ردود الفعل العنيفة والمتتالية من قبل الحكومة السعودية على كندا بدت أشبه بـ"إعلان حرب"، أكثر منها ردود فعل متوازنة على خلاف عادي، كما يصفها بعض خبراء الاقتصاد السياسي والدبلوماسية في الغرب. وبحسب صحيفة " فايننشال تايمز"، فإن اللهجة العنيفة التي استخدمتها الرياض أدهشت حلفاءها في الدوائر الغربية والمراقبين لسياستها على المدى الطويل.
ووفقاً لتقرير الصحيفة، يفسر خبراء رد الفعل السعودي بأنه "حملة علاقات عامة" مدمرة لسمعة المملكة كبلد مستقر، في وقت تحتاج السعودية إلى جذب الاستثمارات الأجنبية حتى تتمكن من تنفيذ خطة التحول الاقتصادي من الاعتماد على النفط إلى القطاع غير البترولي التي أطلق عليها بن سلمان "رؤية 2030".
فيما يرى آخرون في هذه العدائية السعودية، أنها رسالة تحذير يوجهها ولي العهد السعودي الجديد محمد بن سلمان للعالم، بأنه سيستخدم كامل عضلات السعودية المالية والنفطية ضد أي دولة تنتقده.
في هذا الصدد، اعتبر الخبير الألماني في شؤون الشرق الأوسط، غيدو شتاينبرغ، أن "ن رد فعل ولي العهد السعودي مبالغ فيه". وفسره في تعليقات لقناة " دويتشه فيله" الألمانية بوجود احتمالين، أولهما أن بن سلمان لا يحس بالأمان لدرجة أن وجد نفسه مضطراً للقيام بهذا الرد تجاه ما أعتبره نقداً غير ضار.
أما بالنسبة للاحتمال الثاني، فقد ربط شتاينبرغ رد الفعل السعودي بتلقي النقد الغربي بشكل دائم. كما كشف على أنها رسالة تعني أن السعوديين لا يريدون سماع هذا النوع من الانتقادات مر أخرى.
ولاحظ خبراء، أن الحكومة السعودية تواصل السياسة الخارجية العدائية منذ تولي ولي العهد السعودي محمد بن سلمان زمام الأمور في المملكة، حيث صعدت العداء في السابق ضد كل من ألمانيا والسويد وحالياً ضد كندا. وعلى الصعيد العربي، رفضت السعودية التخلي عن حصار قطر رغم غياب المبررات التي تدعم هذا السلوك العدواني.
وهي سياسات، بحسب صحيفة "وول ستريت جورنال"، ترعب المستثمرين الذين تراهن عليهم السعودية في تنمية الاقتصاد الراكد وتوفير فرص عمل للبطالة المتزايدة وسط السعوديين.
واندلعت الأزمة الدبلوماسية قبل أيام بين السعودية وكندا، بعد أن طالبت أوتاوا الرياض بالإفراج عن حقوقيين سعوديين اعتقلتهم، واتهمت السعودية كندا بالتدخل في شؤونها الداخلية، واستدعت سفيرها من أوتاوا، وطردت السفير الكندي لديها، وأعلنت عن تجميد التعاملات التجارية والاستثمارات الجديدة بين البلدين.
وبحسب أرقام وكالة الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (أونكتاد) التي أعلنت عنها أخيراً، فإن هذه السياسة العدائية في السياسة الخارجية وداخلياً ضد رجال الأعمال، أسهمت في إحجام المستثمرين عن الدخول في صفقات سعودية أو الاستثمار المباشر في السعودية.
وما يدعم ذلك أرقام "أونكتاد" الأخيرة التي أظهرت أن حجم الاستثمار الأجنبي في السعودية انهار إلى 1.4 مليار دولار في عام 2017، مقارنة بحجمه البالغ 7.4 مليارات دولار في العام السابق له.
