رسائل الملك المغربي إلى "الخونة" بنكهة صحراوية

08 نوفمبر 2014
"الخونة" يحضرون بقوة في خطاب الملك (كريس جاكسون/Getty)
+ الخط -

للمرة الأولى يفسح الملك المغربي محمد السادس، في خطبه السياسية، مساحة واسعة للحديث عمن أسماهم "الخونة"، ذلك أن الكلمة التي ألقاها اول من أمس الأربعاء، تحمل دلالة خاصة في الحقل السياسي المغربي، وارتبطت على وجه الخصوص، بفترة الاستعمار الفرنسي، حين ظهرت طبقة "الباشوات"، كطبقة متحكّمة متعاونة مع الاستعمار، كانت مستعدة لوضع نهاية لاستمرار العرش العلوي، بعد نفي ملك الاستقلال محمد الخامس، وأحلّت محله محمد بن عرفة، الذي أطلقت الحركة الوطنية عليه لقب "الملك الدمية"، وعرضته لمحاولة اغتيال قام بها علال بن عبدالله.

ومنذ ذلك اليوم، وحتى ساعة الخطاب الملكي المذكور، بمناسبة الذكرى التاسعة والثلاثين للمسيرة الخضراء، التي أطلقها الملك الراحل الحسن الثاني، لاسترجاع الصحراء المغربية، تلوّنت كلمة الخونة بتلوينات كثيرة، لكنها ظلت مرتبطة في الحقل السياسي المغربي بعملاء الاستعمار، الذين حتى وإن جاء الاستقلال، فإن الدولة لم تقطع معهم نهائياً، بل مكّنتهم، من مفاصل المسؤولية والاقتصاد، في وقت كان يطمح فيه المغاربة وقواهم التي ناضلت من اجل الاستقلال، بدولة العدالة والديمقراطية وحقوق الإنسان.

خطاب الملك جاء في ذكرى خاصة تُعتبر حصاة في حذاء البلاد تعوق سيرها التنموي، بسبب الاعتمادات المالية الكبيرة التي تخصّصها المملكة المغربية لمنطقة الصحراء، والتكلفة الباهظة لنزاع دام أربعة عقود، وقدّم فيه المغرب إمكانية للحل في صيغة حكم ذاتي تحت سيادته. ولعل استدعاء كلمة الخيانة في هكذا خطاب، وأكثر من مرة، يؤكد إحساس الجهات العليا في البلاد، بوجود مخاطر داخلية، وحالة من عدم الوضوح في الانتماء إلى الوطن.

وفُهمت الإشارة سريعاً بأن ذلك مُوجّه إلى عدد من صحراويي الداخل الذين استفادوا لسنوات طويلة من امتيازات ريعية كبيرة، كانت تقدّمها الدولة لتنمية منطقة الصحراء، وهو الأمر الذي أدى وعلى مدار سنوات طوال، إلى نمو طبقة اجتماعية متنفعة، كوّنت ثروات هائلة، وظلّت تقدّم نفسها بسبب انتماءاتها القبلية والعائلية في الصحراء، على أنها صاحبة الحل والعقد، وبإمكانها وحدها فقط أن تحل النزاع المزمن.

لكن الواقع أثبت للنظام في المغرب، مخاطر الاعتماد على وجوه قبلية ومنحها دوراً كبيراً على الأرض، في قضية ترهن مستقبل التنمية في المغرب، وتعطّل إقلاعه الاقتصادي.

فقد اعترف الملك بأن نسبة كبيرة من مقدّرات وخيرات البلاد تذهب لتغطية نفقات الصحراء، وأن كل درهم يُصرف في المناطق الداخلية، يُصرف مقداره سبع مرات في مناطق الصحراء، ما يشير إلى حجم الإنفاق الهائل من قبل المملكة على المنطقة.

لغة التهديد والوعيد بملاحقة "الخونة" من قِبل القصر، تكشف عن شعور بنوع من الخديعة، يمكن أن يكون تعرّض لها المغرب من قِبل قيادات صحراوية في الداخل، لعبت على التسويفات في حل النزاع عن طريق الوساطات القبلية واستثمار قرابات الدم في ذلك، إذ إن العديد من العائلات الصحراوية الموجودة في منطقتي العيون وبوجدور، لها أفراد من العائلة في الضفة الأخرى في منطقة تيندوف.

وقدّم عدد من الوجهاء في الصحراء، وعوداً بتأدية دور حاسم في الصراع مع جبهة "البوليساريو"، لكن تلك الوساطات كانت محدودة الأثر، حتى مع سعي المغرب إلى استقطاب وجوه في الجبهة، وإعطائها وضعاً مميزاً في الرباط، لكن كل ذلك لم يخفف الاحتقانات الداخلية الموجودة في مدينة العيون، والتي تفجّرت في تظاهرات مخيم "اكديم ايزيك" في العيون عام 2010، عندما تظاهر آلاف الصحراويين ونصبوا مخيماً خارج المدينة ورفعوا أعلام "البوليساريو".

ومنذ تلك الحادثة، أدركت الدولة الطريق الخطأ الذي سارت فيه، بمنح بطاقة بيضاء لأعيان الصحراء، والسماح لهم بالتغلغل وسط السكان وعزل كيان الدولة في التفاعل والإنصات لمطالب الفئات العريضة، وبالأخص الشباب الذين وُلدوا ما بعد المسيرة الخضراء في العام 1975، والذين يحتاجون اليوم إلى العمل والخروج من البطالة والشعور بالانتماء إلى الوطن.

لهذا، سارع الملك محمد السادس إلى الإعلان عن برنامج تنموي جديد بإعادة هيكلة وكالة تنمية الصحراء، إذ ستتولى الإدارة المغربية تسيير المشاريع التنموية والاجتماعية في المنطقة، مع توجّه إلى الحد من هيمنة الأعيان على المشهد السياسي في الصحراء ونزع الامتيازات الريعية عنهم.

وكأن الملك محمد السادس رغب برسائله الحاسمة القول حرفياً: انتهى زمن البقرة الحلوب، واللعب على الحبلين، وأما الانتماء فواحد، وإلا فالقانون سيد الجميع، حينها سيكون سيف "الخيانة العظمى" مسلطاً على الرقاب. فكما كان هناك بالأمس خونة للاستعمار، هناك اليوم خونة للانفصاليين، وعليهم منذ الآن أن "يتوبوا" للوطن أو يتحسسوا رقابهم.

المساهمون