدخلتها روسيا إلى سورية. وبالتالي، من الصعب معرفة عن أي انسحاب تتكلم موسكو. ولمعرفة حقيقة إعلانها الانسحاب، لا بد من مراقبة سلوكها في الفترة القريبة المقبلة، لا سيما إعلان بوتين بقاء قوةٍ لحماية قاعدتيه العسكريتين في سورية، من دون تحديد حجمها، ما يعني أنه انسحب إعلامياً، ليبقى فعلياً.
تبقى الإشارة إلى رسالة مهمة أراد بوتين بإعلان الانسحاب من سورية توجيهها إلى الداخل الروسي، ولاسيما إلى جنرالات وزارة الدفاع، بأنه صاحب الكلمة العليا في روسيا، ولاسيما بعد ما تردّد عن إمكانية أن يكون حادث إسقاط الطائرة الروسية التي قالت تركيا إنها اخترقت أجواءها، كان نتيجة تنافس بين جنرالات البلدين، ولا يعكس حقيقة موقف القيادة السياسية في موسكو أو أنقرة. وتؤكد ذلك مؤشرات التهدئة مع الأتراك التي باتت تصدر من موسكو، بعد إعلان الانسحاب من سورية، وجديدها من ماريا زاخاروفا، المتحدثة الرسمية لوزارة لخارجية الروسية، أن الأزمة بين روسيا وتركيا عابرة.