ومن بين الإجراءات السريعة التي اتخذتها الرياض ضد كندا، أعلنت شركة الخطوط الجوية السعودية وقف رحلاتها الجوية من وإلى مدينة تورنتو الكندية اعتباراً من الإثنين المقبل، إضافة لذلك قررت وزارة التعليم السعودية، إيقاف برامج البعثات والتدريب والزمالة إلى كندا، وإعداد خطة عاجلة لنقل جميع الملتحقين بهذه البرامج البالغ عددهم قرابة 17 ألف شخص مع أسرهم إلى دول أخرى.
كما كشفت صحيفة "فايننشال تايمز"، يوم الأربعاء، أن السعودية بدأت بيع الأصول الكندية التي تملكها، في مؤشر على تصاعد الخلاف بين الرياض وأوتاوا. ونقلت الصحيفة البريطانية عن مصدرين مطلعين أن "البنك المركزي السعودي وصناديق التقاعد الحكومية أوعزت لمديري الأصول في الخارج بالتخلص من الأسهم والسندات والنقد الكندي، بغض النظر عن التكلفة".
ولكن ما أثار دهشة خبراء الطاقة والاقتصاد معاً في كندا هو تصريحات وزير الطاقة السعودي خالد الفالح أمس الخميس، والتي قال فيها إن إمدادات السعودية من النفط إلى كندا لن تتأثر بالخلاف بين البلدين.
وتابع الفالح، في بيان نشرته "رويترز"، أن "السياسة النفطية لحكومة المملكة العربية السعودية تقضي بعدم تعريض الإمدادات النفطية التي توفرها المملكة لدول العالم لأي اعتبارات سياسية".
وأضاف: "الأزمة التي تمر بها العلاقات السعودية - الكندية لن تؤثر، بأي حال من الأحوال، في علاقات شركة أرامكو السعودية مع عملائها في كندا".
ويوحي التصريح بأن كندا بحاجة إلى النفط السعودي، أو أنها مستورد كبير للنفط السعودي. ولكن في الواقع فإن كندا من كبار المنتجين والمصدرين للنفط. حيث تصدر كندا حوالى 3.5 ملايين برميل نفط يومياً إلى الولايات المتحدة، كما تصدر كميات نفط أخرى إلى عدد من دول العالم.
وتشرح الخبيرة الاقتصادية الكندية جوديث دوركين، التي تعمل بمجموعة " آر أس أنيرجي" بمدينة كالغاري الكندية، في تعليقات لقناة" سي بي سي" التلفزيونية الكندية، تصريح وزير النفط السعودي بقولها، إن هنالك عقداً بين شركة أرامكو السعودية ومصافي النفط في شرق كندا تستورد بموجبه هذه المصافي كميات تراوح بين 75 و80 ألف برميل يومياً من النفط السعودي.
وترى جوديث أن هذه الكمية الضئيلة يمكن تعويضها بسهولة في حال إيقاف أرامكو تصدير النفط. وبالتالي، فإن السعودية ستتضرر من إيقاف العقد وليست كندا، في وقت تتصارع السعودية على الحصص السوقية مع روسيا والعراق.
ويقدر احتياطي كندا النفطي بحوالى 175 مليار برميل، أي ما يوازي 75 عاماً من الإنتاج. إن إنتاج كندا من النفط يبلغ 3.5 ملايين برميل يومياً، ومرشح للارتفاع بأكثر من 80% في السنوات الخمس عشرة المقبلة ليبلغ 6,4 ملايين برميل يومياً. وربع الإنتاج الحالي يذهب إلى مصافي النفط في كندا، ويتم تصدير الباقي إلى الولايات المتحدة.
وعلى الصعيد التجاري، فإن السعودية صدرت في العام 2017 منتجات وخدمات بملياري دولار إلى كندا، وهو أقل من واحد في المائة من إجمالي صادرات المملكة إلى العالم التي بلغت 220.07 مليار دولار، في حين كانت صادرات كندا إلى السعودية أقل من تلك النسبة.