انتهى الدور الأول من بطولة يورو 2016 مع صعود معظم الفرق، باستثناء خروج السويد والنمسا مبكراً. ثلاثة منتخبات توقع الكثيرون استمرارها، لكن جاءت المفاجآت عن طريق فرق مثل المجر وسلوفاكيا وأيرلندا، بعد تصدر الفريق المجري مجموعته على حساب آيسلندا والبرتغال، في مجموعات صنفت فنيا بالجيدة، لا السيئة ولا العظيمة، ضمن الجولة الحالية من النسخة الفرنسية.
شاكا وشركاه
تستحق هذه البطولة أن تكون انطلاقة جديدة لمركز صانع اللعب الممرر في السنوات الأخيرة، فبعد شهرة كلود ميكاليلي مع فرنسا في سنوات قديمة، أطلق الإنجليز على لاعب الارتكاز الدفاعي، الذي يقطع الكرات ويمنع هجمات المنافس مصطلح "وظيفة ميكاليلي"، في كناية واضحة عن النجم الذي طُرد من جنة الملكي، ليقدم مواسم لا تُنسى مع تشيلسي في لندن.
وجاء بوسكيتس مع غوارديولا في 2008، ليعلن ثورة جديدة في هذا المركز، بقوته في التمرير من الخلف، وذكائه في بناء الهجمات، مع تحوله المستمر إلى خانة الليبرو بين قلبي الدفاع، في تحول واضح من 4-3-3 إلى 3-4-3 أو نظام الثلاثة مدافعين والسبعة مهاجمين، لتستمر هذه الصيحة حتى يومنا هذا، وتزيد بوضوح في اليورو.
قدم غرانيت شاكا دوراً أوّلَ مثاليّاً مع سويسرا، وحصل على الإجادة الكاملة بقيادته للمنتخب من خلال مركز متأخر للغاية، حيث يلعب شاكا في نصف ملعبه خلال معظم الوقت، لكنه يؤثر على طريقة اللعب أكثر من كل الأسماء الهجومية، لأنه يستلم الكرات ويضع تمريراته الطولية والقطرية تجاه الأطراف.
إنه ارتكاز "الهولدينغ" الذي يلعب بين الدفاع والوسط، ويملأ الفراغات في وبين الخطوط، ويعتبر نسخة معاكسة لما يقدمه نغولو كانتي لاعب فرنسا، حيث أن نجم ليستر يقوم أولا وثانيا وثالثا بصد هجمات الخصم، بينما يتمحور أداء شاكا وشركاه على النصف الآخر من المعادلة، حيث كتابة السؤال قبل التفكير في الإجابة عليه.
بدون مهاجمين
هي بطولة غياب المهاجمين حتى الآن، لدرجة أن اليويفا تعب كثيرا من أجل وضع أصحاب المركز 9 في تشكيلته المثالية بعد كل جولة، لتلعب معظم الفرق بدون مهاجم حقيقي، ويلجأ المدربون إلى حلول أخرى من باب الابتكار الفني، ومحاولة هز الشباك عن طريق لاعبي الوسط وأجنحة الرواق.
فمنتخب مثل ويلز، يسجل نجمه غاريث بيل معظم أهدافه، لأنه يبدأ المباراة في المركز 10 بالعمق، ليس جناحاً صريحاً أو لاعب وسط حراً، بل ساعداً هجوميّاً حقيقيّاً، ينطلق من قلب الوسط المهاجم إلى داخل منطقة الجزاء، ويستفيد من قوة تسديداته أمام المرمى، لذلك سجل اللاعب 3 أهداف، هدفان منهم عن طريق ضربات ثابتة.
ورغم تواجد عدد كبير من المهاجمين في صفوف إنجلترا، إلا أنهم يعانون بشدة في البطولة، فالفريق الإنجليزي سجل 3 أهداف فقط، منهم هدف للاعب الوسط إيريك داير. كذلك منتخب البرتغال الذي لعب في النهاية برونالدو وناني في خط الهجوم، خلال مواجهة المجر التي انتهت بالتعادل الإيجابي.
