رحل صباح اليوم في إحدى مستشفيات بيروت الروائي السوري ياسين رفاعية (1934 – 2016) بعد حياة طويلة قضاها في العاصمة اللبنانية، حيث ترك دمشق قبل أكثر من نصف قرن.
عاش رفاعية أسيراً بإرادته في ذكريات وأجواء الثقافة في الستينيات، لا يكف عن الحديث عنها، مع ذكرى زوجته الشاعرة السورية أمل جراح التي فقدها بسبب المرض، والتي شاءت الأقدار أن يفقد بعدها ابنته الوحيدة لينا بعد وفاة والدتها بسنة.
كانت قصة حبه لزوجته محور حديث لمن يلتقي برفاعية لأول مرة في مقهى قريب من بيته في راس بيروت، وكأنها كانت القصة التي يعرف ويعرّف نفسه من خلالها. كان صاحب "الممر" و"الرجال الخطرون" يسرد لك قصصاً كثيرة عن حياته وعائلته، كما لو كان خائفاً من النسيان.
كذلك كانت أجواء رواياته، ظلّ رفاعية يكتب حتى آخر أيامه، لكنه لم يتغير ولم يجدّد. ظل محتفظاً بالطابع القديم للعمل الأدبي، أعمال صدرت في الألفية الثالثة ولكنها تنتمي لزمن إحسان عبد القدوس ويوسف السباعي؛ ذلك أن رفاعية كان يعيش في زمانه هو، كأنه يلتف ببطانية دافئة لا يريد الخروج من تحتها؛ من هذه الروايات "أهداب" أو الأعمال الثلاثة الأخيرة والمتتالية التي صدرت مؤخراً عن دار "جداول": "ياسمين" و"حياة من خرم الإبرة" (2016) و"أول قبلة أول حب".
لم يكن رفاعية يتوقع لنفسه مصيراً أدبياً أو عملاً في الصحافة، كما فعل في بيروت، فقد ولد لأسرة متواضعة الحال في الشام، وكان يعمل صبياً في فرن والده، كما عمل مصلحاً للأحذية. قبل أن تكتب عنه صحيفة "النهار" بعد صدور أول كتبه، وهو يعمل في فرن والده.
كانت بيروت مصدر إغراء إذن، تتصدّر صورته أهم صحفها في الستينيات، وكأنها تدعوه إلى المغامرة فيها. وبالفعل عاش رفاعية في بيروت ولم يتركها حتى في سنوات الحرب الأهلية، المفارقة أنك حين ستسأله عن بقائه في بيروت كل هذا الزمن، سيجيب بعفوية "أشعر فيها بالأمان".
كان أول كتب رفاعية مجموعة قصصية بعنوان "الحزن في كل مكان" (1960) وجرّب أيضاً أن يكتب الشعر فأصدر عدة مجموعات شعرية، لم تلق صدى كبيراً لأنها ظلّت تراوح في أجواء قصائد الحب النزارية، بينما تجاوز أبناء جيله هذه المرحلة، ويبدو هذا مفهوماً حين تلتقي الشيخ رفاعية فترى تلك المسحة من الرومانسية الحالمة ما زالت تظهر في طريقة حديثه، من هذه المجموعات "جِراح" و"حب شديد اللهجة" و"أحبك وبالعكس أحبك".
عاش رفاعية في السنوات الأخيرة انتكاسات صحية، لم يكن قادراً على احتمال تكاليفها، وتهافت أصدقاءٌ ومثقفون لمساعدته، وعلى سرير المرض كتب ثلاث روايات كانت هي الأخيرة.