لاعب الوسط المبادر
فكر أكثر من مدرب في استخدام خط الوسط بطريقة مغايرة، من خلال اللعب بطريقة 4-1-4-1 مع مهاجم متحرك في الأمام، وقدم الفريق المجري أفضل نسخة ممكنة خلال الدور الأول، تحت قيادة المدير الفني الألماني برند شتورك، الرجل الذي يلعب بفكر هجومي واضح ويفرض شخصية فريقه على الجميع، دون النظر إلى قدرات وإمكانات الأسماء الرنانة.
لذلك لعبت المجر بأسلوب الاستحواذ والسيطرة، وهاجمت بأكبر عدد ممكن من اللاعبين، لدرجة أن آدم شالاي، المهاجم المتقدم، يلعب تحته رباعي قوي، ثنائي بالعمق وثنائي آخر على الأطراف، ومع غياب اللاعب المميز، آدم ناجي، حصل زولتان جيرا على دور أكبر أمام البرتغال، من خلال لعبه بين الدفاع والوسط، وصعوده المستمر إلى نصف ملعب المنافس من أجل التسديد، خصوصا مع تواجد أكثر من زميل أمامه، يساعده على فتح زوايا التمرير والاستفادة من خيارات متنوعة.
سلوفاكيا منتخب آخر أجاد في الدور الأول، ويعود الفضل إلى المتحرك، مارك هامسيك، نجم نابولي الذي يتمركز كصانع لعب غير تقليدي، فاللاعب لا يشبه أوزيل أو إنييستا أو راكيتيتش في طريقة التمرير، لكنه بارع بشدة في اللعب الطولي، مع إجادة تامة للاختراق العمودي المباشر، هو لاعب لا يفاجئ خصومه، لكنه يواجههم بجرأة غير تقليدية، تعطيه الأفضلية في معظم المواجهات.
ثلاثي الدفاع
وصلت ويلز إلى الدور الثاني بعد تصدر مستحق للمجموعة على حساب إنجلترا، ولعب المدرب، كريس كولمان، بطريق لعب 3-4-3، بتواجد ثلاثي دفاعي صريح، أمامه جوي ألين كصانع لعب متأخر، مع الاستفادة من قدرات أرون رامسي وسرعة بيل خلف المهاجم فوكيز، لتكون النتائج مبهرة بأداء دفاعي متوازن وهجومي فعال.
ونجح المنتخب الويلزي في ما فشل فيه فريق آخر، كبلجيكا مثلا، فمنتخب مثل بلجيكا لا يضم أظهرة صريحة، ويلعب بقلوب الدفاع على الأطراف، لذلك كان من الممكن تجربة خطة ويلز، بوضع ثلاثي في الخلف، مع إضافة لاعب وسط إلى منطقة الارتكاز، لكن فيلموتس في النهاية حافظ على نفس نهجه مع مواصلة الاعتماد على الناحية الفردية.
تجربة جيدة لكونتي مع إيطاليا في مرحلة المجموعات، من خلال اللعب بخطة 3-5-2، واستخدام خط دفاع قائم على مزيج بين الرقابة الفردية ودفاع المنطقة، رفقة الاستعانة بمهارات بونوتشي في التمرير من الخلف، لكن المفاجأة الحقيقية في تشكيلة الطليان كانت في التقدم الواضح للظهيرين، فأنطونيو يلعب بطرفي ملعب أقرب إلى الأجنحة، ليضرب الأزوري خصومه من الحركة، عن طريق اللعب المفاجئ من الرواق، بعيدا عن الدفاعات المتكتلة في عمق الملعب.
انتشرت بشدة سياسة "الثلاثي الدفاعي" في مونديال 2014، وتلعب منتخبات مثل إيطاليا وويلز بهذه الخطة، ويبدو أن النجاح مستمر ومتواصل، بعد وصول هولندا وفان غال إلى المركز الثالث عالمياً بأسلوب شبيه، لكن لا يزال الطريق طويلا نحو التأكيد، خصوصا أن كل الكبار في طريق الموت.